ما حكم أداء صلاة الضحى في المسجد؟ وهل هناك مانعٌ شرعيٌّ في ذلك؟
السُّنن والنوافل -ومنها صلاة الضحى- الأصلُ فيها أن تؤدَّى في البيوتِ، ولا مانعَ شرعًا مِن صلاة الضحى في المسجد مع مراعاة الإجراءاتِ التنظيميَّة التي تُحدِّدها الجهات المختصة بالمساجد.
المحتويات
مِن المقرَّر شرعًا أنَّ صلاة الضحى سنةٌ مطلوبةٌ على جهةِ الاستحبابِ؛ فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِن أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِن ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِن الضُّحَى» رواه مسلم في "صحيحه".
قال الحافظ ابنُ عبد البر في "الاستذكار" (2/ 266، ط. دار الكتب العلمية): [هذا أبلغُ شيء في فضْل صلاة الضحى] اهـ.
ووقت صلاة الضحى يبدأ مِن ارتفاع الشمس قَدْر رُمْحٍ إلى رُمْحَيْن في عين الناظر إليها، ويُقدر بخمسٍ وعشرين دقيقة تقريبًا بعد شروق الشمس، وينتهي وقتها قبل زوال الشمس، ويُقدر بأربع دقائق قبل دخول وقت صلاة الظهر، مع مراعاة فروق التوقيت بحسب إحداثِيَّات المكان.
وأفضله على المختار عند جمهور الفقهاء مِن الحنفية والمالكية والشافعية: بعد مُضِيِّ رُبُع النهار، وهو منتصف الوقت بين شروق الشمس وصلاة الظهر؛ لما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" أَنَّ زيد بن أرقم رضي الله عنه رأى قومًا يُصَلُّون مِن الضُّحَى، فقال: أَمَا لقد عَلِمُوا أنَّ الصلاةَ في غير هذه الساعة أفضلُ، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ»، والحكمة مِن كون أفضل وقتها بعد مضي ربع النهار -ألَّا يخلو رُبُعٌ مِن النهار عن عبادةٍ يؤديها المكلَّف، كما في "كفاية الأخيار" للإمام تقي الدين الحِصْنِي (ص: 89، ط. دار الخير).
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 30، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه فضيلةُ الصلاة هذا الوقْت. قال أصحابنا: هو أفضلُ وقتِ صلاة الضحى وإن كانتْ تجوز مِن طلوع الشمس إلى الزَّوال] اهـ.
الأصل أنَّ صلاة النوافل في البيوت أفضلُ منها في المساجد مطلقًا؛ لما ورد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا أَيُّهَا الناسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
قال الحافظ ابنُ عبد البر في "الاستذكار" (2/ 143): [فيه دليلٌ على أن الانفراد بكلِّ ما يعْمَلُهُ المؤمن مِن أعمال البرِّ ويستره ويُخفيه أفضلُ. ولذلك قال بعضُ الحكماء: إخفاءُ العلم هلكة، وإخفاء العمل نجاة] اهـ.
وقال العلَّامة ابنُ المَلَك الكرماني في "شرح المصابيح" (2/ 193، ط. إدارة الثقافة الإسلامية بكراتشي): [هذا عامٌّ لجميع النَّوافل والسُّنن، إلا النوافل التي مِن شعائر الإسلام، كالعيد والكسوف والاستسقاء] اهـ.
وقد تتابعت نصوصُ فقهاءِ المذاهب الأربعة المتبوعة على أفضليَّة أداء السنن النوافل في البيوت.
قال علاء الدين الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (2/ 22، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية ابن عابدين"): [والأفضلُ في النَّفل غيرِ التراويح المنزلُ إلا لخوف شَغْلٍ عنْها] اهـ.
قال العلامة ابنُ عابدين محشِّيًا عليه: [(قوله: والأفضل في النفل.. إلخ) شَمِل ما بعد الفريضة] اهـ.
وقال العلَّامة علي بن خلف المنوفي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (2/ 410، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية العدوي"): [(وهذا) التفضيل الذي ذكرناه كله إنما هو (في الفرائض، وأما النوافلُ فـ) فعلها (في البيوت أفضلُ) على الصَّحيح] اهـ.
قال العلامة العدوي محشِّيًا عليه: [(قوله: على الصَّحيحِ) ومقابلُهُ: ما نقل عن مالك من أنَّ صلاة النوافل في هذه المواضع الفاضلة أفضلُ من صلاتِها في البيوت] اهـ.
وقال جلال الدين المحلِّي الشافعي في "شرحه على منهاج الطالبين" (1/ 199، ط. دار الفكر، ومعه حاشيتا قليوبي وعميرة): [قال البغوِيُّ (وأفْضَلُه إلى بيْتِهِ)؛ لحديث "الصحيحين"] اهـ.
قال العلامة أحمد القليوبي محشِّيًا عليه: [قوله: (وأفضله إلى بيته) أي: وفعلُ النَّفل في البيت أفضلُ منه في المسجد، ولو المسجد الحرام، ولمن بيته خارج الحرم] اهـ.
وقال العلَّامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 244، ط. عالم الكتب): [(وفعلُ) السنن (الكلِّ) الرواتب والوتر وغيرها (ببَيْتٍ أفضلُ) مِن فعلها بالمسجد] اهـ.
أمَّا أداء صلاة الضحى في المسجد فقد جعله فقهاءُ الشافعية هو السُّنة؛ لحديث أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الحَاجِّ المُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ المُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» أخرجه أبو داود في "السنن".
قال الإمام الخطَّابي في "معالم السنن" (1/ 161، ط. المطبعة العلميَّة): [تسبيح الضحى يُريد به صلاة الضحى، وكلُّ صلاة يتطوع بها فهي تسبيحٌ وسبحة] اهـ.
فيكون الحديث دالًّا على فضيلة صلاة الضحى في المسجد، فتكون مِن جُملة المستثنياتِ من خبر: «أَفْضَلُ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةُ». يُنظر: "مرقاة المفاتيح" للعلامة المُلا عليٍّ القاري (2/ 612، ط. دار الفكر).
قال العلَّامة ابنُ حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (2/ 107، ط. المكتبة التجارية الكبرى، ومعه "حاشية الشرواني"): [(وأفضله) أي: الانتقال للنفل يعني الذي لا تسن فيه الجماعة ولو لمن بالكعبة والمسجد حولها (إلى بيته)؛ للخبر المتفق عليه: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةُ»، ولأن فيه البعد عن الرياء وعود بركة الصلاة على البيت وأهله، كما في الحديث، ومحله: إن لم يكن معتكفًا، ولم يخف بتأخيره للبيت فوت وقت أو تهاونًا، وفي غير الضحى، وركعتي الطواف، والإحرام بميقات به مسجد، ونافلة المبكر للجمعة] اهـ.
قال العلامة الشَّرواني محشِّيًا عليه: [(قوله: ومحله) أي: محل كون النفل في البيت أفضل] اهـ.
هذا، وفضيلة المسجد لا تُنافي أفضلية النافلة في البيْت؛ لعدم الرِّياء، كما في "لمعات التنقيح" للعلَّامة الدهلوي (2/ 482، ط. دار النوادر)]، كما أن صلاة الضحى لا تختص بالمسجد كركعتي التحية، ولا يُشْرع لها الجماعة.
بناءً على ذلك: فإن السُّنن والنوافل -ومنها صلاة الضحى- الأصلُ فيها أن تؤدَّى في البيوتِ، ولا مانعَ شرعًا مِن صلاة الضحى في المسجد مع مراعاة الإجراءاتِ التنظيميَّة التي تُحدِّدها الجهات المختصة بالمساجد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي درجة الانحراف المسموح بها في القبلة؟ حيث إن الاتجاه الحالي للقبلة في المسجد الذي نصلي فيه تنحرف عن الاتجاه الدقيق لها بمقدار 13 درجةً جهة اليسار، والمسجد به أعمدةٌ تتناسب مع هذا الانحراف، وسيؤدي تصحيح الانحراف إلى إهدارِ مساحاتٍ كبيرة مِن المسجد.
ما حكم قضاء الصلاة الجهرية دون الجهر بالقراءة؟ فقد فاتتني بعض الصلوات المفروضة الجهرية فقضيتها سرًّا منفردًا، فهل تبطل الصلاة لذلك؟
ما حكم الصلاة بالقراءات الشاذة؟ فقد حكى لي بعض أصدقائي أنَّه شاهد أحد الناس يُصلِّي في الصلوات الجهرية ويقرأ بقراءة غير معتادة، وعندما سأله صديقي عن هذه القراءة أبلغه أنَّها قراءة شاذة، فهل تصح الصلاة بمثل هذه القراءة في الصلاة؟
ماذا يعني حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الضرير الذي كان معتادًا الصلاة في المسجد بحجة أنه لا يملك أحدًا يوصله إلى المسجد فرخص له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبعدما خطا خطوات ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسأله «أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ»، فقال: نعم، قال: «فأجب»؟
وطلب السائل بيان قصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من كلمة: «فَأَجِبْ»، وهل تعتبر هذه الكلمة أمرًا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرجل الضرير بالحضور إلى المسجد، أم قصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الكلمة شيئًا آخر؟
هل يجوز القراءة من المصحف أثناء الصلاة؟
ما حكم ترك أداء صلاة التراويح في المسجد لعذر العمل؟ فأنا أعمل في مستشفى في قسم الرعاية المركزة، وأحيانًا تكون فترة مناوبتي من أول الليل حتى الصبح، وأنا أحرص منذ سنوات على أداء صلاة التراويح جماعة في المسجد؛ فهل عليَّ ذنب إذا تركتها خلال فترة مناوبتي، أم ماذا أفعل؟