حكم الاشتراك في مسابقات صناديق الحظ

تاريخ الفتوى: 01 مايو 2024 م
رقم الفتوى: 8350
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
حكم الاشتراك في مسابقات صناديق الحظ

ما حكم الاشتراك في مسابقات صناديق الحظ؟ فإن بعض المواقع والمنصات الإلكترونية تنظِّم مسابقات تسميها بـ"مسابقة صناديق الحظ"، وهي عبارة عن اختيار المتسابق لرقمٍ مِن عدَّة أرقامٍ تُعرَض له، أو عدَّة صناديق مرقَّمة حقيقيَّة أو افتراضية تظهر له على الشاشة إلكترونيًّا، ويحصل المتسابق على محتوى الصندوق الذي اختاره أيًّا كان، وقد يكون الصندوق فارغًا، ويُشترط في تلك المسابقة دفعُ ثمن محدَّد لكلِّ مرَّة يرغب فيها المتسابقُ في التَّجربة واختيار رقمٍ جديد، ولا يسترد اللاعب ذلك المال، بل يخسره، فهل يجوز الاشتراك في تلك المسابقات شرعًا؟

الاشتراك في مسابقة "صناديق الحظ" يُعَدُّ مِن باب المقامَرة، وهي حرامٌ شرعًا، ويجب على المسلم البُعد عن طُرُقِ إضاعة المال، وأن يقصد بماله السُبُل التي تجعل كسبَه حلالًا.

المحتويات

 

حفظ المال من مقاصد الشريعة الإسلامية

جَعَلَت الشريعةُ الإسلاميةُ حِفظَ المال مِن مقاصدها الكبرى، فأناطت بذلك ثُلَّةً مِن الأحكام الشرعية الضابطة للمعاملات المالية بين الناس، تَرفع عنهم مراعاتُها الشقاقَ والاختلاف، وتحفظ أموالَهم مِن شتَّى صور الضياع، مِن نحو غشٍّ، وقِمَارٍ ونهبٍ وخِداع وغير ذلك مما منعه الشرع الشريف.

قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188].

قال الإمام القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 338، ط. دار الكتب المصرية) عند تفسير هذه الآية: [الخطاب بهذه الآية يتَضَمَّن جميعَ أمَّة محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: لا يأكلْ بعضُكم مالَ بعضٍ بغير حقٍّ، فيدخل في هذا: القِمَارُ، والخِداعُ، والغُصُوبُ، وجَحْدُ الحقوق، وما لا تَطِيبُ به نفسُ مالِكِه، أو حرَّمته الشريعةُ وإن طابَت به نفسُ مالِكِه، كمهر البَغِيِّ، وحُلوَان الكاهن، وأثمان الخمور والخنازير، وغير ذلك] اهـ.

تكييف الاشتراك في مسابقات صناديق الحظ

"مسابقة صناديق الحظ" -كما وَرَد في السؤال- عبارة عن منافسةٍ مدَارُها على النَّصيبِ والحظِّ في اختيار الصندوق أو الرَّقم الفائز المشتمل على المكسب، وتجنب اختيار الصندوق أو الرقم الفارغ الخاسر، مع التزام المتسابق بدفع مبلغ مالي يتيح له إجراء عملية الاختيار في تلك المسابقة، ولا يقبل الاسترداد حتى مع الخسارة.

والاشتراك في مسابقاتٍ مشروطةٍ بدفع مبالغ ماليةٍ، مع تردُّد النتيجة فيها بين الكسب والخَسارة، بحيث إذا أصاب في الاختيار رَبِحَ، وإلا خَسِرَ كلَّ مالِه أو بعضَه -يُعَدُّ صورةً مِن صور المقامرة؛ لِمَا فيه من المخاطرةِ، و"كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ خَطَرٌ فَهُوَ مِن الْمَيْسِرِ"، كما قال الإمام ابن سِيرِين ونقله عنه الإمامُ الزَّمَخْشَرِي في "الكشاف" (1/ 262، ط. دار الكتاب العربي).

مفهوم الميسر وحكمه في الإسلام

قد حرَّم اللهُ اتِّخَاذَ الميسر وسيلةً للكسب، فقال جَلَّ وَعَلَا في محكم التنزيل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].

وجاء في السُّنَّة النبوية المطهرة عن قَيْس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ رَبِّي حَرَّمَ عَلَيَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ.. الحديث» أخرجه الأئمة: ابن أبي شيبة في "المصنف"، وأحمد في "المسند"، والبيهقي في "السنن الصغرى" وقال: "ورُوِّينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: الميسر: القمار".

فالميسر هو القمار، وسُمِّيَ بالميسر اشتقاقًا مِن اليُسر؛ إذ يحصل فيه المقامِرُ على المال بيُسرٍ وسهولةٍ إن كان له نصيبٌ في المكسب، وإلا خسر ما قدَّمه مِن المال.

قال الإمام البَغَوِي في "التهذيب" (8/ 78، ط. دار الكتب العلمية): [إنَّ القِمَار يكون الرَّجُل مُتردِّدًا بَينَ الغُنمِ وَالغُرمِ] اهـ.

وقال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (6/ 400، ط. دار إحياء التراث العربي): [الميسر: القمار، مصدر مِن يَسَرَ.. واختلفوا في اشتقاقه على وجوهٍ، أحدها: قال مقاتل: اشتقاقهُ مِن اليُسرِ؛ لأنه أخذٌ لمالِ الرَّجل بيسرٍ وسهولةٍ مِن غَيرِ كَدٍّ ولا تَعبٍ] اهـ.

وقد حدَّد الشَّرع الشريف للعباد طُرُقَ الكسب الحلال، وأسبابَ المِلك، ولم يَجعل المقامرةَ سببًا منها.

قال الإمام كمال الدين بن الهُمَام في "فتح القدير" (6/ 298، ط. دار الفكر): [إنَّ الشارع لم يَضَع ظُهُورَ العدد الفلاني في ورقةٍ مثلًا سببًا للمِلك] اهـ.

وقد أجمع الفقهاءُ على حرمة الميسر والمقامرة، ونقل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ مِن العلماء.

قال الإمام أبو بكرٍ الجَصَّاص في "أحكام القرآن" (1/ 398، ط. دار الكتب العلمية): [ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم القمار، وأنَّ المخاطَرة مِن القمار، قال ابن عباس: المخاطَرة قمار] اهـ.

وقال الإمام برهان الدين ابن مَازَه في "المحيط البرهاني" (5/ 324، ط. دار الكتب العلمية): [والقمار حرامٌ بالإجماع وبنصِّ التنزيل] اهـ.

والحِكمَة مِن تحريم المقامرة، فضلًا عما ثبت فيها مِن الخطر: إذهاب المال وإضاعته بغير عِوضٍ مقبولٍ عند العقلاء، كما نصَّ عليه الإمام ابن أمير حاج في "التقرير والتحبير" (1/ 137، ط. دار الكتب العلمية).

وقد مَنَعَ الشرعُ الشريف إضاعةَ المال أو إتلافه؛ لأنَّه جعله وسيلةً لقيام الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: 5].

وعن المُغِيرَة بن شُعْبَة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» متفقٌ عليه.

حكم الاشتراك في مسابقات صناديق الحظ

الاشتراك في مسابقة "صناديق الحظ" المسؤول عنها ما هو إلا مخاطرةٌ ومراهنةٌ، إما على المكسب باختيار رقمٍ أو صندوقٍ مشتملٍ على ما له قيمة ومنفعة للمتسابق، وإما على الخسارة للمال المدفوع كقيمةٍ للاشتراك باختيار الرقم أو الصندوق الفارغ، فكان من المقامرة المحرَّمة شرعًا؛ لأنه لا يدري هل يحصل على عِوضِ ما دَفَعَه من مالٍ أم لا، مع خسارته تلكَ الأموالَ المدفوعة.

وإضافةً لِمَا مرَّ فإن الاشتراك في مثل هذه المسابقات يؤدي بالمشترك إلى حالةٍ مِن اختلال الحالة النفسية، حيث يكون مترقبًا مترددًا بين خوف الخسارة وأمل المكسب الكبير، كما أنه يضر بالمجتمع؛ فإنه إذا أمَّل النَّاسُ الحصولَ على الربح مِن مثل هذه الطرق السهلة في نظرهم -تقاعَسُوا عن الأعمال، وضيَّعوا الأموال، وهو ما يُحدِث اضطرابًا في توازن المجتمع اقتصاديًّا، كما يُعزِّز مِن روح التباغض والتحاسد في المجتمع، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ [المائدة: 91]، وقد تقرَّر في الشرع الشريف أنَّ العملَ على رفع الضرر واجبٌ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه الأئمة: مالكٌ في "موطَّئه"، وأحمد في "مسنده"، وابن ماجه في "سننه"، ومِن قواعد الفقه الكليَّة أنَّ "الضَّرَرَ يُزَال"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام جلال الدين السُّيُوطِي (ص: 83، ط. دار الكتب العلمية).

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإنَّ كلَّ ما تَطَلَّب مِن المرءِ دفع مالٍ، وتردَّد فيه بين المكسَب والخَسارة، سواء رَبِح أكثر أو أقل منه، أو خسر ما دفعه كلَّه أو بعضَه، وكان الاعتماد في تحديد ذلك على الحظِّ والنَّصيب -كان مِن الميسر والقمار، وهو محرَّمٌ شرعًا بنصِّ القرآن والسُّنة، وإجماع الأمَّة.

وفي واقعة السؤال: الاشتراك في المسابقة المذكورة المسماة بـ"مسابقة صناديق الحظ" يُعَدُّ مِن باب المقامَرة، وهي حرامٌ شرعًا، ويجب على المسلم البُعد عن طُرُقِ إضاعة المال، وأن يقصد بماله سُبُل الكَسبِ الحلال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم فك الشهادة مع التعويض عن خسارة الأرباح؟ فأمي تمتلك شهادة استثمارٍ في أحد البنوك، وأنا أحتاج لبعض المال، فعرضتُ على والدتي أن تفك هذه الشهادات وتعطيني قيمتها أقضي بها حاجتي، على أن أقوم برد القيمة في وقت محدد، فهل يوجد مانع شرعي من أن أعطيها قدر الأرباح التي فقدتها نتيجة فك الشهادة قبل مدتها علما بأنه لا يوجد اتفاق بيننا على ذلك؟


هل لي حقُّ التَّصرُّفِ في ممتلكاتي حال الحياة؛ كأن أُوقفها، أو أبيعها كلها، أو أساهم في عمل خير؟ وهل إذا تصرفت فيها بالبيع أو الشراء أو الوقف أكون قد حرمت الورثة؟


ما حكم توفير سلعة معينة لشركة مقابل نسبة من قيمة السلعة؟ فقد أعلنت شركة حاجتها لشراء سلعة بمواصفات معينة، على أن مَن يوفرها لها يأخذ نسبة مئوية من قيمة السلعة المعلومة المحددة، فما حكم هذه المعاملة وأخذ هذه النسبة؟


ما حكم ضمان عيوب الصناعة في السلعة المشتراة من البنك؟ فقد طلبت إحدى محاكم الاستئناف استخراج فتوى رسمية من دار الإفتاء في الدعوى القضائية المتضمنة: باع البنك سيارة الي أحد العملاء بنظام المرابحة، ووَجَدَ العميل عيوب صناعةٍ بالسيارة، وبعد فحصها من قِبل لجنة الرقابة الصناعية أقرَّت إلى وجودِ عيبٍ جسيم في الصناعة يستوجب تغيير المحرك كاملًا. فهل يضمن البنكُ عيوب الصناعة بالسيارة محل الدعوى من عدمه؟ وذلك طبقًا للشريعة الإسلامية.


يرغب أحد الأشخاص [طرف ثان] في الحصول على آلات وأجهزة ما؛ لاحتياجه إليها في مشروع أقدم عليه، لكنه لا يمتلك ثمنها، ولديه صديق [طرف أول] يتعامل بنظام الإجارة المنتهية بالتمليك، فطلب الطرف الثاني من الطرف الأول أن يوفر له تلك الآلات والأجهزة، ثم حررا عقد إجارة اشتمل على الآتي:

1- يدفع الطرف الثاني ثمن الآلات والأجهزة على مدى عشر سنوات في صورة أجرة شهرية تزيد قيمتها عن أجرة المثل، زيادة متعارف عليها بسعر السوق والعرف بين التجار؛ نظرًا لتملك الطرف الثاني لها بعد مرور السنوات العشر دون دفع أي زيادة.

2- ضمان الآلات والأجهزة طوال السنوات العشر من مسئولية الطرف الثاني.

3- لا يحق للطرف الثاني التصرف في الآلات والأجهزة بالبيع أو الهبة أو أي تصرف فيه نقل للملكية طوال السنوات العشر.

4- العقد ملزم للطرفين، ليس لأحدهما فسخه أو الرجوع فيه إلا بالاتفاق والتراضي مع الطرف الآخر.

والسؤال: هل هذه الصورة التعاقدية جائزة شرعًا أو لا؟


ما حكم إيداع مبلغ في جمعية للحج بالقرعة؛ فقد تراضى لفيف من أعضاء إحدى الجمعيات على أن يدفع كلٌّ منهم ثلاثين قرشًا شهريًّا لنية الحج، وفي نهاية كل عام يجري اقتراع ليحج من بينهم عدد يتناسب والمبلغ المجموع، ويعتبر ما يستلمه العضو من مال الحج وديعة يسددها على أقساط شهرية عند العودة، مع العلم بأن مبلغ الثلاثين قرشًا الذي يدفع شهريًّا يعتبر كوديعة لدى الجمعية، بحيث يكون للدافع أن يسترد ما دفعه في أي وقت شاء، وهذه الفكرة نشأت بعد صدور قانون الجمعية فهو لا يتناولها وإن كان لا يتنافى معها.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 يونيو 2025 م
الفجر
4 :10
الشروق
5 :56
الظهر
12 : 58
العصر
4:34
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :34