حكم طهارة العامل في محطات البنزين

تاريخ الفتوى: 09 يناير 2025 م
رقم الفتوى: 8528
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الصلاة
حكم طهارة العامل في محطات البنزين

ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟ فأنا أعمل في محطة للوقود وغالبًا يقع على يَديَّ وملابسي شيئًا من البنزين والسولار، ويصعب عليَّ قبل كل وضوء الغَسْل الكامل لها، أو نزع وتغيير الملابس، فهل تصح صلاتي بهذه الحالة؟

البنزين والسولار الأصل فيهما أنهما مِن جملة الطاهرات، فلا تتنجس الملابس أو البدن بما يصيبها من آثارهما، كما أن تلك الآثار لا تمنع من وصول الماء إلى العضو، وعليه تكون الطهارة -وضوء أو غسلًا- صحيحة شرعًا، وكذلك الصلاة، ومع أن الثياب طاهرةٌ فإن أمكن تغييرها عند الصلاة لكان حَسَنًا، فلبس أحسن الثياب عند إرادة الصلاة مِن جملة المندوبات.

المحتويات

 

المقصد الأسنى من الصلاة ومراعاة الهيئة الحسنة عند إرادتها

الصلاةُ مناجاةٌ لله سبحانه وتعالى، ومقامُ أدبٍ معه جل وعلا؛ لذا أَمَر سبحانه عبادَه في هذا المقام بأن يحسنوا هيئتهم ويظهروا أدبهم، فقال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، وقال تعالى: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: 108]، قال أبو البركات النَّسَفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (1/ 564، ط. دار الكلم الطيب): [والسُّنَّة أن يأخذ الرجل أحسن هيآته للصلاة؛ لأنَّ الصلاة مناجاة الرب فيُستحب لها التزين والتعطر كما يجب التستر والتطهر] اهـ.

حكم الوضوء والصلاة بالملابس التي عليها مواد بترولية

تحقيقًا لهذا المقصد الأسنى مِن الصلاة - أن الصلاةُ مناجاةٌ لله سبحانه وتعالى- فإنه يراعى فيها جملة من الأمور: كستر العورة، والتَّطهُّر، والتطيب، وكذا لبس أحسن الثياب.

ومما يتصل بذلك: صفةُ اللباس الذي يرتديه المصلي وهو واقفٌ بين يدي الله سبحانه وتعالى، والتي مِن جملتها ما يكون على الملابس مِن مواد بترولية -بنزين أو سولار- ناتجة عن الأعمال اليومية للشخص المصلي، والقول بصحة الصلاة أو فسادها في هذه الحالة فرعٌ عن طهارة هذه المواد أو عدمها، وقد اختلفت أنظار العلماء في نظرية تكوين البترول بين واحدةٍ تُؤيِّد التكوين اللاعضوي، وأخرى تُرجِّح الأصل العضوي للبترول، وهذه الأخيرة هي الأكثر قبولًا، والمقصود بالأصل العضوي، أي: الذي يتكون مـن الأحمـاض الدهنية (Fatty acids) والأحماض الأمينية (Amino Acids) الموجودة في أجسام الكائنات الحية. ينظر: "البترول العربي" لحسين عبد الله (ص: 3، ط. دار النهضة العربية)، و"محاضرات في الاقتصاد البترولي" لمحمد الدُّوري (ص: 16، ط. مطبوعات الجامعة الجزائرية).

وعلى كلا الفرضين: فالموادُّ البتروليَّة في أصلها طاهرة لا نجسة؛ إذ على الفرض الأول وهو تكوينها اللاعضوي، فالأصل في الأشياء الطهارة إلا ما استثناه الشرع الشريف، ولم يرد فيه ما يدل على نجاسة تلك المواد، فتكون طاهرة.

قال العلامة الدردير في "الشرح الصغير ومعه حاشية الصاوي" (1/ 43، ط. دار المعارف): [الأصل في الأشياء الطهارة، فجميع أجزاء الأرض وما تولد منها طاهر، والنجاسة عارضة] اهـ. وينظر أيضًا: "المحيط البرهاني" للعلامة ابن مازة (5/ 261، ط. دار الكتب العلمية)، و"تحفة المحتاج" للعلامة ابن حجر (1/ 297، ط. المكتبة التجارية الكبرى).

وعلى فرض التكوين العضوي لها، فالميتة بتحللها تتحول عينها إلى عين أخرى، مما يجعلها طاهرة كما هو قول الحنفية في المعتمد عندهم، والمالكية، وهو أيضًا رواية عند الحنابلة، إذ إنهم يرون أنَّ لاستحالة الموادّ -أي تحول عينها إلى عين أخرى- أثرًا في طهارتها.

قال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 76، ط. الأميرية): [والأعيان النجسة تطهر بالاستحالة عندنا، وذلك مثل الميتة إذا وقعت في المملحة فاستَحَالت حتى صارت مِلحًا، والعَذِرَة إذا صارت ترابًا أو أحرقت بالنار وصارت رمادًا، فهي نظير الخمر إذا تخللت، أو جلد الميتة إذا دبغت، فإنه يحكم بطهارتها للاستحالة] اهـ.

وقال العلامة الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 97، ط. دار الفكر) عند كلامه على فأرة المسك -وهي الوعاء الذي يكون فيه المسك، ويسمى أيضًا بالنافجة-: [وإنما حكم لها بالطهارة -والله أعلم-؛ لأنَّها استحالت عن جميع صفات الدم، وخرجت عن اسمه إلى صفاتٍ واسمٍ يختص بها، فطهرت لذلك، كما يستحيل الدم وسائر ما يتغذّى به الحيوان من النجاسات إلى اللحم، فيكون طاهرًا] اهـ.

وقال العلامة الـمَرْدَاوي الحنبلي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (1/ 318، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله -أي: ابن قدامة صاحب "المُقْنِع"-: (ولا يَطْهُر شيء من النجاسات بالاستحالة، ولا بنار أيضًا، إلا الخمرة)، هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب، ونصروه. وعنه -أي: الإمام أحمد-: بل تطهر، وهي مُخَرَّجَةٌ من الخمرة إذا انقلبت بنفسها، خَرَّجَها المَجْدُ يعني: ابن تيمية الجد-، واختاره الشيخ تقي الدين -يعني: ابن تيمية-، وصاحب "الفائق" -أي: ابن قاضي الجبل-] اهـ.

وعلى ذلك فالملابس التي عليها هذه المواد البترولية -بنزين أو سولار- طاهرة مستكملة لشرط طهارة الثوب اللازمة لـمَن أراد الصلاة الوارد في قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4]. ومع كون الملابس التي عليها هذه المواد البترولية طاهرة كما سبق تقريره بحيث لا يجب نَزْعُها عند إرادة الصلاة، إلَّا أنَّ مِن الكمال الـمُرغَّب فيه لبس أحسن الثياب عند إرادة الصلاة للمعنى السابق ذِكْره، وهو ما يجعل نزع تلك الملابس المتسخة بهذه المواد في هذه الحالة أمرًا مستحبًّا. -وبخصوص ما يصيب يد العامل في محطة الوقود أو بدنه من آثار البنزين أو السولار -كما في صورة السؤال- فلا يمنع ذلك من صحة الطهارة -وضوء أو غسلًا-؛ لطهارته كما سبق تقريره، ولأنه ليس حائلًا يمنع مس الماء أعضاء الوضوء أو الاغتسال، إذ الحائل الذي يمنع مس الماء للعضو هو الجرم الكثيف الجامد الذي يُكوِّن طبقةً فوق الجلد، والتي تصير جزءًا من البدن، أما المائعات والموادُّ الرطبة فلا تمنع مس الماء للعضو، حتى وإن جمدت؛ لأنَّ رطوبتها تعود بإيصال الماء إليها، فلا تمنع مس الماء للعضو.

قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (1/ 187، ط. المكتبة التجارية الكبرى) في بيان شروط صحة الوضوء: [وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء تَغيُّرا ضارًّا أو جرم كثيف يمنع وصوله للبشرة لا نحو خضاب ودهن مائع، وقول القفال: تراكم الوسخ على العضو لا يمنع صحة الوضوء ولا النقض بلمسه يتعين فرضه فيما إذا صار جزءا من البدن لا يمكن فصله عنه] اهـ.

وقال العلامة البجيرمي في "حاشيته على الإقناع" (1/ 128، ط. دار الفكر): [قوله: (وعدم الحائل) كدهن جامد. أما المائع فإنه لا يمنع مس الماء للعضو وإن لم يثبت عليه] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ما سَبَق وفي واقعة السؤال: فالبنزين والسولار الأصل فيهما أنهما مِن جملة الطاهرات، فلا تتنجس الملابس أو البدن بما يصيبها من آثارهما، كما أن تلك الآثار لا تمنع من وصول الماء إلى العضو، ومع ذلك فإن أمكن تغيير الملابس عند الصلاة لكان حَسَنًا، فلبس أحسن الثياب عند إرادة الصلاة مِن جملة المندوبات.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم من يترك صلاة التراويح مضطرًّا بسبب ظروف العمل؟ وهل عليه وزر؟


ما حكم إقامة صلاة الجمعة في الزوايا المتقاربة؟ فإنه يوجد في بعض القرى مسجد كبير يسع المصلين، ويوجد في الشوارع الجانبية زوايا تُصلَّى فيها الصلوات الخمس، فهل يجوز إقامة الجمعة في هذه الزوايا؟


ما حكم الإمام الذي يصلي عاري الرأس بالناس؟ وحكم صلاة المأموم الذي يصلي خلفه عاري الرأس؟ وحكم صلاة المنفرد عاري الرأس؟ وهل صلاتهم صحيحة أو مكروهة أو باطلة أو محرمة؟


ما حكم متابعة النفل بعد الفرض دون فصل بينهما بذكر أو كلام؟ فكنت أصلي المغرب في بيتي، وبمجرد أن أنهيت الفريضة سارعت إلى أداء النافلة الراتبة من دون فصل بشيء، فأخبرني أخي أنه قرأ في كتاب: أنه لا بد من الفصل بين الفرض والنفل بشيء، فلا تصح متابعة النفل بعد الفرض من دون فصل بكلام أو حركة أو جلسة، فما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل الفصل بين الفريضة والنافلة الراتبة واجبٌ؟


السادة الفقهاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه أول رسالة لي إليكم أبعث بها بعد أن اختلفت الآراء حول موضوع قصر الصلاة، فنرجو من الله العلي القدير أن تلقى هذه الرسالة اهتمام سيادتكم حتى يستفيد منها أكثر المسلمين الذين يعملون في هذا المكان. فنحن العاملين جميعًا في هذا المكان الذي يبعد حوالي 90كيلو عن مكان السكن الذي نسكن فيه، فبعضنا يخرج من منزله من بعد صلاة الفجر ويعود إليه بعد صلاة المغرب، وهذا الحدث يحدث بصفة يومية مع العلم أن أيام العمل هي من السبت إلى الأربعاء والخميس والجمعة إجازة. فنرجو من سيادتكم أن تفيدونا في الإجابة عن هذا الموضوع.


ما حكم قضاء الصلوات الفائتة؟ فعندما يتوب الإنسان إلى ربه؛ هل تُمحى صلواته التي لم يصلها من قبل؟ وهل تُحسب عليه؟ وقد قمنا بسؤال أحد المشايخ على الإنترنت فصرح بأنه يجب تعويض الصلاة الفائتة، وهذا غير ممكن، فما هو الحل؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 30 أكتوبر 2025 م
الفجر
5 :40
الشروق
7 :7
الظهر
12 : 39
العصر
3:46
المغرب
6 : 9
العشاء
7 :28