ميقات الإحرام لمن يسافر إلى المدينة المنورة أولًا

تاريخ الفتوى: 13 مايو 2025 م
رقم الفتوى: 8640
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الحج والعمرة
ميقات الإحرام لمن يسافر إلى المدينة المنورة أولًا

رجل سيسافر من مصر إلى المدينة المنورة مباشرة، فهل يجوز له أن يُحرِم من "أبيار علي" وهو ميقات أهل المدينة المنورة، أم يُحرِم من مصر قبل سفره؟

ميقات إحرام الرجل المذكور المُتَّجه من مصر إلى المدينة المنورة مباشرة دون المرور على ميقات بلده "رابغ" -هو ميقات أهل المدينة المنورة "أبيار علي"، ومع ذلك يجوز له أن يُحرِم قبل ذلك من مصر قبل سفره منها أو من المطار أو غير ذلك، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

المحتويات

 

بيان الحكمة من مشروعية الحج والعمرة والمراد بالإحرام

شَرَع الله تعالى كُلًّا من "الحج والعمرة" لحكم عديدة ومقاصد جليلة، ففيهما شَحْذ لهِمَمِ المُؤمنين، وإظهار كمال عبوديتهم لله تعالى وتجردهم عن كافة الشواغل الدنيوية؛ رجاءَ عفو الله تعالى، وطلبًا لمغفرته سبحانه. ينظر: "إحياء علوم الدين" لحجَّة الإسلام الإمام الغَزَالِي (1/ 266، ط. دار المعرفة).

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» متفق عليه.

ومن المُقَرَّر شرعًا أن الأمر الوارد بالإتيان بهما تامَّين كاملين في عموم قول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196] لا يتحقق إلا من خلال مراعاة مناسكهما، وترك محظوراتهما التي تمتنع على الحاج أو المعتمر بالإحرام، كلبس المخيط المحيط للرجال، واستعمال الطيب في البدن أو الثياب بعد الإحرام، وغير ذلك، والمراد بالإحرام عند جمهور الفقهاء: نيَّة الدخول في النُّسُك، بأن ينوي بقلبه الدخول في الحج أو العمرة، أو فيهما معًا إن كان يريد القِران، ويتحقَّق هذا الإحرام عند الحنفيَّة وبعض فقهاء المالكيَّة باقتران التلبية أو ما يقوم مقامها بالنيَّة. ينظر: "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين الحنفي (2/ 467، ط. دار الفكر)، و"الشرح الكبير" للإمام أبي البركات الدَّرْدِير المالكي (2/ 21، ط. دار الفكر، مع "حاشية الإمام الدُّسُوقِي")، و"حاشية الإمام سليمان الجمل الشافعي على شرح المنهج" (2/ 407، ط. دار الفكر)، و"الروض المربع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (ص: 285، ط. دار المؤيد).

ميقات الإحرام لمن يسافر إلى المدينة المنورة أولًا

لقد حدَّدَ الشارعُ الشريف لمريد الدخول في النُّسك بالإحرام -حاجًّا كان أو مُعْتَمِرًا- مواضعَ مُحَدَّدةً معلومةً للإحرام منها تُعْرَفُ بـ"المواقيت المكانية"، والتي تتفاوت قُرْبًا من الحرم المكي وبعدًا عنه بتفاوت الجهة التي يَقْدم منها النَّاسك، فجعل "ذا الحُلَيفة" ميقات أهل المدينة، ويُعرف حاليًّا بـ"أبيار علي"، و"الجُحْفَة" ميقات أهل الشام ومصر، وأهل تبوك كذلك، ويُعرف حاليًّا بـ"رابغ"، و"قَرْنَ المنازلِ" ميقات أهل نجد والطائف، ويعرف حاليًّا بـ"السيل الكبير"، و"يَلَمْلَم"، وهو ميقات أهل اليمن، ويُعرف حاليًّا بـ"السَّعْدية".

والأصل في اعتبار تلك المواقيت: ما ورد عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أنه قال: «وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ، فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» أخرجه الإمامان: البُخاري واللفظ له، ومسلم.

فأفاد قوله: «هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» عدم اختصاص الإحرام من هذه المواضِع على أهلها فقط، فإنها وإن كانت لهم في الأصل، إلَّا أنها محل الإحرام لهم ولغيرهم ممن مر بهذه المواقيت وأتى عليها من غير أهلها، كما في "المفاتيح في شرح المصابيح" للإمام المُظْهِري (3/ 259، ط. دار النوادر).

وقد تواردت نصوص جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على ذلك، فذهبوا إلى أنَّ مُريدَ النُّسك إذا كان مُتَّجِهًا من بلده قاصدًا أداء النُّسك، سالكًا طريقه إلى ميقات غيره، ومنه إلى مكة المكرمة، فإن ميقاته حينئذ يكون ميقات أهل البلد الذي يمر به؛ لأنه لَمَّا حصل له المرور به صار كأنه ميقاته، وذكر بعضُهم لذلك مثالًا بالمصريين إذا سلكوا الطريق من مصر إلى المدينة المنورة أولًا، ومنها إلى مكة المكرمة، وأن ميقاتهم حينئذ يكون ميقات أهل المدينة المنورة، لا ميقات أهل مصر.

قال شمسُ الأئمة السَّرَخْسي الحنفي في "المبسوط" (4/ 167، ط. دار المعرفة): [كل من ينتهي إلى الميقات على قصد دخول مكة... عليه أن يحرم من ذلك الميقات، سواء كان من أهل ذلك الميقات أو لم يكن] اهـ.

وقال الإمام أبو البركات الدَّرْدِير المالكي في "الشرح الصغير" (2/ 23، ط. دار المعارف): [لو أراد المصري أن يمر من طريق أخرى غير طريق الجحفة لوجب عليه الإحرام من ذي الحليفة كغيره] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (7/ 198، ط. دار الفكر): [المواقيت لأهلها، ولكل من مر بها من غير أهلها.. وهذا الحكم.. متفق عليه، فإذا مر شامي من طريق العراق أو المدينة، أو عراقي من طريق اليمن، فميقاته ميقات الإقليم الذي مر به، وهكذا عادة حجيج الشام في هذه الأزمان: أنهم يمرون بالمدينة، فيكون ميقاتهم ذا الحليفة] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 465، ط. دار الكتب العلمية): [المواقيت.. (لأهلها..) ولمن مر عليها من غير أهلها ممن يريد حجًّا أو عمرة (فإن مر الشامي أو المدني أو غيرهما) كالمصري (على غير ميقات بلده) كالشامي يمر بذي الحليفة (فإنه يُحرِم من الميقات الذي مر عليه؛ لأنه صار ميقاته)] اهـ.

ووجه ذلك: أن الغرض من الإحرام تعظيم الكعبة المشرَّفة وحَرَمِها، وإظهار شرف الدخول إليها، كما في "المبسوط" لشمسِ الأئمة السَّرَخْسِي (4/ 167)، و "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين (2/ 455)، وهذا التعظيم حاصل بالإحرام من أي ميقات يمر به، بقطع النَّظرِ عن وطنِ النَّاسك أو قُطره المنتسب إليه القادم منه، كما في "نهاية المطلب" للإمام الجُوَيْنِي (4/ 207، ط. دار المنهاج) نقلًا عن الإمام الشافعي.

وبهذا عُلِمَ أنَّ الحكم بإحرام النَّاسِك من ميقات مروره دون إلزامه بميقات بلده -أمر دالٌّ على سعة الشريعة الغرَّاء، ومراعاتها رفع الحرج عن المكلفين؛ وذلك عملًا بعموم قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقوله سبحانه: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]، وقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

فإن أراد النَّاسك تقديم الإحرام قبل بلوغ الميقات أو المرور بأحد المواقيت وإن لم تكن ميقات بلده، وذلك بإحرامه من منزله أو المطار أو غير ذلك، فقد انعقد الإجماع على حصول الإحرام بذلك -على خلاف وتفصيل بين الفقهاء- ونقله غير واحد من الأئمة، منهم الإمام ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 51، ط. دار المسلم)، والإمام ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 250، ط. الفاروق الحديثة)، وهو المختار للفتوى.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ ميقات إحرام الرجل المذكور المُتَّجه من مصر إلى المدينة المنورة مباشرة دون المرور على ميقات بلده "رابغ" -هو ميقات أهل المدينة المنورة "أبيار علي"، ومع ذلك يجوز له أن يُحرِم قبل ذلك من مصر قبل سفره منها أو من المطار أو غير ذلك، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

نرجو منكم بيان الحكم الشرعي لما يفعله بعض الحجاج والمعتمرين من كثرة الانشغال بالتصوير خلال أداء مناسك الحج والعمرة؛ حيث إن هناك بعض الزائرين لهذه البقاع الطاهرة لأداء المناسك يُكثر من التصوير بهواتفهم بشكل فوق المعتاد كلَّما مرّوا على أحد المشاعر والأماكن المقدسة، وهذا قد يؤدي إلى تعطيل الفوج عن أداء المناسك في الوقت المطلوب، ويسبِّب أيضًا حرجًا للبعض من كبار السن والعجزة، فلمَّا طُلب منهم التخفيف من كثرة التصوير، فكان رد أحدهم عليَّ بأنه حريص على التقاط صور تذكارية مع المشاعر والأماكن المقدسة، واستمروا في ذلك حتى بلغ الأمر مسؤول تنظيم الرحلة، وهو بدوره تضجَّر من ذلك الفعل؛ لأنه يعطله أيضًا عن عمله ومهمته بسبب تأخر حركتنا، فما حكم الشرع في ذلك؟


ما حكم كشف الكتف الأيمن في أثناء الإحرام؟ وهل هو فرض أو سُنَّة؟ وماذا لو تركه المُحرم؟ وهل يُشرع فعله للنساء المُحْرِمات؟


ما حكم استبدال الإطعام بالقيمة في فدية الحَج؟


ما حكم صلاة ركعتي الطواف في غير مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام؟ حيث يوجد رجلٌ أكرمه الله بالعمرة، وبعد أن انتهى مِن طوافه صلى ركعتي الطواف في مكانٍ مِن المسجد الحرام بعيدًا عن زحام الطائفين، وأكمل عمرته إلى أن انتهى منها، ثم أخبره أحد الأشخاص بأنه كان ينبغي عليه أن يصلي الركعتين في مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام. فهل تجزئ صلاة الركعتين في المسجد الحرام بعيدًا عن المقام؟


ما حكم قطع الطواف للصلاة المكتوبة؟ حيث إذا أقيمت الصلاة وأنا في الطواف؛ فهل يشرع لي قطعه، أو أتمه ثم أصلي؟ وإذا كان يشرع لي أن أقطعه ثم انتهت الصلاة، فهل يتم من المكان الذي قطعت فيه الطواف، أو أبتدئ الشوط المقطوع من أوله؟


ما الفرق بين التحلل الأصغر والتحلل الأكبر في أعمال الحج؟ فهناك شخصٌ عزم على الحج هذا العام، ويعرف أن للحج تحللًا أصغر وتحللًا أكبر، ويسأل: ما الفرق بينهما؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 04 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :38
الشروق
6 :16
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 46
العشاء
9 :12