ما حكم التصرف في كارت التموين؟ فلدَى بعض أصدقائي "كارت تموين" وليس في حاجة إليه، فهل يجوز أن يعطيه آخر مدة من الزمن ليستفيد من صرف السلع التموينية المقررة لهذا الكارت؟
التصرف في كارت التموين واستخدامه مُقيَّد بما حدَّدته الجهات المختصة لذلك، وعلى القَدْر الذي حدَّدته، وأي مخالفة لذلك فهي مُحرَّمة شرعًا وقانونًا؛ إذ الاحتيال لأخذ تلك المِنَحِ والمساعدات دون وجه حقٍّ، أو التَّصرُّف فيها على غير الوجه المقرَّر لها، عن طريق الإدلاء ببيانات خاطئةٍ أو بأيِّ وسيلة أخرى أمرٌ مُحرَّمٌ شرعًا ومجرَّم قانونًا، ففيه أكل أموال الناس بالباطل، ويشتدُّ إثمه لكونه اعتداءً على الأموال العامة التي تتعلق بها ذمة عموم المجتمع.
المحتويات
مِن المقرر شرعًا أنَّ حماية المال والمحافظة عليه هو أحد مقاصد الشرع الشريف، وقد حرَّمَ الشرع الشريف التَّعدِّي على أموال الغير واستحلالها دون وجه حقٍّ، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29].
وعن أبي بَكرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» متفق عليه.
البطاقة التموينية -كما يُفْهَم مِن منطوق القرار الوزاري رقم 62 لسنة 2021م، بشأن "تنظيم قواعد استخراج البطاقات التموينية للفئات الأَولَى بالرعاية"- هي: وثيقةُ إثباتٍ شخصية، تمنحها الدولة لفئاتٍ معينةٍ بشرائطَ محددةٍ، تُخوِّل لحامليها استحقاق دعم معين تقدمه الدولة لتلك الفئات.
فهذا الدعم المقدم من الدولة ليس حقًّا مطلقًا خالصًا لمستحقه يتصرَّف فيه ببيعٍ أو غيره، وإنما مُقيَّد بما اشترطته الجهات المختصة مِن ضوابط، وعلى المستفيد استعمال هذا الأمر في إطاره المسموح به وفيما هو مُحدَّد له، فلا يتنازل عنه لغيره ما دام هذا غير مسموحٍ به من الجهات المختصة؛ إذ يُعَدُّ هذا التَّصرُّف اعتداء على المال العام الذي حرَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاعتداء عليه، بل وجعل صيانته من الإهدار مسؤولية الجميع؛ لأنَّ هذا المال ملك لكل أبناء الوطن، والتصرف فيه يكون وفق ضوابط الشرع وشروطه.
فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه الإمام البخاري.
فقد سَمَّى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المال العام الذي لا يملكه فرد بعينه بأنه مال الله، وتُوضِّح ذلك رواية الترمذي: «مِن مال الله ورسوله»؛ إذ هذه الإضافة خاصة بالمال العام، وفي الحديث وعيد شديد لمَن يتخوّض في المال العام، أي: يأخذه ليتملكه ويتصرف فيه تصرف المالك.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (6/ 219، ط. دار المعرفة): [لا ينبغي التخوض في مال الله ورسوله والتصرف فيه بمجرد التشهي. وقوله: (ليس له يوم القيامة إلا النار) حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله، ففيه إشعار بالغلبة. قوله: "يتخوَّضون -بالمعجمتين- في مال الله بغير حق"، أي: يتصرَّفون في مال المسلمين بالباطل وهو أعم من أن يكون بالقسمة وبغيرها] اهـ.
يضاف لذلك أنَّ ما تمنحه الدولة مِن مساعدات وتقيده بوصفٍ معيَّن لفئات أو لأشخاص محدَّدين، فإنَّ هذه المساعدات تستحق متى توافر هذا الوصف، فمَن لم يكن متصفًا بذلك الوصف أو اتصف به ثم زال عنه، زال معه سبب الاستحقاق لهذه المساعدة، ولا يحلُّ أخذها، ضرورة أنَّ الحكم المعلَّق والمقيَّد بوصفٍ يدور معه وجودًا وعدمًا، بمعنى أنه ينزلُ الوصف من الحكم منزلةَ العلَّةِ التي يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا، فإذا وُجد الوصف وُجدَ الحكم، وإذا انتفى انتفى الحكم، كما قرَّره الإمام السرخسي في "أصوله" (1/ 258، ط. دار المعرفة)، والإمام علاء الدين البخاري في "كشف الأسرار" (2/ 288، ط. دار الكتاب الإسلامي).
ويقصد بالأموال العامة -كما هو مفاد المادة 87 من القانون المدني-: "كلُّ ما كان مملوكًا للدولة أو للأشخاص الاعتباريَّة العامَّةِ سواءٌ كان عقارًا أو منقولًا أو نحو ذلك، مما يكون مخصَّصًا لمنفعةٍ عامَّةٍ بالفعل أو بمقتضى قانونٍ أو مرسومٍ".
ويؤيد هذه النظرة الشرعية في التعامل مع المال العام ما أَقَرَّه الـمُشرِّع المصري في المادة الأولى بالقانون رقم 109 لسنة 1980م تعديلًا على القانون رقم 95 لسنة 1945م بإضافة المادة (3 مكرر "ب")، والتي تنص على العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة من مائة جنيه إلى خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لعدة أشخاص وهم:
أَوَّلًا: مَن "اشترى لغير استعماله الشخصي ولإعادة البيع مواد التموين الموزَّعة عن طريق مؤسسات القطاع العام والجمعيات التعاونية الاستهلاكية وفروعها".
ثانيًا: "مَن عُهِد إليه بتوزيع المواد التموينية في مناطق معينة أو على أشخاص معينين، وخالف ذلك بالتَّصرُّف فيها خارج هذه المنطقة أو إلى غير هؤلاء الأشخاص".
ثالثًا: مَن تَوصَّل بدون وجه حق إلى تقرير حصةٍ له في توزيع مواد تموينية أو غيرها مِن المواد التي يتم توزيعها طبقًا لنظام الحصص، وذلك بناءً على تقديم معلومات أو وثائق غير صحيحة، أو تَوصَّل إلى الحصول على هذه الحصص نفسها دون وجه حق، أو بعد زوال السبب الذي قام عليه تقرير حقه فيها، ومَن استعمل الحصة أو تَصرَّف فيها على غير الوجه الـمُقرَّر لذلك، أو إخلالًا بالغَرَض مِن تقرير التوزيع بالحصص، ومَن كان مختصًّا بتقرير هذه الحصص أو بصرفها متى قرر الحق في الحصة أو أقرَّ صرفها وكان عالمًا بعدم أحقِّيَّة المقررة له أو المنصرفة له".
التصرف في كارت التموين بإعطائه للغير للاستفادة منه حالة كونه غير مسموحٍ به من الجهات المختصة هو نوع من الغش والاحتيال والخداع، وهي أمورٌ محرمةٌ حذَّرَ الشرعُ الشريفُ منها، وتوعد فاعلَها.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا» أخرجه الإمام البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» أخرجه الإمام مسلم.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فالتصرف في كارت التموين واستخدامه مُقيَّد بما حدَّدته الجهات المختصة لذلك، وعلى القَدْر الذي حدَّدته، وأي مخالفة لذلك فهي مُحرَّمة شرعًا وقانونًا؛ إذ الاحتيال لأخذ تلك المِنَحِ والمساعدات دون وجه حقٍّ، أو التَّصرُّف فيها على غير الوجه المقرَّر لها، عن طريق الإدلاء ببيانات خاطئةٍ أو بأيِّ وسيلة أخرى أمرٌ مُحرَّمٌ شرعًا ومجرَّم قانونًا، ففيه أكل أموال الناس بالباطل، ويشتدُّ إثمه لكونه اعتداءً على الأموال العامة التي تتعلق بها ذمة عموم المجتمع.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
يقول السائل: نسمع كثيرا أنه يستحب أن نقابل المعروف أو الهدية بمثل ذلك، فما الدليل والمستند الشرعي على ذلك؟
سائل يسأل عن واجب الأسرة نحو أبنائها، وما دورها في العناية بهم من حيث التربية والرعاية؟ وهل يتوقف الأمر على الرعاية المادية فقط؟
ما حكم العمل التطوعي في فترة الدراسة الجامعية؟ وهل يُثاب الطلاب على القيام بتجميل الجامعة وزرع وغرس للأشجار، ومساعدة الطلاب الجدد، ونحو ذلك من الأعمال النافعة؟
ما حكم الشراكة بين شخصين أحدهما بالمال والآخر بمنصبه الوظيفي ونفوذه؟ فهناك رجلٌ ذو مال يَتَّجِرُ في مواد البناء، ويريد إبرام اتفاقِ شراكةٍ مع صَاحبٍ لا مال له، غير أن هذا الصاحب ذو مَنْصِبٍ وظيفيٍّ ومكانةٍ ونفوذ، مما يُمكِّنه مِن تسهيل وتيسير الصفقات وإسنادها بيعًا وشراءً، بالآجل أو نقدًا، في حين أن التاجر صاحب المال هو مَن يقوم بالتعاقد مع الجهات (بنفوذ هذا الصاحب ومَنصِبِه الوظيفي) ودفع الأثمان (لأجَلٍ كانت أو حالَّةً)، وما ينشأ بعد ذلك مِن مصاريفٍ ونحوها، وعلى هذا الاتفاق تكون الشراكةُ مِن أحدهما بالمال، ومِن الثاني بالمَنصِب الوظيفي والنفوذ وما يترتب على ذلك مِن تسهيل الصفقات وإسنادها إلى الأول (التاجر)، ثم بعد البيع وخصم المصروفات تقسم الأرباح بين الشريكين بالتساوي، فما الحكم في ذلك شرعًا؟
ما الحكم الشرعي في التَّنَمُّر وما يشتمل عليه من أفعال؟
ما حكم الشرع في القيام بالأعمال التي تعطل مسيرة العمل والإنتاج؟ حيث ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الدعوات الهدامة التي تدعو إلى تعطيل مسيرة العمل والإنتاج نكايةً في الدولة ولتحقيق مآرب شخصية.