ما حكم مَن سافر إلى بلد تأخَّر فطرهم؟ وهل يصوم معهم إن جاوز صومه ثلاثين يومًا؟
مَن سافر إلى بلد تأخَّر فطرهم فعليه أن يُوافق أهل البلد في رؤيةِ هلال شوال؛ فيصُوم معهم وإن جاوز الثلاثين يومًا، وتكون هذه الزيادة في الصَّوم نفلًا، ولا يلزمه قضاءُ هذا اليوم لو أفطر أخذًا بمذهب من أجاز من الفقهاء، والأولى أن يقضيه خروجًا مِن الخلاف لكونه صار واحِدًا منهم.
المحتويات
المقرَّر شرعًا وجوبُ الصَّوم والفِطر على المكلَّفين بمجرد رؤيةِ الهلال؛ قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» متفقٌ عليه.
قال الإمام الخطَّابي في "شرح صحيح البخاري" (2/ 943، ط. جامعة أم القرى): [جَعَلَ صلى الله عليه وآله وسلم العِلَّة في وجُوبِ الصوم: رؤيةَ الهلال، وأوْجَبَ على كلِّ قوم أن يعتبِروهُ بوقت الرؤيةِ في بلادهم دون بلاد غيرهم] اهـ.
وقد حُكي الإجماع على وجوب الصوم برؤية الهلال، قال ابنُ القطان في "الإقناع" (1/ 228، ط. الفاروق الحديثة): [اتفقوا على أنَّ الكافة إذا أخبرت برؤية الهلال، أن الصيام والإفطار بذلك واجبان] اهـ.
الفطرُ للمسافِر أثناء النهارِ في شهر رمضان رخصة جائزةٌ؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
وقد أفطر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عامَ الفتح وأمر الناسَ به؛ تيسيرًا عليهم ورفقًا بِهم.
قال الإمام ابنُ بطال في "شرح صحيح البخاري" (4/ 89، ط. مكتبة الرشد): [من أراد رخصة الله فأفطر في سفره أو مرضه لم يكن مُعنَّفًا] اهـ.
ومِن المقرَّر أن صوم رمضان عبادةٌ يجتمع فيها المسلمون في يوم محدَّد مِن أجْل أدائها، وهذا الاجتماع مِن مقاصد الشرع الشريف، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ» رواه الترمذي في "سننه".
وجهةُ الدلالة مِن الحديث: أن العبادة الجماعيَّة؛ كالصَّوم والإفطار والأضحية والتَّعييد ونحوِها الأصل فيها هو استصحابُ الجماعةِ التي يُوجد الشخص فيهم وعدم الانفراد.
ومما يُستفاد منه أيضًا: أن المسافِر يلزمُه حكم أهلِ البلد الذين انتَقَل إليهم صومًا وإفطارًا؛ لأنَّه صار واحِدًا منْهم.
قال أبو عيسى الترمذي في "السنن" (3/ 71، ط. الحلبي): [فسَّر بعضُ أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا أن الصَّوم والفطر مع الجماعة وعُظْمِ الناس] اهـ.
وقد أجمَعَ العلماءُ على أن الشهر إمَّا أن يكون تسعة وعشرين يومًا، وإمَّا أن يكون ثلاثين يومًا. يُنظر: "بداية المجتهد" لابن رشد الحفيد (2/ 46، ط. دار الحديث).
فإذا صام الشخص أقلَّ مِن تسعة وعشرين يومًا فقد وجب عليه القضاءُ اتفاقًا؛ لأنَّ الشهر القمري لا ينقُص عن ذلك.
ويشهد له: ما جاء عن الوليد بن عُتبة رضي الله عنه، قال: صُمنا رمضان في عهدِ عليٍّ رضي الله عنه -على غير رؤية- ثمانية وعشرين يومًا، فلمَّا كان يوم الفطر: «أمَرَنا أن نقْضِيَ يومًا».
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 411، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وإنْ لم يَصُم إلا ثمانيةً وعشرين يومًا قَضَى يومًا)؛ لأنَّ الشهر لا يكون كذلك بخلافِ ما إذا صام تسعةً وعشرين لا قضاء عليه؛ لأنَّ الشهر يكون كذلك] اهـ.
وأمَّا إذا كان المسافِرُ قد صام ثلاثين يومًا -وهو محل السؤال- فعليه أن يُوافِق الجماعة في الصَّوم ولو زاد عن ثلاثين يومًا، وتكون هذه الزيادة في الصَّوم نفلًا.
قال الإمام الخطيبُ الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 145، ط. دار الكتب العلمية): [(وإذا لم نُوجِب على) أهل (البَلَدِ الآخَر) وهو البعيدُ (فسَافَرَ إليْهِ من بَلَد الرُّؤية) مَن صام بِهِ (فالأصحُّ أنه يُوافِقُهم) وجوبًا (في الصَّوم آخِرًا) وإن كان قد أتمَّ ثلاثين؛ لأنه بالانتِقال إلى بلدهم صار واحدًا منْهم فيلزمُه حكمُهم] اهـ.
قال الإمام ابنُ مفلح في "الفروع" (4/ 415، ط. مؤسسة الرسالة): [قال في "الرعاية" تفريعًا على المذهب: واختيارُه لو سافر من بلد الرؤية ليلة الجمعة إلى بلد الرؤية ليلة السبت فبَعُدَ وتمَّ شهرُه ولم يرَوُا الهلال: صام معهم] اهـ.
فإذا أفطر الشخصُ المسافِر هذا اليوم الزائِد عن الثلاثين: فلا يلزمه قضاؤه؛ لأن وجُوبه إنما هو على جهةِ الموافقة لأهل هذه البلد، وليس على جهة الوجوبِ عليه أصالة؛ ولأنه قد أتم صيام شهره؛ كما قرَّره العلامة الجمل في حاشيته "فتوحات الوهاب" (2/ 310، ط. دار الفكر) مُخرِّجًا على صيرورة المسافِر كأحد أهل البلد الذي سافر إليه.
هذا والأوْلى للسائل قضاءُ هذا اليوم الزائد عن الثلاثين؛ خروجًا مِن خلاف مَن أوجب عليه القضاء، ولكونه صار واحِدًا منهم، فتجري عليه أحكامُهم.
بناء على ذلك: فإن مَن سافر إلى بلد تأخَّر فطرهم فعليه أن يُوافق أهل البلد في رؤيةِ هلال شوال؛ فيصُوم معهم وإن جاوز الثلاثين يومًا، وتكون هذه الزيادة في الصَّوم نفلًا، ولا يلزمه قضاءُ هذا اليوم لو أفطر أخذًا بمذهب من أجاز من الفقهاء، والأولى أن يقضيه خروجًا مِن الخلاف لكونه صار واحِدًا منهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز للمسافر الذي وصل إلى مكة صائما أن يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟ فهناك رجلٌ سافر في رمضان قبل الفجر لأداءِ العمرةِ، على أن يمكُثَ في مكَّة ثلاثةَ أيامٍ وفي المدينة مثلَها، ثمَّ إنه نوى الصيام وهو في الطائرةِ وشَرَع فيه، ولمَّا وصل إلى مكَّة أراد أن يتقوى على أداءِ العمرةِ بالفطر، فهل يجوز له ذلك شرعًا؟
هل يجوز للمسلم أن يأكل ويشرب بعد إطلاق مدفع الإمساك؟
هل يجوز للمسافر الذي قدم بلده صائمًا أن يفطر في هذا اليوم؟ فهناك رجلٌ سافر في رمضان قبل الفجر، ثم وصل إلى بلده بعد الظهر ناويًا الإقامة فيه، فهل له أن يترخص برخصة السفر فيفطر في هذا اليوم؟
ما حكم استخدام الدهان أوالمراهم، أو قَلْع الضرسِ، أو تنظيف الأسنان أثناء الصيام؟
ما عدد الرمضانات التي صامها النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟
ما حكم ترك رخصة الإفطار للمسافر في رمضان؟ وذلك بأن يتمّ صيامه؛ لعدم وجود تعبٍ. وعلى أيّ توقيت يفطر عند الوصول للبلد الْمُسافَر إليها؟