هل إخبار المستفتي المفتي بالمعصية التي وقع فيها يُعدُّ من قبيل الجهر بالمعاصي؟
إخبار المستفتي المفتي بما ابتُلي به من معصيةٍ لا يعدُّ من قبيل الجهرالمذموم بالمعاصي، إذ ينبغي على الإنسان إذا نزلت به حادثة أن يسأل عنها حتى يعرف حكم الشرع فيها، والإخبار بالمعصية في هذه الحالة هو من إجراءات بيان الحادثة بيانًا شافيًّا للمفتي، إذا كانت الحادثة المراد معرفة الحكم فيها متعلقة بتلك المعصية، أما الجهر المذموم شرعًا فهو الإعلان عن الوقوع في المعاصي تباهيًا واستهزاء.
المحتويات
الوقوع في المعاصي ممكن في حق جميع بني آدم إلا من عصمهم الله تعالى، ومن سواهم مُعرَّض للوقوع فيها قلَّت أو كثُرت، والإصرار على الذنوب وعدم التوبة منها مذموم شرعًا، وعواقبه وخيمة، وآثاره سيئة في الدنيا والآخرة، فيجب على الواقع فيها التوبة على الفور، مع الندم والعزم على عدم العود، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.
ممَّا يعظُم به الذنب المجاهرة به، بأن يرتكب العاصي الذنب علانية، أو يرتكبه سرًّا فيستره الله عزَّ وجلَّ لكنَّه يُخبر به بعد ذلك مستهينًا بسِتْر الله له، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» متفق عليه.
فأفاد الحديث أن من معاني المجاهرة: الإعلان عن الوقوع في المعاصي وإخبار الناس بها لغير ضرورة وحاجة.
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (18/ 119، ط. دار إحياء التراث العربي): [(إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ)، هم: الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة] اهـ.
ومن صور الضرورة والحاجة: طلب الفتوى، إذ ينبغي على الإنسان إذا نزلت به حادثة أن يسأل عنها حتى يعرف حكم الشرع فيها، وهذا يكون بإخبار المفتي بعين الحادثة التي ألمت به إخبارًا دقيقًا، إذ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، فإذا بيَّن للمفتي ما وقع فيه من المخالفة لا يكون بيانه حينئذٍ مذمومًا إن كان على جهة السؤال والاستفتاء، وإنَّما يكون مذمومًا إن كان على جهة المجاهرة والتباهي والاستهزاء.
ودليل ذلك ما ورد من إخبار الأعرابي النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بما وقع فيه من مخالفة الشرع من وقاع زوجته في نهار رمضان فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رمضان، فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ بِهِ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا، ثُمَّ جَلَسَ الرَّجُلُ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِكْيَالٌ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا»، قَالَ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَضَحِكَ النَّبَيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» أخرجه مسلم، ومعنى «لَابَتَيْهَا»، أي: طَرَفَيْهَا.
فأفاد الحديث أن كل كشف عن معصية وقع على وجه طلب الحكم أو طلب طريق التحلل منها، أو رجاء دعوة صالحة، أو معرفة ما يدفعه إلى فعلها ليجتنبه، أو غير ذلك من مقاصد معتبرة شرعًا، لا يذم فاعله.
وقد نقل العلامة المرتضى الزبيدي عن حجة الإسلام الغزالي في "إتحاف السادة المتقين" (6/ 272، ط. مؤسسة التاريخ العربي) قولَه: [الكشف المذموم إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على وجه السؤال والاستفتاء؛ بدليل خبر المحترف المتقدم في كتاب الصوم، فإنَّه أخبر بحاله النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر عليه] اهـ.
قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 368، ط. دار الفكر): [فصل: يُكره للإِنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ أو نحوها أن يخبرَ غيرَه بذلك، بل ينبغي أن يتوب إلى الله تعالى فيقلعَ عنها في الحال، ويندمَ على ما فعل، ويعزم أن لا يعود إلى مثلها أبدًا، فهذه الثلاثة هي أركان التوبة، لا تصحّ إلا باجتماعها، فإن أخبرَ بمعصيته شيخَه أو شبهَه مِمَّن يرجو بإخباره أن يعلِّمه مخرجًا من معصيته، أو ليعلِّمَه ما يَسلمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرِّفَه السببَ الذي أوقعه فيها، أو يدعوَ له، أو نحوَ ذلك، فلا بأسَ به، بل هو حسنٌ] اهـ.
بناءً على ذلك: فإخبار المستفتي المفتي بما ابتُلي به من معصيةٍ لا يعدُّ من قبيل الجهر بالمعاصي المذموم، بل هو من إجراءات بيان الحادثة بيانًا شافيًّا للمفتي، إذا كانت الحادثة المراد معرفة الحكم فيها متعلقة بتلك المعصيةٍ ، أما الجهر المذموم شرعًا فهو الإعلان عن الوقوع في المعاصي تباهيًا واستهزاء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أمرنا الشرع بتغيير المنكر، فما الضوابط التي نعرف بها أن هذا الفعل مُنْكَرٌ؟ وما الطَّرِيقَةُ والأدوات الصحيحة لتغييره؟
ما حكم الدين في استماع الإنسان إلى حديث الآخرين دون رغبة منهم؟
سائل يقول: الإسلام دين الإصلاح وينهي عن الفساد والإفساد؛ فنرجو منكم بيان كيف حذَّر الإسلام من المساس بأمن الوطن، وترويع المواطنين؟
ما حكم تحويل سقيا الماء المشترك؛ حيث سأل رجل فيما إذا كان لرجلٍ دارٌ جاريةٌ في ملكه لا ينازعه فيها أحد، وليس فيها شائبة وقف، يجري الماء من نهر عام في جدول خاص بتلك الدار إلى فسقية فيها، فيأخذ منه كفايته، وما فضل يجري إلى مسجد لصيق لها، يريد الرجل المذكور أن ينقل هذا الماء إلى محل آخر من داره ولو أكبر من الفسقية يكون أقرب إلى المسجد المذكور، فهل له ذلك؟ أفيدوا الجواب ولكم الثواب.
ما حكم رفع الصوت في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون قصد؟ فقد وقف بعضنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الرأس الشريف يسأله أن يدعو له مشتغلًا بالصلاة والسلام عليه متوسلًا به في حق نفسه مستشفعًا به إلى ربه، وبينا هو في ورد صلاةٍ عليه جاءه بعض العسكر فأمروه بالانصراف، فأبى إذ كان موقفه متأخرًا مبعدًا عن الطريق ليس فيه من إيذاء ولا تضييق على أحد، فجذبوه بالعنف حتى كادوا أن يمزقوا ثيابه وهو يقول نحوًا من: دعني، اتركني يا هذا، أنا مشتغلٌ بالصلاة على رسول الله، أنا في حمى رسول الله، ولم يجاوز نحو هذه الألفاظ، ثم تذكر أنه قد رفع صوته ببعضها دون أن يشعر مع شدة وطأة العسكر عليه رغم حرصه على ألا يرفع صوته هناك بشيء. فهل ترونه قد حبط عمله وضاعت حجته وزيارته، أم ترانا نسمع منكم ما يبشره ويسلي الله به قلبه ويفرج كربه؟ علمًا بأنه قد رأى بعدها في المنام أنه قد أصبح الإمام الراتب لمسجد رسول الله وبعض الناس يتربصون به، علمًا بأنه قصد موقفه الأول بعد ذلك مستخفيًا في الناس متنكرًا حتى لا تراه العسكر، فرأوه فجاءوا إليه مغمومين يطلبون العفو والسماح.
نرجو منكم بيان ما ورد في الشرع الشريف من نصوص تحث على إحسان الظن بالمؤمنين وغيرهم.