ما حكم تعرض الصائم لدخان السجائر من غير قصد؟ فكثيرًا ما أتعرض لدخان السجائر من قِبَلِ المدخنين من غير قصد عند صيام بعض الأيام تطوعًا، فهل يُعَدُّ تعرضي لذلك الدخان مفطِّرًا لي؟
التدخين بكافة أنواعه وصوره يُعَدُّ من المُفَطِّرات، غير أنَّ الصائم الذي يتعرَّض أثناء تنفُّسه الطبيعي لهذا الدخان المختلط بالهواء بسبب تدخين شخصٍ آخر -لا يفسد صومه، ولا حرج عليه.
المحتويات
حثَّ الشرع الشريف على الصيام ورغَّب فيه على جهة الإطلاق، وجعل صوم التطوع مندوبًا إليه إلا ما استثناه بالنص عليه؛ كالعيدين، وعظَّم أجره وثوابه، وجعله سببًا للمباعدة عن النار، بل قد أفرد للصائمين بابًا من أبواب الجنة لا يدخل منه أحدٌ إلا هُم، وعلى هذا تواترت الأخبار، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ؛ إِلَّا بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» متفق عليه.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ» متفق عليه.
للصوم أركان لا يقوم ولا يتحقَّق إلَّا بوجودها؛ إذ حقيقة الرُّكْن: أنه جزءٌ من الشيءِ، وداخل في ماهِيَّتِهِ بحيثُ يتوقَّف تَقوُّمُ الشيء عليه، كما في "رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين (1/ 94، ط. دار الفكر).
ومن الأركان المتفق عليها عند جمهور الفقهاء: الإمساك عن المفطرات، فقد اتفق فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلةُ على أنَّه ركن من أركان الصوم، ونصَّ الحنفية على أَنَّ ركن الصوم واحدٌ وهو: الإمساكُ عن المفطرات خاصة. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي (2/ 90، ط. دار الكتب العلمية)، و"الشرح الصغير" للإمام أبي البركات الدَّرْدير المالكي (1/ 695، ط. دار المعارف)، و"مغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (2/ 146، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام موفَّق الدين ابن قُدَامة الحنبلي (3/ 115، ط. مكتبة القاهرة).
والمتتبع لنصوص الفقهاء يجد أن هناك فرقًا -فيما يدخل مِن الفم أو الأنف مُجاوِزًا الحلقَ أثناء الصيام- بين ما يُستَنشَق مع الهواء مما قد يختلط به بقصد إتمام عملية التنفُّس الضرورية، وما يُتَعَمَّد استِنْشَاقُهُ بغير قصدِ التنفُّس الضروري -كالتدخين ونحوه-، وما يُقصَد به البَلْع مما هو مائِعٌ أو جامِد.
وتبعًا لذلك: فإنَّ ما كان مِن جنس الهواء، وكان مع ذلك لا يُستَطاعُ الامتناع منه ولا يمكن التحرز عنه لإتمام عملية التنفس، كالهواء الذي اختلط بـ"غبار الطريق"، و"غربلة الدقيق"، و"دخان الحريق"، و"حبوب اللقاح"، و"ما تحمله الرياح"، ويدخل في ذلك: دخانُ السجائر متى حصل التعرُّض له ولم يكن المتعرِّض لذلك هو المُدَخِّن نفسه -فقد نَصَّ الفقهاءُ على عدم فسادِ الصومِ به حتى ولو كان الصائمُ قد تنفَّس شيئًا مِن ذلك عمدًا ما دام لضرورة التنفس الذي لا بد منه للصائم، ولا يُكَلَّف في هذه الحالة أن يضع اللثام على وجهه أو يُغلِق فمه، لا على جهة الوجوب، ولا على جهة الاستحباب.
قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (3/ 98، ط. دار المعرفة): [وإذا دخل الغبار أو الدخان حلق الصائم: لم يَضُرَّه؛ لأن هذا لا يُستطاع الامتناع منه، فالتنفس لا بد منه للصائم، والتكليف بحسب الوُسْع] اهـ.
وقال الإمام الخَرَشِي المالكي في "شرحه لمختصر خليل" (2/ 258، ط. دار الفكر): [غبار الطريق إذا دخل في حلق الصائم: فلا قضاء عليه فيه؛ للمشقة.. وكذلك لا قضاءَ في غُبَارِ دَقِيقٍ، أو جِبْسٍ، أو دِبَاغٍ، أو كَتَّانٍ لِصَانِعٍ] اهـ.
وقال الإمام شمس الدين الرَّمْلِي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 168، ط. دار الفكر): [(فلو وصلَ جَوفَهُ ذبابٌ أو بعوضةٌ أو غبارُ الطريقِ وغربلةُ الدقيقِ: لمْ يُفْطِر) وإنْ أمكنه اجتناب ذلك بإطباقِ الفمِ أو غيره؛ لما فيه من المشقةِ الشديدةِ، بل لو فتحَ فاهُ عمدًا حتى دخل جوفه لم يُفْطِر أيضًا؛ لأنَّه معفوٌّ عن جِنْسِهِ] اهـ.
وقال الإمام موفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي في "الكافي" (1/ 441، ط. دار الكتب العلمية): [وما لا يمكن التحرز منه؛ كابتلاع ريقه، وغربلة الدقيق، وغبار الطريق، والذبابة تدخل في حلقه: لا يُفَطِّره؛ لأن التحرز منه لا يدخل تحت الوُسْع، ولا يكلف الله نفسًا إلا وُسْعها] اهـ.
فيتبين من تلك النصوص السابقة أنَّ الصائم المخالط لشخص أو أشخاص مدخنين في مكان عمل أو غيره من الأماكن، واستنشق هواء اختلط بدخان سجائر -لا يفسد صومه؛ لأنَّ هذا الهواء المختلط بالدخان لا يمكن التحرز عنه بالنسبة له لإتمام عملية التنفس، وهو في حق هذا الشخص معفُوٌّ عن جنسه، وفي منع الإنسان من التنفس مشقة بالغة لا يمكن احتمالها، ولا يكلَّف الإنسان إطباق فمه عند الغبار والغربلة أو الدخان؛ لأنَّ في التكليف بشيءٍ من ذلك حرجًا؛ حيث إنَّ شرط التكليف أو سببه: قدرة المكلَّف على ما كُلِّف به، أمَّا مَا لا قدرة للمكلَّف عليه فإنه لا يصح التكليف به شرعًا.
قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 171، ط. دار ابن عفان): [ثبت في الأصول أنَّ شرطَ التكليف أو سببَه القدرةُ على المكلَّف به، فما لا قدرة للمكلَّف عليه لا يصح التكليف به شرعًا وإن جاز عقلًا] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن التدخين بكافة أنواعه وصوره يُعَدُّ من المُفَطِّرات، غير أنَّ الصائم الذي يتعرَّض أثناء تنفُّسه الطبيعي لهذا الدخان المختلط بالهواء بسبب تدخين شخصٍ آخر -لا يفسد صومه، ولا حرج عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجب الصيام على مريض الزهايمر، أو يجوز له أن يُفطر؟ وهل يجب عليه القضاء إذا أفاق؟
ما حكم قضاء صيام يوم عاشوراء؟ فقد اعتاد رجلٌ صيامَ عاشوراء عملًا بالسُّنة، وابتغاءً للأجر والفضل، غير أنه عرَض له سفرٌ في اليوم العاشر من شهر الله المُحرَّم، ففاتَه الصيام، فهل يُشرَع له قضاء صيام يوم عاشوراء؟
ما حكم الدعاء بالعتق من النار في شهر رمضان الكريم للأحياء والأموات؟ حيث يقنت إمام المسجد عندنا في شهر رمضان، ويقول في دعائه: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار»، فأنكر عليه أحد الناس هذا الدعاء؛ وذلك بحجة أنه لا توجد أحاديث صحيحة في السُّنَّة النبوية قد ذكرتْ أن الأحياء ولا الأموات يعتقون في رمضان، فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم قضاء الصوم عن المتوفى؟ حيث توفيت أمي ولم تكن قد قضت أيام فطرها في رمضان بسبب حيضها في سائر عمرها، وكل أولادها يعلمون هذا، وقد تركت مالًا، فهل نكفر عنها من هذا المال؟ وتكون قراءة الفاتحة أو غيرها من سور القرآن الكريم لكل متوفًى على حدة، أم يمكن إهداؤها للجميع دفعة واحدة؟
ما حكم الفطر بسبب مشقة العمل؟ وهل يجوز للجَزَّار أن يُفْطِر لمجرد ظَنِّ مشقة الصوم في عَمَله؟
هل يجب تبييت النية في قضاء صيام رمضان؟ فقد أفطرتُ يومًا في رمضان لعذرٍ، وفي أحد الأيام استيقظتُ عند الساعة العاشرة صباحًا ولم أكن قد تناولتُ شيئًا من طعامٍ أو غيره أو فعلتُ أمرًا ينافي الصيام؛ فهل يجوز أن أنوي الصيام في هذا الوقت بنية قضاء اليوم الذي عليَّ وأُكمل بقية اليوم صائمًا؟