مدى وجوب الدية أو الكفارة بالإجهاض

تاريخ الفتوى: 12 مايو 2024 م
رقم الفتوى: 8360
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: النسب
مدى وجوب الدية أو الكفارة بالإجهاض

ما مدى وجوب الدية أو الكفارة بالإجهاض؟ فزوجتي كانت حاملًا في الشهر الخامس، وحدثت لها بعض المشكلات الصحية، وقرر الأطباء -وفقًا للتقرير الطبي المرفق- أن في بقاء الجنين خطرًا محققًا على حياتها، وتمت بالفعل عملية الإجهاض، ثم قرأنا على الإنترنت ما فهمنا منه أنَّ عليها في هذه الحالة ديةً وكفارةً، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحًا فما قيمةُ الدية؟ وما الكفارة؟

لا تجب الدِّيَّة (الغُرَّة) ولا الكفَّارة على الزوجة بإجهاض الجنين الذي بلغ مائةً وعشرين يومًا فما بعدها ما دام كان لضرورةٍ حقيقية قررها الأطباء المتخصصون.

المحتويات

 

بيان المراد بالإجهاض

الإجهاض: عبارة عن إلقاء المرأة جنينها قبل استكمال مدة حمله، وبعد استبانة بعض خِلْقته حيًّا أو ميتًا، بفعلٍ منها أو من غيرها. ينظر: "تكملة البحر الرائق" للإمام الطوري (8/ 389، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الشرح الكبیر" للإمام الدردیر و"حاشیة الدسوقي" علیه (4/ 268، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربیني (5/ 369، ط. دار الكتب العلمية)، و"أحكام الشريعة الإسلامية في مسائل طبية عن الأمراض النسائية والصحة الإنجابية" للإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (ص: ١٣٥، ط. المركز الدولي الإسلامي).

حكم إسقاط الجنين بعد 120 يوما لغير ضرورة

الجنين هو مبدأ النفس البشرية ومشروع النسل الإنساني، وذلك منذ بداية استقرار مادته في الرحم وتطورها في مراحل التخليق المختلفة، كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» متفق عليه.

قال الإمام زين الدين المناوي في "فيض القدير" (2/ 413، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [«إِنَّ أَحَدَكُمْ» معشر الآدميين «يُجْمَعُ خَلْقُهُ» أي: مادة خلق أحدكم أو ما يخلق منه أحدكم... ويجمع من الإجماع لا من الجمع، يقال: أجمعت الشيء أو جعلته جميعًا، والمراد: يجوز ويقرر مادة خلقه «فِي بَطْنِ» يعني رحم «أُمِّهِ»، وهو من قبيل ذكر الكل وإرادة البعض، وهو سبحانه وتعالى يجعل ماء الرجل والمرأة جميعًا «أَرْبَعِينَ يَوْمًا» لتتخمَّر فيها حتى يتهيأ للخلق وهو فيها (نطفة)] اهـ.

فمنذ أن يستقر الحمل في بدن المرأة ينبغي احترامه، واحترامه بعد نفخ الروح أولى وآكد، لما تقرر أنَّ حفظ النسل من أعظم مقاصد الشرع الشريف، ويتعلق به كثيرٌ من الأحكام الشَّرعية؛ كالأحكام المتعلقة بالنكاح والعِدَد والاستبراء، والأحكام المتعلقة بالاستحقاقات المادية: كالإرث والوصية والهبة بشروطها، إلى غير ذلك من الأحكام.

ولذلك حرَّم الشرع الشريف إسقاط الجنين لغير ضرورة إذا بلغ عمره في بطن أمه مائةً وعشرين يومًا -وهي مدة نفخ الروح فيه- فما بعدها؛ لأنه يعتبر قتلًا للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151]، ولقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء: 33].

قال العلامة ابن جُزي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 141، ط. دار الكتب العلمية): [وإذا قبض الرحم المني: لم يجز التعرُّض له، وأشد من ذلك: إذا تخلق، وأشد من ذلك: إذا نُفخ فيه الروح، فإنه قتل نفس] اهـ.

مدى وجوب الدية أو الكفارة بالإجهاض

اتفق الفقهاء على وجوب الدِّيَّة (الغُرَّة) -عشر قيمة دية الأم- حينئذ للتعدي بإسقاط الجنين ميتًا. ينظر: "تكملة الطُّوري على البحر الرائق" للعلَّامة الطُّوري (8/ 389)، و"الشرح الكبیر" للإمام الدردیر المالكي و"حاشیة الدسوقي" علیه (4/ 268)؛ لما ورد في "الصحيحين" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: "قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا".

واختلفوا في وجوب الكفارة -صيام شهرين متتابعين-، فذهب الحنفية والمالكية في ظاهر المذهب إلى عدم وجوبها، وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوبها. ينظر: "المبسوط" للعلامة السرخسي الحنفي (26/ 88، ط. دار المعرفة)، و"الإشراف على نكت مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب المالكي (2/ 839، ط. ابن حزم)، و"مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني الشافعي (5/ 376)، و"العدة شرح العمدة" للعلامة أبي محمد بهاء الدين المقدسي الحنبلي (ص: 576، ط. دار الحديث).

أمَّا في حالة عدم التعدِّي، بأن كان الإجهاض ضروريًّا للحفاظ على حياة الأم؛ وذلك بأن يقرر الطبيبُ العدلُ الثقةُ أن بقاء الجنين في بطن أمه فيه خطرٌ محققٌ على حياتها، فإسقاطُهُ حينئذٍ مأذون فيه شرعًا؛ مراعاةً لحياة الأم المحققة، وتغليبًا لها على حياة الجنين غير المستقرة، وهذا ما يتوافق مع قواعد التشريع العامَّة التي تحكم بأن "الضَّرر يُزال"، و"أن من ابتُلِىَ ببليَّتين وهما متساويتان يأخذ بأيُّهما شاء، وإن اختلفا: يختار أهونهما"، و"إذا تعارض مفسدتان رُوعِي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما". ينظر: "تبيين الحقائق" للإمام الزيلعي الحنفي (1/ 98، ط. الأميرية)، و"الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 86-87، ط. دار الكتب العلمية). وفي هذه الحالة لا تجب دية ولا كفارة.

قال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (5/ 369): [ولو دعتها ضرورة إلى شرب دواءٍ: فينبغي -كما قال الزركشي- أنها لا تضمن بسببه، وسواء كان الجنين ذكرًا أم غيره لإطلاق الخبر... وسواء كان الجنين تام الأعضاء أم ناقصها، ثابت النسب أم لا] اهـ. وينظر أيضًا: "تبيين الحقائق للعلامة الزيلعي الحنفي" (6/ 142)، و"درر الحكام للعلامة مُلَّا خسرو الحنفي" (2/ 109، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"الإشراف على نكت مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب المالكي (2/ 839).

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا تجب الدِّيَّة (الغُرَّة) ولا الكفَّارة على الزوجة بإجهاض الجنين الذي بلغ مائةً وعشرين يومًا فما بعدها ما دام كان لضرورةٍ حقيقية قررها الأطباء المتخصصون.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الشرع في القيام بإنشاء مركز أطفال الأنابيب؟


هل ورد في نصوص الشريعة الإسلامية ما ينهى عن تنظيم النسل وعملية الإنجاب؟


بخصوص الشخص الذي له رخصة التيمم بسبب عدم توفر الماء أو بسبب مرض يمنعه من استعمال الماء؛ هل يُشْتَرَطُ في حقه تَكرار التيمم لكل فريضة، أو يجوز له أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة كما هو الحال في الوضوء؟


يقول السائل: نرجو منكم بيانًا شافيًا في التحذير من تعاطي المخدرات وبيان حكم الاتجار فيها؟


أرجو من فضيلتكم التكرم ببيان فضل زيارة المريض، والآداب الشرعية التي ينبغي أن تراعى عند زيارته. فإني أرى بعض الناس عند زيارتهم للمرضى يطيلون الجلوس بجوار المريض، وأحيانًا يقولون بعض الألفاظ التي قد تسبب الأذى النفسي للمريض، أو من معه.


نرجو بيان الرأي الشرعي في الآتي: نحن أطباء نعمل في مجال علاج العقم وتأخر الحمل وأطفال الأنابيب، وقد يحدث أن تحمل المرأة أكثر من جنين، وذلك أحيانًا بدون أن يكون لنا تدخل في عدد الأجنة مثل التلقيح الصناعي بوضع نطفة الزوج داخل الرحم، وأحيانًا بأن نضع داخل الرحم عددًا كبيرًا من الأجنة مثل أربع أو خمس أجنة وذلك لزيادة فرص الحمل، حيث إننا لا نعلم أيّها سوف يَعلَق في الرحم، وإذا قلَّلنا عددَ الأجنة قلَّت بالتالي فرص الحمل.
والسؤال هو: إذا حملت المرأة في أكثر من جنين، فهل يجوز شرعًا شفط عدد من الأجنة لتقليل العدد إلى واحد أو اثنين في الخمسين يومًا الأولى من حدوث الحمل، أو حقن مادة كيمائية في صدر عدد من الأجنة ليوقف النبض في المدة من الخمسين إلى المائة اليوم الأولى في الحمل؟ مما يعطي فرصة للأجنة المتبقية لتواصل الحمل إلى نهايته.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 04 يونيو 2025 م
الفجر
4 :9
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 53
العشاء
9 :26