ما حكم صناعة أو بيع أو إجارة ما يكون له استعمالان: استعمال مباح واستعمال محرم من السلع والأشياء؟ وهل يأثم من يقوم بهذا الفعل؟
صناعة ما يكون له استعمالان من السلع والأشياء أو بيعه أو إجارته ونحو ذلك من أمور التجارة جائزٌ شرعًا، ما لم تتعين حرمته، أو يُنَصّ عليها، فالمُحَرَّم هو استخدام الشخص لهذه السلع وتلك الأشياء في محرمٍ، وليس الشيء نفسه ما دام نافعًا غيرَ منهيٍ عنه في ذاته، فإذا استُعمِلَتْ في محرَّم فإثم الحُرمة إنما يلحق مستعملها وحدَه، وليس على الصانع ولا على البائع ولا على المؤجِّر من حرجٍ.
المحتويات
من المقرر شرعًا إباحة التجارة من حيث الأصل ما لم يأتِ دليلٌ شرعيٌّ على التحريم؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
فكلُّ تجارةٍ صادرةٍ عن تراضٍ، ولم يَرِد ما يحرمها فهي مباحة شرعًا، قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (1/ 351، ط. دار الكلم الطيب): [أي: تجارة صادرة عن تراضٍ بالعقد أو بالتعاطي، والاستثناء منقطع، معناه: ولكن اقصدوا كون تجارةً عن تراضٍ، أو: ولكن كون تجارةً عن تراضٍ غير مَنْهِيٍّ عنه] اهـ.
وقد بيَّن الله تعالى أنَّ جنس البيع والشراء حلال، فقال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (3/ 356، ط. دار الشعب): [قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ هذا من عموم القرآن، والألف واللام للجنس لا للعهد؛ إذ لم يتقدم بيعٌ مذكورٌ يرجع إليه] اهـ.
وهذا الحِلُّ ينسحبُ على كلِّ أنواع البيوع إلَّا ما نَصَّ الشرع على حرمته واستثناه من حكم الأصل، وذلك كالبيوع المشتملة على الرِّبَا أو نحوه من المحرمات.
قال الإمام الشافعي في "الأم" (3/ 3، ط. دار المعرفة): [فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضَا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعَا، إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها، وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرم بإذنه داخلٌ في المعنى المنهي عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى] اهـ.
وقال العلامة علي حيدر في "درر الحكام" (1/ 101، ط. دار الجليل): [أجمع الأئمة على مشروعية البيع، وأنه أحد أسباب التملك، وقيل: إن أفضل الكسب التجارة] اهـ.
ومن المعلوم أن الغرض من التجارة بالبيع أو الشراء هو تحقيق المنفعة، ومقابلة الأموال وما في معنى الأموال كالمنافع والخدمات بقصد الربح.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي في "أحكام القرآن" (1/ 321، ط. دار الكتب العلمية): [التجارة: هي مقابلة الأموال بعضها ببعض، وهو البيع؛ وأنواعه في متعلقاته بالمال؛ كالأعيان المملوكة، أو ما في معنى المال؛ كالمنافع، وهي ثلاثة أنواع: عين بعين، وهو بيع النقد؛ أو بدينٍ مؤجلٍ وهو السَّلَم، أو حالٍّ وهو يكون في التمر أو على رسم الاستصناع، أو بيع عين بمنفعة وهو الإجارة.. وأحلَّ الله البيع المطلق الذي يقع فيه العِوض على صحة القصد والعمل، وحرَّم منه ما وقع على وجه الباطل] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "شرح منهج الطلاب" (2/ 322، ط. دار الفكر) في تعريف التجارة شرعًا: [هي تقليبُ المال بمعاوضة لغرض الربح] اهـ.
ولذا؛ فقد قرَّر العلماء -في الجملة- أن ما كان في جنسه نافعًا مباحًا، غير منهي عنه شرعًا، مكتملًا للأركان والشروط، من العاقدين (البائع والمشتري) والمعقود عليه (الثمن والمثمن) والصيغة (الإيجاب والقبول)، وخلا مما يفسده أو يبطله: فقد صح العقد، وجاز بيعه وشراؤه.
قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (1/ 164، ط. دار الكتب العلمية): [ومعلومٌ أن ما جاز الانتفاع به جاز شراؤه وبيعه إلا ما خُصَّ بدليل] اهـ.
وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (5/ 499، ط. دار المنهاج): [فليكن التعويل في الفرق بين ما يُتَمَوَّل وما لا يُتَمَوَّل على المنفعة في الأجناس الطاهرة غير المحترمة، فلو أجدَّ الرجلُ صخرةً، وكان فيها منفعةٌ ظاهرة، فيجوز أن يبيعها بآلاف ممَّن يشتريها] اهـ.
أما عن التجارة فيما فيه منفعةٌ ومضرةٌ في نفس الوقت -أي: فيما فيه استعمالان-: استعمالٌ مباح، واستعمالٌ مُحرَّمٌ، والمختار للفتوى في المسائل المندرجة تحت هذا الباب هو الأخذ بمذهب الحنفية، حيث قرروا أن ذلك جائزٌ بلا كراهة؛ لأن المعصية لا تقوم بعين الشيء الواقع عليه المعاملة، بل بالاستعانة به في حصول المعصية، فيكون الـمُحرَّم هو الاستخدام في المعصية لا المعاملة التي حصلت على الـمُستَخْدَم فيها، كما أفاده الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (3/ 297، ط. الأميرية)، والإمام الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (6/ 391، ط. دار الفكر).
قال العلامة ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (4/ 162، ط. الحلبي) مُعَلِّلًا إجازة التعامل على مثل هذه الصور: [العقد ورد على منفعة البيت حتى وجبت الأجرة بالتسليم وليس بمعصية، والمعصية فعل المستأجر، وهو مختار في ذلك] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (6/ 391، ط. دار الفكر): [قوله: (المعصية لا تقوم بعينه بل بعد تغيره.. إلخ) يُؤْخَذُ منه: أن المراد بما لا تقوم المعصية بعينه: ما يَحْدُثُ له بعد البيع وَصْفٌ آخر يكون فيه قيام المعصية، وَأَنَّ ما تقوم المعصية بعينه: ما توجد فيه على وصفه الموجود حالة البيع] اهـ.
ومن ثَمَّ، فَصُنْعُ ما له استعمالان، أو بَيْعُه، أو إجارتُه، أو التوسُّطُ في بيعه ونحو ذلك تكون مسؤوليته على المستَعْمِل، فإن استعمله في الحلال فحلال، وإن استعمله في الحرام فحرام؛ وهو ما تقرَّر من مقاصد الشرع الشريف وقواعده أن "الحرمة إذا لم تتعين حَلَّتْ"، وأن "الشيء إذا كان له استعمالان فالحرمة في الاستعمال المحرم إنما تتوجه إلى الذي أقدم عليه مختارًا وحده"، وليس على صانعه أو منتجه أو بانيه أو مُؤجره في ذلك من إثمٍ، لأنه في صورة البيع والتجارة مثلًا "لا فساد في قصد البائع، فإنَّ قصده التجارة بالتصرف فيما هو حلال لاكتساب الربح، وإنما المحرم قصد المشتري" كما قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (24/ 6، ط. دار المعرفة).
وممَّا يدلّ أيضًا على حِلِّ التجارة فيما له استعمالان أنَّ أمثال هذه السلع ذات الاستعمالين لا يَتَوَجَّهُ إليها خطابُ الشرع بِحُرْمةٍ، فإن الحرمة لا تتعلق بأعْيَان الأشياء، وإنما تتعلق بأفعال المكلفين عند جمهور العلماء، فالأشياء والأعيان لا يُوصَفُ شيءٌ منهما بالحل أو بالحرمة إلا بِتَعَلُّقِ فعلِ المكلَّف بها؛ ولم يوجب الشرع على البائع أن يسأل المشتري عن غرض استخدامه السلعة التي يشتريها منه، وهذا يقتضي جواز المتاجرة في السلع التي تحتمل الوجهين.
قال الإمام الغزالي في "المستصفى" (ص: 23، ط. دار الكتب العلمية) في بيان تعلق الأحكام التكليفية: [وهذه الألفاظ لا شك أنها لا تطلق على جوهرٍ بل على عرض، ولا على كل عرض، بل من جملتها على الأفعال فقط، ومن الأفعال على أفعال المكلفين لا على أفعال البهائم] اهـ.
وقال الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (1/ 161، ط. دار الكتبي): [وقولنا: "الخمر محرمة" تَجَوُّزٌ، فإنه جمادٌ لا يتعلَّق به خطابٌ، وإنما المحرَّمُ تناوُلُها] اهـ.
وقال الإمام السعد التفتازاني في "التلويح" (1/ 283، ط. مكتبة صبيح): [وذهب الإمام السرخسي وفخر الإسلام رحمهما الله، ومن تابعهما إلى أن الحكم يتعلق بالعين كما يتعلق بالفعل] اهـ.
ومعلومٌ أن المشتري فاعلٌ مختارٌ، وأن الإثمَ يقع على من اجترحه، ولا يتجاوزه إلى غيره، حيث قال تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].
بناءً على ما سبق: فإن صناعة ما يكون له استعمالان من السلع والأشياء أو بيعه أو إجارته جائزٌ شرعًا، ما لم تتعيَّن حرمته، أو ينص عليها، فالمُحَرَّم هو استخدام الشخص لهذه السلع وتلك الأشياء في محرمٍ وليس الشيء نفسه ما دام نافعًا غيرَ منهيٍ عنه في ذاته، فإذا استُعمِلَتْ في محرَّم فإثم الحُرمة إنما يلحق مستعملها وحدَه، وليس على الصانع ولا على البائع ولا على المؤجِّر من حرجٍ كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الشرع في قيام بعض الصيادلة بشراء وبيع الأدوية المهربة مجهولة المصدر غير المصرح بها من وزارة الصحة؟ علمًا بأن تناول مثل هذه الأدوية قد يترتّب عليه الإضرار بالمرضى؛ لعدم مطابقة هذه الأدوية للمواصفات.
أربعةُ إخوة يوجد فيهم شخص يقوم بأداء الأمور الخاصة بهذه الأسرة؛ وهي العمل في الحقل، ومراعاة الزراعة الموجودة في الأرض، حتى إنه في بعض الحالات يضطر إلى الغياب عن عمله، وقام بتزويج شقيقيه من خلال العمل في الحقل؛ لأنه توجد أرض منزرعة عنبًا، فيصل دخلهم السنوي من سبعة آلاف إلى عشرة آلاف سنويًّا، وحيث إن إخوته الثلاثة كلٌّ منهم يقوم بمصلحته الخاصة ولا يقومون بالعمل معه في الحقل وتوجد أرض أخرى منزرعة. فما الذي يستحقه الأخ الذي يعمل في الحقل؟ وإذا كان إخوته لا يقتنعون بهذا الحقِّ فهل يأخذه من الأرض؟
سائل يقول: ذكر لي أحد أصدقائي أن العُرف قد يدخل في ضبط بعض الأحكام الشرعية؛ فهل هذا الكلام صحيح في ميزان الشرع والعلم؟ أو أن الأدلة الشرعية هي الكتاب والسنة فقط.
ما موقف العلماء من زخرفة المسجد النبوي في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز؟ حيث توجد دعوى تقول: إن كثيرًا من أهل العلم سكتوا عن إنكار ما فعله سيدنا عمر بن العزيز بالمسجد النبوي من زخرفته وكتابة الآيات القرآنية عليه مخافة الفتنة.
ما معنى وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأمي؟ وكيف يكون ذلك معجزة في حق مقامه الشريف؟
ما حكم بيع بعض الممتلكات للزوجة بقصد حرمان الورثة؛ حيث يوجد رجلٌ له أربع بنات، باع لزوجته نصف منزله بقصد حرمان باقي الورثة من الميراث؛ فما حكم الشرع في ذلك؟