ما حكم التعامل بالشيء الذي يكون له استعمالان؟ سمعت أن الشيء الذي يكون له استعمالان -بيعه جائز والإثم على المستعمل، فهل هذا صحيح؟ وهل له شروط؟
ما سمعته أيها السائل من أنَّ ما له استعمالان يجوز بيعه -قول صحيح يتفق مع ما ذهب إليه المحققون من الفقهاء، وهو مقيَّدٌ بألا تقتصر منفعة المبيع على أمر محرم، بل يمكن الانتفاع به في حلال وحرام، وألَّا يعلم البائع أو يغلب على ظنِّه استعمال المشتري فيما نُهي عنه شرعًا ولم تقم القرائن والأمارات على ذلك الاستخدام.
فإن اقتصرت منفعة المبيع فيما حَرُمَ أو كان مما يمكن الانتفاع به في حلال وحرام، وعلم البائع استعمال المشتري فيما نُهي عنه شرعًا أو ظنَّه ظنًّا غالبًا أو قامت القرائن والأمارات الدالة على ذلك الاستخدام فالبيع حينئذ حرام، فما يؤدي إلى الحرام فهو حرام.
المحتويات
مِن المقرر شرعًا أنَّ الأصلَ في البيع الحِلُّ، إلا ما جاء الشرع بتحريمه بالنصِّ عليه، كتحريم بيع الخمر والميتة والخنزير، فعن عَبدِ اللهِ بنِ عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالَ: «لَعَنَ اللهُ الخَمرَ ولَعَنَ شارِبَها وساقِيَها وعاصِرَها ومُعتَصِرَها وبائِعَها ومُبتاعَها وحامِلَها والمَحمُولةَ إليه وآكِلَ ثَمَنِها» رواه الإمام أحمد في "المسند" وأبو داود وابن ماجه في "سُنَنِهِما" وغيرُهم.
أو حرمَّه لكونه وسيلة لتحقيق أمر محرم؛ لما تقرَّر من أنَّ: "للوسائل أحكام المقاصد". ينظر: "قواعد الأحكام" للعز بن عبد السلام (1/ 53، ط. مكتبة الكليات الأزهرية).
والشيء الذي له استعمالان يقصد به: أنْ يكون مما يمكن استعماله في أمر مباح أو أمر محرم من غير أن يتعين استعماله، وفي بيان ما يتعلق بمشروعية بيعه من عدمها تفصيل في صور ثلاث، بيانها على النحو الآتي:
الصورة الأولى: أن يكون المبيع مما لا يستخدم إلا في مباح، وقد أجمع الفقهاء على مشروعية هذا النوع من البيع؛ لخلوه مِمَّا يمنعه، قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (5/ 130، ط. دار الوفاء): [وإن كانت سائر منافعه محللة جاز بيعه إجماعًا، كالثوب والعبد، والعقار، والثمار، وغير ذلك من ضروب الأموال] اهـ.
الصورة الثانية: أن تقتصر منفعة المبيع في الاستخدام المحرم كالخمر، ولا خلاف في حرمة هذا البيع؛ لِمَا تقرر في الشرع الشريف من أنَّ "الشيء إذا حرم عينه حرُم ثمنه"، كما في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني (4/ 415).
ولِمَا في بيعه من الإعانة على المعصية والإثم، و"الإعانة على المعصية معصية"؛ لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].
قال الإمام أبو العز الحنفي في "التنبيه على مشكلات الهداية" (4/ 301، ط. مكتبة الرشد): [فالإعانة على المعصية معصية على أي وجه كانت] اهـ.
وقال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي في "أحكام القرآن" (2/ 381، ط. دار الكتب العلمية): [وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ نهي عن معاونة غيرنا على معاصي الله تعالى] اهـ.
الصورة الثالثة: ألَّا تقتصر منفعة المبيع في أمر محدد مباح أو محرم، بل يمكن الانتفاع به في كل منهما، وحينئذ إمَّا أن يعلم البائع بقصد المشتري واستعماله أو لا:
- فإن لم يعلم البائع قصد المشتري ووجه استعماله، أو علمه وكان في مباحٍ، فلا حرج شرعًا في مشروعية البيع له؛ حملًا على سلامة قصد الناس وحُسن مآربهم، وذلك كالسكين التي يمكن استخدامها في الجائز من التصرفات، بل في المندوب والواجب منها، والتي يمكن في المقابل استخدامها في المعاصي والمخالفات الشرعية، والإثم في استعمالها في المحرمات إنما يلحق المستعمل دون المتعامل فيها بيعًا أو تأجيرًا أو مُعِيرًا أو ما شابه، قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (6/ 391، ط. دار الفكر): [(قوله: ممن يعلم) فيه إشارة إلى أنه لو لم يعلم لم يكره بلا خلاف. قهستاني] اهـ.
- وإن علم البائع قصد المشتري ووجه استخدامه للمبيع وكان في أمر محرم، أو غلب على ظنه ذلك، أو قامت القرائن والأمارات الدالة على ذلك الاستخدام، فاختلف الفقهاء في حلِّ هذا البيع أو حرمته، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى حرمته، وعلى ذلك تواردت نصوصهم.
قال العلامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (3/ 7، ط. دار الفكر): [يمنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمرًا لا يجوز] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 392، ط. دار الكتب العلمية) في سياق حديثه عن البيوع المنهي عنها: [(وبيع الرطب والعنب) ونحوهما كتمر وزبيب (لعاصر الخمر) والنبيذ: أي لمتخذها لذلك بأن يعلم منه ذلك أو يظنه ظنًّا غالبًا... وبيع السلاح من باغ وقاطع طريق ونحوهما، وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية كما نقله في "زوائد الروضة" عن الغزالي وأقره] اهـ.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (3/ 52، ط. المكتب الإسلامي): [(ولا يصح بيع ما قصد به الحرام إن علم) البائع ذلك -ولو بقرائن-] اهـ.
- بينما ذهب الإمام أبو حنيفة -وهو المفتى به في المذهب- إلى التفرقة بين ما تقوم المعصية بعينه وما لا تقوم، فأجاز بيع ما لا تقوم المعصية بعينه، كعصير العنب قبل تخمره، وذلك مراعاة لقصد البائع بالتجارة، وهي جائزة في الأصل، وأما قصد المشتري فإثمه على نفسه، وكَرِه تحريمًا ما تقوم المعصية بعينه، كبيع السلاح لأهل الفتنة.
وضابط التمييز بين ما لا تقوم المعصية بعينه وما تقوم -يكمن في أنَّ "ما لا تقوم المعصية بعينه هو ما يحدث له بعد البيع وصف آخر يكون فيه قيام المعصية، وما تقوم المعصية بعينه هو ما توجد فيه على وصفه الموجود حالة البيع لا غير"، كما في "رد المحتار" للإمام ابن عابدين الحنفي (6/ 391).
وفي بيان قول الإمام أبي حنيفة قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (ص: 661، ط. دار الكتب العلمية): [(و) جاز (بيع عصير) عنب (ممن) يعلم أنه (يتخذه خمرًا)؛ لأن المعصية لا تقوم بعينه بل بعد تغيره] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (6/ 391) محشِّيًا عليه: [(قوله: وجاز) أي عنده لا عندهما بيع عصير عنب، أي معصوره المستخرج منه، فلا يكره بيع العنب والكرم منه بلا خلاف، كما في "المحيط"، لكن في بيع "الخزانة" أن بيع العنب على الخلاف، قهستاني] اهـ.
وما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم مشروعية بيع ما له استعمالان عند العلم بقصد البائع استخدام المبيع في محرم، أو عند غلبة الظن عليه، أو قيام الأمارات والقرائن الدالة عليه، يتوافق مع ما تقرر عند العلماء في القواعد من أنَّ "ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام"، والتي وردت بألفاظ مختلفة تتفق في تقرير هذا المعنى، فعبر بعضهم بقوله: "ما أدى إلى الحرام فهو حرام"، وعبر البعض بقوله: "إن أدى إلى محرم حرم"، وبعضهم بقوله: "ما يؤدي إلى الحرام يكون حرامًا". ينظر: "قواعد الأحكام" للإمام العز بن عبد السلام (2/ 218، ط. مكتبة الكليات الأزهرية)، و"البناية" للإمام بدر الدين العيني الحنفي (12/ 381، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني" (1/ 31، دار الفكر).
والحاصل مما سبق بيانه: أن الشيء الذي له استعمالان يقصد به أنْ يكون مما يمكن استعماله في أمر مباح، أو محرم من غير أن يتعين استعماله، وأنَّه إذا كان المبيع مما لا يستخدم إلا في مباح فهو جائزٌ شرعًا، وإن اقتصرت منفعته على الاستخدام المحرم، فهو حرام، وأمَّا إذا لم تقتصر منفعة المبيع على أمر محدد -مباح أو محرم-، وكان مما يمكن الانتفاع به في كل منهما: فإن لم يعلم البائع قصد المشتري ووَجْه استعماله، أو علِـمَه وكان في مباحٍ، فلا حرج شرعًا في مشروعية البيع له، وإن علم البائع قصد المشتري ووجه استخدامه للمبيع وكان في أمر محرم، أو غلب على ظنه ذلك، أو قامت القرائن والأمارات الدالة على ذلك الاستخدام، فجمهور الفقهاء على حرمة هذا البيع وهو المختار للفتوى، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى كراهته تحريمًا إذا وجدت المعصية باستخدامه على وصفه الموجود حالة البيع لا غير، وجوازِه إن لم تقم المعصية بعينه، بل بما يحدث له بعد البيع من وصف آخر يكون فيه قيام المعصية.
بناءً على ما سبق وفي السؤال: فما سمعته من أنَّ ما له استعمالان يجوز بيعه -قول صحيح يتفق مع ما ذهب إليه المحققون من الفقهاء، وهو مقيَّدٌ بألا تقتصر منفعة المبيع على أمر محرم، بل يمكن الانتفاع به في حلال وحرام، وألَّا يعلم البائع أو يغلب على ظنِّه استعمال المشتري فيما نُهي عنه شرعًا ولم تقم القرائن والأمارات على ذلك الاستخدام.
فإن اقتصرت منفعة المبيع فيما حَرُمَ أو كان مما يمكن الانتفاع به في حلال وحرام، وعلم البائع استعمال المشتري فيما نُهي عنه شرعًا أو ظنَّه ظنًّا غالبًا أو قامت القرائن والأمارات الدالة على ذلك الاستخدام فالبيع حينئذ حرام، فما يؤدي إلى الحرام فهو حرام.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التعامل بخطاب الضمان البنكي بنوعيه: المغطى، والمكشوف؟ فأنا شخص أعمل في مجال المقاولات وبعض الأعمال التجارية، ويُطلب مني في بعض المعاملات إحضار خطاب ضمان من أحد البنوك كشرط لإتمام هذه المعاملات.
ما حكم الشرع في بيع السلع بعرض عينات منها عن طريق مندوب المبيعات؟ فأنا أعمل مندوبًا للمبيعات في منتجات مصانع الأدوات والمستلزمات الطبية، وأبيع لمحلات المستلزمات والأدوات الطبية والصيدليات؛ بحيث أعرض عليهم عيِّنات من هذه المنتجات، وأتفق على بيع مثل هذه العيِّنة بكمية محددة وسعر محدد بناء على الاتفاق بيني وبين القائمين على المحل أو الصيدلية، فما حكم هذا البيع شرعًا؟
ما حكم زيادة البائع على السعر الذي اشترى به على الرغم من الاتفاق على عدم الزيادة؟ فهناك رجلٌ اشترى بهيمةً مِن السُّوق، وبعد شرائها بوقت قليل وقبل أن ينفضَّ السوقُ احتاج إلى المال، فعَرَضَها للبيع، فأقبَلَ عليه شخصٌ غيرُ الذي ابتاعَها منه ليشتريها منه، واتفَقَ معه على أنه سيبيعُها له بالثمن الذي اشتراها به مِن غير زيادة عليه، وأخبره بهذا الثمن، فوافَقَ المشتري على ذلك، وأعطاه الثمن الذي أخبره به، وأخذ البهيمة، وقبل أن يَنْفَضَّ السُّوقُ عَلِمَ هذا المشتري أن الثمن الذي اشترى به البهيمةَ أكثرُ مِن الثمن الذي اشتُرِيَت به، فاستحلَفَ ذلك الرجلَ، فأقرَّ بأنه قد زاد عليه في الثمن، لكن تَمَسَّك في الوقت ذاته بأن المشتريَ قد رَضِيَ بالثمن الذي أخبره به. والسؤال: هل للمشتري المذكور بعد تمام البيع أن يَستَرِدَّ الزيادة التي زادها عليه هذا الرجلُ (البائعُ) في ثمن البهيمة المذكورة؟
هل العمل في تجارة بيع الريسيفر لاستقبال القنوات الفضائية حرام؟
ما حكم عمل منصة إلكترونية للترويج للسلع وبيعها؟ حيث تقوم شركة متخصصة بتصميم المنصات الإلكترونية بعمل منصة تجارة إلكترونية مخصصة لعرض المنتجات وبيعها لإحدى الشركات التي أطلقت سوقًا إلكترونيًّا خاصًّا بها، مع الاتفاق على التزام الشركة بتقديم التكنولوجيا اللازمة لتطوير وتشغيل المنصة كما يتراءى للعميل، ولا يتعدى دور الشركة القيام بالجانب التقني، المتضمن: تصميم البنية البرمجية، وواجهة الاستخدام، وأدوات إدارة المحتوى، ونظام المعاملات الإلكترونية، ثم عمل التطوير والتعديل البرمجي اللازم لاحقًا بحسب ما يتراءى للعميل، من دون علم منها بطبيعة هذه المنتجات.
وهذه المنصة لا يعدو دورُها دورَ الواجهة التي يعرض عليها آلاف البائعين منتجاتهم وبضائعهم، وقد وُجد أن عددًا قليلًا منهم يعرض على القسم الخاص به من المنصة منتجات محرَّمة، وليس لشركة البرمجيات أي سلطة على اختيار المنتجات المعروضة أو إدارتها، أو أي مشاركة في عمليات الشحن والتخزين ونحوها، ولا يتعدَّى دورُها تطويرَ البرمجيات بشكل مستمر بناءً على طلب العميل، وتسليمها في مواعيدها المتفق عليها، وتقديم الدعم الفني للمنصة التقنية بما يضمن تشغيل النظام بشكل سلس، وحل أي مشكلات تقنية طارئة، فهل هناك أي مخالفة شرعية فيما تقوم به الشركة من أعمال في هذا الخصوص؟