بيان الأفضلية بين أداء الصلاة في أول وقتها منفردًا وأدائها في آخر وقتها جماعة

تاريخ الفتوى: 24 يناير 2025 م
رقم الفتوى: 8549
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الصلاة
بيان الأفضلية بين أداء الصلاة في أول وقتها منفردًا  وأدائها في آخر وقتها جماعة

أيهما أفضل الصلاة في أول وقتها منفردا أم في آخر وقتها جماعة؟ فهناك مجموعة من الرجال يعملون في مزرعة بعيدة عن العُمران، ويسأل أحدهم: حين يدخل وقت الصلاة وأريد أن أصلي في أول الوقت في جماعة، يطلب مني زملائي في العمل الانتظار لمدة من الزمن حتى يفرَغوا مما في أيديهم ونصلي معًا في جماعة، فأيُّ الأمرين أفضل لي ثوابًا وأقرب امتثالًا لأمر الله عَزَّ وَجَلَّ بإقامة الصلاة والمحافظة عليها: الصلاةُ منفردًا في أول الوقت، أم انتظار الجماعة وإن تأخَّرَت عن أول الوقت؟

مراعاة صلاة الجماعة والحرص عليها في أول الوقت أعظمُ في تحصيل الثواب والأجر من صلاتها جماعة في آخر الوقت أو منفردًا في أوله، فإن تعذرت الجماعة في أول الوقت فالمستحب للمنفرد والأكثر ثوابًا له أن يبادر بالصلاة في أوَّلِ الوقتِ إبراءً لذمته، فإن تيسر له حضور الجماعة بعد ذلك استُحب له ألَّا يفوِّتها، اغتنامًا لفضلها، وتحصيلًا لعظيم ثوابها، فإن شق عليه الجمع بين الأمرين فله أن يختار أيَّهما شاء وما يناسب حاله، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

المحتويات

 

بيان سماحة الشريعة الإسلامية في جعل وقت الصلاة موسَّعا

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام الخمس بعد الشهادتين، وهي أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة، فإن صلُحت صَلح سائر الأعمال، وإن فسدت فَسد سائر الأعمال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ: صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» أخرجه الأئمة: الترمذي -واللفظ له- والنسائي والبيهقي.

ومن نِعَمِ الله علينا وتخفيفه بعباده أن جعل للصلاةِ وقتًا تؤدى فيه وجَعل له بدءًا ونهايةً وما بينهما وقت لأداء الصلاة، ولم يقصره على وقتٍ واحدٍ، كما في "شرح مختصر الإمام الطَّحَاوِي" للإمام أبي بكر الجَصَّاص (1/ 519، ط. دار البشائر).

وما ذلك إلا ليرفع اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الحرجَ عن العباد ويَسْهُل عليهم أداؤها في أوقاتها، فمَن حافَظ عليها امتثالًا لأمر الله عَزَّ وَجَلَّ في قوله: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ [البقرة: 238]، ولم يَسْه عنها، حَفِظَتْهُ في دِينه ونفسه، وصرفَته عن الذنوب والمعاصي، كما قال جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]. ينظر: "تأويلات أهل السُّنة" للإمام أبي منصور المَاتُرِيدِي (2/ 209، ط. دار الكتب العلمية).

بيان فضل أداء الصلاة في أول وقتها

قد رغَّب الشرع الحنيف في الإسراع والمبادرة لأداء العبادات والطاعات عامَّةً، ومنها: الصلاة على أول وقتها، فقال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148]، وقال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].

قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (4/ 115، ط. دار إحياء التراث العربي) عند تفسير هذه الآيات: [والمعنى: وسارعوا إلى ما يوجب المغفرة، ولا شك أن الصلاة كذلك، فكانت المسارعة بها مأمورة] اهـ.

ومِن الـ"معلوم أن مَن بادَر إلى طاعة ربه أفضلُ ممن تأخَّر عنها وتأنَّى عنها"، كما قال الإمام ابن رُشْدٍ الجد في "المقدمات" (1/ 150، ط. دار الغرب الإسلامي).

ولما كانت الصلاة من أهم العبادات وأجلها منزلةً، فإن الإسراع إليها يتحقق بأدائها على أكمل الأوصاف، ومن ذلك: أن تؤدَّى في أول وقتها مع الجماعة.

وأفضلية أول الوقت ظاهرة من حَثِّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أداء الصلاة فيه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» متفق عليه.

وفي رواية عنه رضي الله عنه: «الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» أخرجها الأئمة: ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين. وقد روي هذا اللفظ أيضًا من حديث أم فَرْوَة رضي الله عنها. أخرجه الإمامان: أبو داود والطبراني. كما روي عنها بلفظ: «الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» أخرجه الأئمة: أحمد والترمذي والحاكم.

وهذه الألفاظ كلُّها متقاربةُ المعنى متحدةُ المفهوم من أن الصلاة على أول وقتها يُعد من أحب الأعمال إلى الله عَزَّ وَجَلَّ وأَجَلِّهَا، وأكثرها ثوابًا وقُربةً، كما في "فتح الباري" للإمام الحافظ زين الدين بن رجب (4/ 207-209، ط. دار الحرمين)، و"مرقاة المفاتيح" للمُلَّا عليٍّ القَارِي (2/ 310، ط. دار الفكر)، و"ذلك لأن صيغةَ "أَحَبُّ" تقتضي المشارَكة في الاستحباب، فيحترز به عن آخِر الوقت"، كما قال الإمام سراج الدين ابن المُلَقِّن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (6/ 130، ط. دار النوادر).

كما أن الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي وسطه رحمة الله، وفي آخره عفو الله، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّلَاةِ رِضْوَانُ اللهِ، وَالْوَقْتُ الْآخِرُ عَفْوُ اللهِ» أخرجه الإمامان: الترمذي والدار قطني.

قال الإمام شرف الدين الطِّيبِي في "شرحه على مشكاة المصابيح" (3/ 890، ط. مكتبة نزار الباز): [قوله: «مِنَ الصَّلَاةِ» بيان للوقت، و«رِضْوَانُ اللهِ» خبر، إمَّا بحذف المضاف أي: الوقت الأوَّلُ سببٌ لرضوان الله، أو على المبالغةِ، وأن الوقت الأول عَينُ رضى الله كقولك: رجلٌ صَوْم، ورجلٌ عَدْل "حس": قال الشافعي: «رِضْوَانُ اللهِ» إنما يكون للمحسنين، والعفو يشبه أن يكون عن المقصرين] اهـ. والمقصود بـ"حس": كتاب "شرح السنة" للإمام أبي الحسين البَغَوِي.

ويروى عن سيدنا أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لَمَّا سمع هذا الحديث قال: "رِضْوَانُ اللهِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ عَفْوِهِ"، كما ذَكر الإمام الحافظ ابن حَجَرٍ العَسْقَلَانِي في "التلخيص الحبير" (1/ 460، ط. دار الكتب العلمية)، ذلك أن الرضوانَ أكبرُ الثواب؛ لقول الله تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 72].

بيان فضل صلاة الجماعة

أمَّا أفضلية صلاة الجماعة فبيانها في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وفي روايةٍ: «بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» أخرجها الإمام البخاري من حديث أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه.

قال الإمام أبو الحسن بن بَطَّال في "شرح صحيح الإمام البخاري" (2/ 272، ط. مكتبة الرشد): [قوله: بسبعٍ وعشرين درجة، وخمسٍ وعشرين ضعفًا، وخمس وعشرين جزءًا، يدلُّ على تضعيف ثواب المصلِّي في جماعة على ثواب المصلِّي وحده بهذه الأجزاء وهذه الأوصاف المذكورة] اهـ.

والمراد بالجماعة التي ينال بها هذا الفضل والأجر العظيم: كلُّ صلاةٍ اجتمع فيها مع الإمام واحدٌ أو أكثر في غير الجمعة والعيدين، سواء كان ذلك بالمسجد أو غيره كالبيت ومقر العمل ونحوهما، كما في "الاستذكار" للإمام ابن عبد البَرِّ (2/ 335، ط. دار الكتب العلمية)، مع استصحاب أن الصلاة في المساجد أعظم أجرًا من غيرها من المواضع لما فيها من أجر الخطوات إليها والمكث والانتظار فيها، كما ورد في السُّنة.

الأفضلية بين أداء الصلاة في أول وقتها منفردا أو أدائها في آخر وقتها جماعة

إن تعارضت الفضيلتان: المحافظة على أداء الصلاة في أول وقتها، والحرص على أداء الجماعة، فقد اختلف الفقهاء في أفضيلة أيٍّ منهما وأيهما أكثر مثوبةً وأجرًا، وذلك على عدة أقوال ترجع في مجموعها إلى اختلافهم في حكم صلاة الجماعة.

فمَن ذهبوا إلى أنَّ صلاة الجماعة واجبة وجوبًا عينيًّا -وهو مذهب الحنابلة، والحنفية على الراجح في المذهب، ووجه عند الشافعية، نَصُّوا على أنه يجب على المنفرد أن يؤخر صلاته إلى وقت الجماعة، ولا تصح صلاته منفردًا إلا بعذر، حيث إنه إذا تعارض واجب ومستحب قُدِّمَ الواجب على المستحب؛ لأنه أقوى وآكد منه في العمل، فلزم تقديم الواجب وهو صلاة الجماعة على المستحب وهو فضيلة أول الوقت.

قال الإمام أبو الحسين القُدُورِي الحنفي في "التجريد" (1/ 380، ط. دار السلام): [اختلف الناس في أن الصلاة في أوَّلِ الوقت أفضل أو في آخره، والتفضيل يقع بين المتساويين: إما واجبين أو ندبين، فأمَّا أن يفضل بين مندوبٍ وواجبٍ فلا] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 555، ط. دار الكتب العلمية): [وتُقدَّمُ الجماعةُ مطلقًا على أوَّلِ الوقتِ؛ لأنها واجبةٌ، وأوَّلُ الوقتِ سُنَّةٌ، ولا تَعارُضَ بين واجبٍ ومسنونٍ] اهـ. أي أنه إذا تعارض الواجب والمسنون لزم تقديم الواجب.

ومَن ذهبوا إلى أنَّ صلاة الجماعة سُنة مؤكَّدة، وهو قول عند الحنفية، والمالكية في المعتمد، والشافعية في وجهٍ ثانٍ، أو فرضٌ على الكفاية وهو الأصح عند الشافعية، ووافقهم الإمامان الكَرْخِي والطَّحَاوِي من الحنفية، ونقله الإمام المَازِرِي عن بعض فقهاء المالكية، اختلفوا فيما بينهم في الأفضلية والمفاضلة بين الصلاة على أول الوقت للمنفردِ، أم التأخير والانتظار لأدائها جماعة، أم الجمع بينهما، وذلك على أربعة أقوال:

القول الأول: أن أداء الصلاة على أول وقتها للمنفرد أفضلُ من الانتظار لأدائها في آخر الوقت جماعة مطلقًا، وإليه ذهب المالكية، والشافعية في وجه، وذلك لما ورد في أفضلية الصلاة في أول الوقت، وأن أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله.

قال الإمام الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 215، ط. دار الفكر): [(ص) والأَفضلُ لفذٍّ تَقديمُها مطلقًا (ش) يعني أن تقديم الصلوات صبحًا أو ظهرًا أو غيرهما في صيفٍ أو شتاءٍ في أوَّلِ الأوقات بعد تحقُّقِ دخوله وتمكُّنه أفضلُ في حقِّ المنفرد... والأفضلُ لفذٍّ تقديمها على تأخيرها منفردًا، وعلى تأخيرها جماعةً يرجُوها آخرهُ] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 95، ط. المكتب الإسلامي): [أمَّا تَعجيلُ المتوضِّئ وغيرهِ الصلاةَ في أوَّلِ الوقتِ مُنفردًا، وتأخيرُها لانتظارِ الجماعةِ، ففيهِ ثلاثةُ طُرقٍ: قيلَ: التَّقدِيمُ أفضلُ] اهـ.

القول الثاني: أن انتظار صلاة الجماعة أفضلُ من الإتيان بها في أول الوقت منفردًا، وهو قول عند الحنفية، ووجه ثانٍ عند الشافعية، وذلك لتحصيل شعيرة صلاة الجماعة والتي تزيد على فضيلة الصلاة على أوَّلِ الوقتِ.

قال الإمام أبو العِز الحنفي في "التنبيه على مشكلات الهداية" (1/ 461-462، ط. مكتبة الرشد): [وأمَّا إذا أخرها بسبب يقتضي التأخير مثل المتيمم يؤخرها ليصلي آخر الوقت بوضوء، والمنفرد حتى يصلي آخر الوقت في جماعة، والعاجز عن القيام حتى يصلي آخر الوقت قائمًا، ونحو ذلك مما فيه فضيلة تزيد على فضيلة الصلاة في أوَّلِ الوقتِ، فالتأخير لذلك أفضل] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 95): [أمَّا تَعجيلُ المتوضِّئ وغيرهِ الصلاةَ في أوَّلِ الوقتِ مُنفردًا، وتأخيرُها لانتظارِ الجماعةِ، ففيهِ ثلاثةُ طُرقٍ... قِيلَ: التَّأخيرُ] اهـ.

القول الثالث: أن التفضيل بينهما يختلف باختلاف أمورٍ، منها: اليقين: فإن حصل اليقين بالجماعة التي هي سبب التأخير عن تحصيل فضيلة أول الوقت، فالتأخير أفضل، والثاني: حصول رجاء الجماعة: فإن أراد التأخير رجاء حصول الجماعة ففيه قولان بين التأخير وعدمه كقولهم في الصلاة بالتيمم أول الوقت مع رجاء توفر الماء، وثالثها: مقدار التأخير، فإن كان كثيرًا بحسب تقديره فالتعجيل منفردًا أفضل، وإن كان يسيرًا فالانتظار حينئذٍ أفضل، وهو وجه ثالث عند الشافعية، قياسًا على الصلاة بالتيمم، وجماع القول في ذلك أنه متى كان التأخير لسببٍ معتبرٍ متيقن، أو كان يسيرًا غير مؤثرٍ، فالأفضل الانتظار لتحصيل أجر الجماعة.

قال الإمام النَّوَوِي في "روضة الطالبين" (1/ 95): [أما تعجيل المتوضِّئ وغيره الصلاةَ في أوَّلِ الوقت منفردًا، وتأخيرها لانتظار الجماعة، ففيه ثلاثةُ طرقٍ: قيل: التقديم أفضلُ، وقيل: التأخيرُ، وقيل: وجهان... وقال جماعةٌ: هو كالتَّيمُّم. فإن تيقَّن الجماعة آخر الوقت، فالتَّأخير أفضلُ، وإن ظنَّ عدمها، فالتَّقديم أفضلُ. وإن رجاها، فقولان، ويَنبغي أن يتوسَّطَ فيقال: إن فَحُشَ التَّأخيُر، فالتَّقديم أفضلُ، وإن خَفَّ، فالتَّأخير أفضلُ] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 74، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(والأفضلُ للمنفرد الرَّاجِي) يقينًا (للجماعة) آخر الوقت (التَّأخيرُ إن لم يُفحَشْ) عرفًا، فإن لم يرجُها أو رَجَاها مع فُحْشِ التَّأخيرِ فالتَّقديمُ أفضلُ] اهـ.

القول الرابع: استحباب الجمع بين الأمرين: بأن يؤدي المنفرد الصلاة في أول وقتِها، ثُمَّ يؤديها مرة أخرى في آخر الوقت إن وجدت الجماعة، وهو قول المالكية -خلافًا للإمام شمس الدين البِسَاطِي، حيث يرى أنه إذا صلَّى المنفرد وحدهُ فإنه لا يعيدُ في جماعةٍ-، والشافعية في المختار، وذلك لتحصيل الفضيلتين: فضيلة أول الوقت، وفضيلة الجماعة، وللخروج من خلاف من أوجَب صلاة الجماعة.

قال الإمام الدُّسُوقِي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 180): [(قوله: والأفضلُ له) أي: للفذِّ تقديمُها أي الصَّلاةِ في أوَّل الوقت (قوله: ثُمَّ إن وجدها إلخ) أي: الجماعة أعادَ لإِدراكِ فضل الجماعة أي: فيكون مُحصِّلًا للفضلين بخلاف ما لو أخَّرَ ولم يُصلِّ فلم يكن مُحصِّلًا إلا لفضيلةٍ واحدةٍ، وما ذكره من الإعادة إذا وجد الجماعة هو الصَّوابُ خلافًا للبِسَاطِيِّ في "مغنيه" حيث قال: ويتولَّدُ من هذا أنه إذا صلَّى وحدهُ لا يعيدُ في جماعةٍ] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (2/ 263، ط. دار الفكر): [فالذي نختارهُ أنه يفعل ما أمرهُ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيصلِّي مرتين: مرةً في أول الوقت منفردًا؛ لتحصيل فضيلة أول الوقت ومرةً في آخره مع الجماعة؛ لتحصيل فضيلتهَا] اهـ.

وهذا القول الأخير هو الذي نميل إلى الأخذ به والعمل بمقتضاه، وذلك ابتغاءً للزيادة في الأجرِ والقربةِ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وتحصيلًا للفضيلتين: الصلاة في أول وقتها، وإدراك فضل الجماعة بعد ذلك لو أُقيمَت؛ جمعًا بين الأحاديث الواردة وأقوال الفقهاء في المفاضلة بين الأمرين، فيصلي المنفرد في أوَّلِ الوقتِ بحيث تبرأ ذمته، فإن الآجال لا يعلمها إلا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثم يصلي مع الجماعة إن وُجدت وتيسر له ذلك في أثناء الوقت.

فإن شَقَّ عليه الجمع بين الأمرين وعَسُر فأيَّهما فعل -بأن صلى في أول الوقت منفردًا؛ اغتنامًا لفضيلة أول الوقت وبركته، أو صلى في آخر الوقت في جماعة؛ اغتنامًا لشعيرة الجماعة وتحصيل ثوابها- فقد حاز الفضيلة ونال الأجر وحصَّل الثواب الجزيل، وله أن يتخير بين الأمرين ما يناسب حاله وظروفه؛ لما هو مقررٌ في الشرع الحنيف من أن العامِّي في مثل هذه المسائل التي لا ينبني عليها حقوق للآخرين، أو لم يتخير فيها ولي الأمر مذهبًا معيَّنًا -لا مذهب له، وأنه لا يلزمه التزامٌ بمذهب معيَّن، وإنما له أن يَتَخَيَّر في تقليد أيِّ مذهب من المذاهب المعتبرة. ينظر: "شرح تنقيح الفصول" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (ص: 432، ط. الطباعة الفنية المتحدة)، و"البحر المحيط" للإمام بدر الدين الزَّرْكَشِي (8/ 380، ط. دار الكتبي)، و"رد المحتار" للإمام ابن عَابِدِين (1/ 75، ط. دار الفكر).

مع مراعاة أنه إذا لم يتيقن المصلي من إقامة الجماعة قبل خروج وقت الصلاة، أو لم يتسع الوقت المتبقي لإيقاع كامل الصلاة قبل خروج وقتها مع انتظاره للجماعة، فإن التعجيل بالصلاة منفردًا حينئذٍ هو الأَوْلَى.

قال الإمام الإِسْنَوِي في "المهمات" (2/ 282، ط. مركز التراث الثقافي المغربي): [إن هذا الخلاف المذكور في أن الأفضل التقديم أو التأخير ينبغي تقييده بما إذا أوقع الصلاة كلها في الوقت، فإن خرج بعضها فلا شك في مرجوحيته] اهـ. أي: في مرجوحية القول بأن التأخير لانتظار الجماعة أفضل.

كما يجدر التنبيه على أن المسلم لا يُكَلَّفُ العَجَلَةَ على خلاف العادة لإدراك الصلاة في أول وقتها فور سماع المؤذن للصلاة -أو العلم بدخول الوقت بأيِّ وسيلة تفيد اليقين، كالرؤية البصرية ونحوها- وإنما يُسمَح ويُغتَفر له مع ذلك شُغلٌ خفيف، وكلامٌ قصير، وشُربٌ وأكلُ طعامٍ قليلٍ يُقِيم به صُلبَه ويحقق خشوعَه في أداء الصلاة، وكذا الاشتغال بأسباب الصلاة كالوضوء، وتقديم سُنة راتبة، ونحو ذلك.

قال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي في "مغني المحتاج" (1/ 305، ط. دار الكتب العلمية): [ولو اشتغلَ أول الوقت بأسباب الصلاة كالطهارةِ والأذانِ والسترِ وأكل لُقَم... وتقديم سُنةٍ راتبةٍ أو أَخَّرَ بقدرِ ذلك عند عدم الحاجة إليه، ثم أحرمَ بها حصلت له فضيلةُ أولِ الوقت، ولا يُكلَّفُ العجلةَ على خلاف العادة، يُحتمل مع ذلكَ شغلٌ خفيفٌ، وكلامٌ قصيرٌ، وإخراج حدثٍ يُدافعهُ، وتحصيلُ ماءٍ، ونحو ذلك] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الزَّرْكَشِي في "شرحه على مختصر الإمام الخِرَقِي" (1/ 494، ط. دار العبيكان): [تَحصل فضيلة أول الوقت بأن يشتغلَ بأسبابِ الصَّلاةِ إذا دخَل الوقت، قال في "التلخيص": ويقربُ منه قول المَجْدِ: قَدرُ الطهارةِ، والسَّعيِ إلى الجماعةِ، ونحوِ ذلك] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن مراعاة صلاة الجماعة والحرص عليها في أول الوقت أعظمُ في تحصيل الثواب والأجر من صلاتها جماعة في آخر الوقت أو منفردًا في أوله، فإن تعذرت الجماعة في أول الوقت فالمستحب للمنفرد والأكثر مثوبة له أن يبادر بالصلاة في أوَّلِ الوقتِ إبراءً لذمته، فإن تيسر له حضور الجماعة بعد ذلك استُحب له ألَّا يفوِّتها، اغتنامًا لفضلها، وتحصيلًا لعظيم ثوابها، فإن شق عليه الجمع بين الأمرين فله أن يختار أيَّهما شاء وما يناسب حاله، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يقول السائل: دخل مجموعة من الناس المسجد في وقت الصلاة فوجدوا الإمام والمأمومين في الركوع؛ فهل إذا دخلوا معهم في الصلاة وأدركوا الإمام في الركوع تُحْسَب لهم هذه الركعة، أو أنه لا بدَّ من قراءة الفاتحة قبل الركوع؟


ما حكم التأمين عند المرور بآية دعاء في الصلاة، والسؤال عند المرور بآية رحمة، والاستعاذة عند المرور بآية عذاب؟


ما حكم رفع اليدين بالدعاء أثناء خطبة الجمعة، وبين الخطبتين أثناء جلسة الإمام؟



ما حكم القنوت في صلاة الفجر؟ حيث يوجد بجوارنا مسجدٌ والقائمون على شؤونه يمنعون قنوت الفجر؛ فما حكم الشرع في ذلك؟


ما حكم الصلاة والوضوء بالنسبة لشخص مريض كبير في السن؛ فجدّي شيخٌ كبير يبلغ من العمر 94 عامًا ولا يستطيع التحرّك حيث نساعده على الجلوس والنوم، وكذلك لا يستطيع في أغلب الأحيـان أن يتحكم في عملية الإخراج (البول والغائط)، ويفقد الانتباه في قليل من الأحيان لمدة بضع دقائق، ثم يستعيد انتباهه مرة أخرى.

هل تجب عليه الصلاة أو تسقط عنه؟ وإذا وجبت عليه الصلاة فماذا يفعل في الوضوء؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54