ما مدى تأثير ارتجاع السوائل إلى المريء على الصيام، وهل هو من المفطرات؟ حيث هناك رجلٌ يعاني مِن ارتجاع المريء، وأثناء الصيام خرجَت بعضُ السوائل الحمضية مِن المعدة، وَوَجَد طَعمَها في حَلْقِهِ، لكنها لَم تَصِلْ إلى الفم حتى يتمكن مِن إخراجها، ويسأل: هل يؤثر ذلك في صحة الصوم ويلزمه تبعًا لذلك قضاء هذا اليوم؟
ارتجاع السوائل مِن المعدة إلى المريء، مع عدم وصولها إلى فم الصائم، لا تأثير له في صحة الصوم، والصوم حينئذ صحيحٌ شرعًا، ولا يَلزم قضاء هذا اليوم.
المحتويات
ارتجاع المريء (Gastroesophageal Reflux Disease): عبارة عن الإصابة بأعراضٍ مزمنةٍ أو تلفٍ في الغِشاء المُخَاطِي، ناتج عن ارتدادٍ غير طبيعيٍّ لمحتويات المعدة إلى المريء، ويحدث عادةً نتيجة ضَعفِ العَضَلة الحَلْقية الموجودة في أسفل المريء التي تُسمَّى بـ"العضلة العاصرة للمريء"، كما عرَّفَته الكلية الأمريكية لأمراض الجهاز الهضمي (American College of Gastroenterology)، و"مرض الجزر المعدي المريئي" للدكتور/ Jesper Lagergren، بحث منشور ضمن مجلة (Elsevier)، مجلد: 31، الإصدار الخامس، أكتوبر 2017م.
والمريء: قناة غشائية ممتدة من البلعوم إلى المعدة، فيبدأ عند الحافة السفلى للغضروف الحَلْقي، وينتهي في الفتحة القلبية للمعدة، كما أن "العضلة العاصرة للمريء" هي التي تَفصِلُ المريء عن المعدة، حيث تَنْفَتِحُ هذه العَضَلةُ عند البَلْعِ، مما يَسمح للطعام بالدخول إلى المعدة، وتظل مُغلَقةً في باقي الأوقات، حيث يتم ضَغطُها بقوةٍ لِمَنْعِ الطعام والحِمْض المَعِدِي مِن الِارتداد إلى المريء، كما في "التوضيح في أصول التشريح" للدكتور/ يوحنا ورتبات (ص: 541-542، ط. عام 1871م)، والأطلس العلمي "فيزيولوجيا الإنسان" (ص: 15، ط. دار الكتاب اللبناني).
المتأمل في نصوص الفقهاء وما وضعوه من ضوابط لفساد الصوم بالخارج من الجوف أو بالداخل إليه من الفم يدرك أن هذا الحكم منوط بالتعمد والعلم والاختيار لا بالغلبة والاضطرار.
قال شيخ الإسلام ابن حَجَر الهَيْتَمِي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 165، ط. المكتبة الإسلامية): [وأما الصوم فلا يُغْتَفَرُ فيه إدخالُ شيءٍ إلى الجوف، ولا إخراجُ شيءٍ منهُ مع التَّعَمُّدِ والعلم والاختيار] اهـ.
فإذا كانت السوائل المرتجعة مِن المعدة إلى المريء تَصل إلى الحَلْق (البُلعوم)، لكن لا تجاوزه إلى الفم، ومِن ثَمَّ تعود إلى الجوف غَلَبَةً دون أن يتمكن منها الصائم، فإنها حينئذٍ لا تؤثر على صحة الصوم؛ لأنَّ علة فساد الصوم مِن هذه السوائل هو تعمُّد دخولها مرةً أخرى إلى الجوف، وهذا متوقفٌ على خروجها، ولم يوجد الخروج أصلًا، فهو كمَن غَلَبَهُ القيء فعَادَ مِن غير اختياره، بل مسألتنا أَوْلَى في الحكم بعدم الفطر؛ لعدم وجود الخروج حقيقةً، مع كون الارتجاع حالة مَرَضِيَّةً تَحصُل بصورةٍ لا إرادية.
عدم الفطر بذلك هو ما أفادته نصوص جماهير الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في مسألة مَن غلبه القيء أثناء صومه.
قال بدر الدين العَيْنِي الحنفي في "البناية" (4/ 50، ط. دار الكتب العلمية): [م: (وإن كان) ش: أي القيء الذي ذرعه. م: (أقل من ملء الفم فعاد) ش: يعني بنفسه إلى الجوف. م: (لم يفسد صومه؛ لأنه غير خارج ولا صُنْعَ له في الإدخال) ش: لأنَّ الدخول يترتب على الخروج ولَم يوجد الخروج] اهـ.
وقال كمال الدين ابن الهُمَام الحنفي في "فتح القدير" (2/ 335، ط. دار الفكر): [الإفطارُ إنَّما نِيطَ بما يَدْخُلُ أو بالقيءِ عمدًا] اهـ.
وقال العلامة أبو البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 525، ط. دار الفكر) في ذكر المفطرات: [(و) بِتَرْكِ إيصالِ (قَيْءٍ) أو قَلْس (وبَلْغَمٍ أَمْكَنَ طَرْحُه) أي: طَرْح ما ذكر، فإن لَم يُمكِن طَرْحُه بأن لَم يُجاوِزِ الحَلْق فلا شيء فيه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 319، ط. دار الفكر): [المفطرُ رجوع شيءٍ ممَّا خرج وإنْ قَلَّ] اهـ.
والمقصود: رجوع شيءٍ على سبيل العمد كما تقرر في أصولهم لهذه المسألة.
قال شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي في "الإقناع" (1/ 237، ط. دار الفكر) في بيان مُفسِدات الصوم: [(و) الثالث (القَيْءُ عمدًا) وإنْ تيقَّن أنه لم يَرجع منه شيءٌ إلى الجوف كأن تَقَايَأَ مُنَكَّسًا؛ لخَبَر ابن حِبَّان وغيرِه: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ -أي: غلبه- وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ»، وخرج بقوله: "عمدًا" ما لو كان ناسيًا، ولا بد أن يكون عالمًا بالتحريم، مختارًا لذلك، لم يفطر كما لو غَلَبه القيء، وكذا لو اقْتَلَع نُخامَةً مِن الباطنِ ورَمَاهَا، سواء اقتَلَعها مِن دماغه أو مِن باطنه؛ لأنَّ الحاجة إلى ذلك تتكرر، فلو نزلَت مِن دماغه وحصلَت في حَدِّ الظاهر مِن الفم -وهو مخرج الخاء المُعْجَمَة وكذا المُهْمَلَة على الراجح في "الزوائد"-، فَلْيَقْطَعْهَا مِن مَجراها، وَلْيَمُجَّهَا إنْ أَمكَن، فإنْ تَرَكَهَا مع القُدرة على ذلك فوصلَت الجوفَ أَفْطَرَ؛ لتقصيره، وكالقيء: التجشؤ، فإنْ تعمَّده وخرج شيءٌ مِن معدته إلى حَدِّ الظاهر أَفْطَر، وإنْ غَلَبَه فلا] اهـ.
وقال برهان الدين ابن مُفْلِح الحنبلي في "المبدع" (3/ 26، ط. دار الكتب العلمية) في بيان ما لا يُفطِر به الصائم: [(أو ذَرَعَه القيء) لِلْخَبَرِ، ولخروجه بغير اختيار، أَشْبَهَ المُكْرَهَ، ولو عاد إلى جوفه بغير اختياره] اهـ.
فأفادت هذه النصوصُ أنَّ الفطر مَنُوطٌ بتَعَمُّد دخول شيءٍ إلى الجوف مِن خارجه، وأنه لا اعتبار بالخارج منه أو الداخل إليه مِن غير قَصْدٍ، فضلًا عما عاد مما خرج مِن المعدة إلى المريء فعاد مِن نَفْسه قبل أن يصل إلى الفم مِن باب أَوْلَى؛ فإنه مِن الجوف وإليه ولَم يخرج عنه.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ ارتجاع السوائل مِن المعدة إلى المريء، مع عدم وصولها إلى فم الصائم، لا تأثير له في صحة الصوم، وصوم الرجل المذكور صحيحٌ شرعًا، ولا يَلزمه قضاء هذا اليوم، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم استخدام الحقن المسكنة والمضاد الحيوي والمحلول الملحي والجلوكوز والمانيتول الذي يدر البول لمرضى ضغط العين؟ وما حكم زبدة الكاكاو المرطبة للشفاه المتشققة؟ وذلك في أثناء الصيام.
ما حكم من شك في طلوع الفجر فجامع زوجته ولم يتحر الوقت؟ فهناك رجلٌ استيقظ مِن النوم في إحدى ليالي شهر رمضان، وشكَّ في طلوع الفجر، فجامع زوجته ولَم يَتَحَرَّ أذان الفجر، ثم نام بعد ذلك، ولا يدري هل كان الجماع قبل الفجر أو بعده، فما حكم صيام هذا اليوم؟
هل مجرد العزم على الفطر دون تناول طعام أو شراب يفسد الصوم؟ فقد نويتُ صوم واجب عليَّ، وبعد أن شرعتُ فيه تذكَّرت بعض الأعمال الشاقة التي ينبغي عليَّ القيام بها، فعزمتُ على الفِطْر، لكن لم أتناول الطعام أو الشراب، ثم رَجعتُ عن هذا العَزْم وأكملتُ الصوم، فهل يصح صومي في هذه الحالة أو لا؟
ما حكم إخراج زكاة الفطر لحمًا؟
ما حكم صوم المرأة التي نزل عليها دم قبل الولادة بيوم وهي صائمة؟ فهناك امرأةٌ حاملٌ، ونَزَل عليها دَمٌ قَبْل الولادة بيومٍ مصحوبًا بشيءٍ مِن الآلام التي تَسبِقُ الولادة، وكان ذلك في نهار رمضان وهي صائمة، فهل تُكمِل صومها أو تفطر بسبب نزول هذا الدم؟
ما كيفية الصيام فى الأماكن التى يطول فيها النهار؟ حيث تزيد ساعات الصيام في بلادنا (المملكة المتحدة) إلى نحو 19 ساعة.