هل من حقِّ الزوج أن يمنع زوجته من زيارة أبويها وأخواتها ومحارمها؟
للزوجة أن تزور أبويها ومحارمها وأقاربها في حدود المعروف وبما لا يخلُّ بالواجبات والحقوق الزوجية، والأولى أن يُعينها الزوج على هذا البر لا أن يكون حائلًا بينها وبين فعله، مع الإقرار بحقِّه في تنظيم هذه الزيارات بما يتوافق مع مصالحهما جميعًا؛ إذ الحقوق الزوجية إنما شُرعت لتنظيم الحياة بين الزوجين على أساس من التراحم والتوادِّ، لا التعسُّفِ والعنادِ.
هذا، مع ما قد تقرر من أن الفضل والإحسان في العلاقة الزوجية هما المقدمان دومًا؛ خاصة في واقع الأُسرِ المصرية التي دَرَجت على التعاون والتكامل بين الزوجين، ولم نجد إثارة لمثل هذا الأمر الحقوقي إلا عند التنازع، وهذا مما يُحمد للواقع المصري الذي انغرست فيه القيم وصارت جزءًا أصيلًا من العلاقات الاجتماعية في إطار الحياة الزوجية المستقرة.
المحتويات
أقامت الشريعة الإسلامية الحياة الزوجية على أساسٍ من المودة والرحمة وحُسْن العِشرة؛ حيث قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]، ونظَّمت العلاقة بين الزوجين على هذا الأساس بجملة من الحقوق والواجبات المتبادلة بينهما، والتي بمراعاتها يحصل الاستقرار والاستمرار، وتدوم العِشْرَة وتستحكم الأُلفة.
أي: أنَّ العلاقة بين الزوجين لا بدَّ فيها من هذا الأساس، لا مجردَ حقوقٍ وواجبات متبادلة ومتناظرة كأيِّ علاقة أخرى نظَمَهَا الشرعُ بين طرفين؛ حيث قال الله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، أي: ولهنَّ مِن حُسْن الصُّحبة، والعِشْرة بالمعروف على أزواجهنَّ مثل الذي عليهنَّ لهم مِن الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها؛ كما ذكر الإمام الطبري في "جامع البيان" (4/ 119، ط. دار هجر)، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237]، أي: لا تنسوا الفضل الذي في ابتداء الأمر؛ لأنَّ أمرَ النكاح في الابتداء مبني على التشفع والإفضال؛ كما قال الإمام الماتريدي في "تأويلات أهل السُّنَّة" (2/ 208، ط. دار الكتب العلمية).
من جملة الحقوق المحفوفة بالفضل والمودَّة: زيارة المرأة لأبويها وإخوتها ومحارمها وأقاربها؛ فحقُّ الزوجِ على زوجته أن تستأذنه في تلك الزيارة، وحقُّ الزوجة على زوجها ألَّا يمنعها من ذلك.
ولقد جاءت السُّنَّة النبوية المطهرة بحثِّ النساء على أخذ الإذن مِن أزواجهن للخروج للشعائر والعبادات وحضور الصلاة في المسجد، وحثِّ الرجال على السماح لهنَّ بالخروج؛ فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» متفقٌ عليه.
وإذا كان ذلك مطلوبًا شرعيًّا فيما يتعلق بالمساجد والعبادات: ففي مطلوبيَّته فيما يتعلق بغيرهما أولى وآكد؛ ففي الحديث عن أُم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟" متفقٌ عليه.
قال الحافظ ولي الدين ابن العراقي في "طرح التثريب" (8/ 58، ط. دار الفكر العربي): [قولها: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟» فيه: أنَّ الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلَّا بإذن زوجها] اهـ.
وأورد المفسرون -منهم الإمام الواحدي والإمام الطبري- أنَّ أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها استأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة أبيها وفي يوم قِسمتها، فأذن لها.
وعن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجت سودة بنت زمعة ليلًا، فرآها عمر فعرفها، فقال: إنك والله يا سودة ما تخفين علينا، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرتْ ذلك له، وهو في حجرتي يتعشى، وإن في يده لعَرَقًا، فأنزل الله عليه، فرفع عنه وهو يقول: «قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ» أخرجه البخاري في "الصحيح".
قال العلامة ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (7/ 364، ط. مكتبة الرشد): [فى هذا الحديث: دليل على جواز خروج النساء لكلِّ ما أبيح لهنَّ الخروج فيه من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم والقرابات، وغير ذلك مما بهنَّ الحاجة إليه، وذلك في حكم خروجهنَّ إلى المساجد] اهـ.
وحينما خصَّ اللهُ تعالى الزوجَ بدرجةٍ تجعله قائمًا على أمر زوجته ومسؤولًا عنها؛ كما قال سبحانه: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228]، استوجب ذلك مزيدَ الحرص منه على نجاتها وسعادتها في الآخرة؛ بمعاونتها على أداء حقوق الله تعالى التي عليها وعدم قطع رحمها، ولا يخفى أن بر الزوجة وصِلتها بوالديها أو أحدهما هو أداء لحقوقٍ واجبة عليها أيضًا لا تقل أهمية عن حقوق الزوجية؛ فحقوق الأبوين من آكد الحقوق وأعظمها، وهي منظومة في سِلك حقوق الله تعالى؛ حيث يقول الله عزَّ وجلَّ في بيان الأحكام المتعلقة بحقوق الوالدين والأقاربِ ونحوِهم على إثرِ بيانِ الأحكامِ المتعلقةِ بحقوق الأزواج: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36].
مرد الأمر في تنظيم تلك الزيارة إنَّما يرجعُ إلى الاتفاق بين الطرفين، وإلى أعراف كلِّ بيئةٍ ومجتمعٍ وإلى المصلحة المُتَوَخَّاةِ فيها، متى أمنت المرأة على نفسها الخروج، ومتى أذِنَ له زوجها في ذلك (سواء كان بالإذن العام، أو بالإذن في كلِّ مرة)، حسب ما يتفق عليه الزوجان ويتراضيانه، خاصَّة وأنها مسألة تتعلق بالأحوال الشخصية، وأنَّ المطالبة بذلك إنما تكون عند التنازع وتعارض الحقوق والمصالح بين الزوجين، وهو على خلاف الأصل.
ومن مبادئ القضاء التي سارت عليها المحاكم المصرية في مسائل الأحوال الشخصية: أن العرف معتبر إذا عارض نصًّا منقولًا عن صاحب المذهب، وأن لكلِّ زمن أعرافَه وعاداته، وأن التخصيص بالعرف والعادة قولًا أو فعلًا حجة عند الحنفية، وأن العرف كما يختلف باختلاف الزمان والمكان فإنه يختلف أيضًا باختلاف الناس أنفسهم؛ كما في "مبادئ القضاء في الأحوال الشخصية" للمستشار أحمد نصر الجندي (ص: 867-868، ط. نادي القضاة).
ولا يخفى تغير كثير من الأعراف التي بُنِيَت عليها بعض هذه الأحكام؛ فواقع المرأة المعاصر يشهد أنها لم تَعُدْ مقصورة على بيتها، بل فرضت عليها طبيعةُ العصر أن تشارك الرجال في الخروج للتعلم والتعليم والعمل وتقلد الوظائف وقضاء المصالح، وصارت موجودةً في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، ولم يعد خروجها لزيارة أبويها أو محارمها بخصوصها مظنة فتنة بعد أن خرجت بالفعل لكلِّ مناحي الحياة، ومن ثَمَّ يدخل خروجها لزيارة أبويها ومحارمها في معنى الإذن العام لها بالخروج.
وهو ما استنبطه الإمام ابن عبد البر أن خروج المرأة لزيارة الأبوين والمحارم داخلة في الأذن لها لشهود الصلاة في المسجد؛ أخذًا من حديث بسر بن سعيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فَلَا تَمَسَّنَّ طِيبًا» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" -واللفظ له-، والنسائي في "السنن"؛ حيث قال في "الاستذكار" (2/ 466، ط. دار الكتب العلمية): [في هذا الحديث من الفقه: جواز خروج المرأة إلى المسجد لشهود الجماعة.. وفي معنى الإذن لها في شهود العشاء وغيرها دليلٌ على أن كلَّ مباحٍ وفضل حكمه بحكمه في ذلك، وفي خروجهم إليه مثل زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم من القرابات وما كان مثله؛ لأن الخروج إلى المسجد ليس بواجب على النساء؛ لأنه قد جاء أن صلاتهن في بيوتهن خيرٌ لهن فما ندبن إليه من صِلات الرحم أحرى بذلك وأولى] اهـ.
بناء على ذلك: فإن للزوجة أن تزور أبويها ومحارمها وأقاربها في حدود المعروف وبما لا يخلُّ بالواجبات والحقوق الزوجية، والأولى في ذلك أن يكون الزوج مُعينًا لها عليه لا أن يكون حائلًا دونه، مع الإقرار بحقِّه في تنظيم هذه الزيارات بما يتوافق مع مصالحهما مجتمعة؛ إذ الحقوق الزوجية إنما شُرعت لتنظيم الحياة بين الزوجين على أساس من التراحم والتشفُّعِ والتوادِّ، لا التعسُّفِ والتَّشَاحِّ والعنادِ.
هذا، مع ما قد تقرَّر من أنَّ الفضل والإحسان في العلاقة الزوجية هما المقدمان دومًا؛ خاصة في واقع الأُسرِ المصرية التي دَرَجت على التعاون والتكامل بين الزوجين، ولم نجد إثارة لهذا الأمر الحقوقي إلا عند التنازع، وهذا مما يُحمد للواقع المصري الذي انغرست فيه القيم وصارت جزءًا أصيلًا من العلاقات الاجتماعية في إطار الحياة الزوجية المستقرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائلة تقول: تزوَّجَت صديقتي منذ فترة ولم ترزق بأولاد، فكفلت هي وزوجها طفلًا، سنه الآن خمس سنوات، ثم حدث طلاق بينهما، وسؤالي لمن تكون حضانة الطفل المكفول؟ هل يكون معها؟ أم مع مطلقها؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا.
ما حكم التحرش الجنسي؛ فالمنظمة العربية للإصلاح الجنائي تلقَّتْ شكوى من مواطنة مصرية حول حصول واقعة تحرش دنيئة بها، وأنها تناشد لذلك دار الإفتاء بما لها مِن مكانة عظيمة لدى الشعب المصري العملَ على وقف هذه الظاهرة، وإصدار فتوى تخص تلك الجريمة وتأثيرها على المجتمع والعقاب في الدنيا والآخرة لِمَن يقوم بالإتيان بتلك الأفعال.
هل عندما أكون على ثقافة دينية أصبح مفتيًا في أمور بسيطة؟
هل يجوز للإنسان أن يتبرع ببعض خُصَل من شعر رأسه لمستشفى سرطان الأطفال؛ بغرض صنع باروكة يلبسها أولئك الأطفال، بعد أن تسبب العلاج الكيماوي في تساقط شعر رؤوسهم؛ من باب المساهمة في تخفيف الألم النفسي عليهم؟ مع العلم أن بعض الناس يقول: إن ذلك غير جائز؛ لأنه مِن وَصْل الشعر المُحَرَّم شرعًا الملعون فاعله، ولأن المشروع في الشعر المنفصل عن الإنسان أن يُدفن، واستعماله بعد انفصاله ينافي التكريم المطلوب لأجزاء الإنسان، وكذلك لا يجوز هبة ذلك الشعر؛ لأنه ليس مملوكًا لصاحبه، ويعترضون كذلك بأنه لو كان ذلك الشعر من امرأة فإنه سيحرم النظر إليه؛ لأنه من العورة.
ما حكم إجهاض الجنين بعد 120 يومًا لوجود خطر على حياة الأم؟ حيث إن زوجة ابني حامل في الشهر الخامس، وحالتها الصحية يُرثَى لها، وقد قرَّر الأطباء أن بقاء الحمل فيه خطر على حياتها.
ما حكم تحويل سقيا الماء المشترك؛ حيث سأل رجل فيما إذا كان لرجلٍ دارٌ جاريةٌ في ملكه لا ينازعه فيها أحد، وليس فيها شائبة وقف، يجري الماء من نهر عام في جدول خاص بتلك الدار إلى فسقية فيها، فيأخذ منه كفايته، وما فضل يجري إلى مسجد لصيق لها، يريد الرجل المذكور أن ينقل هذا الماء إلى محل آخر من داره ولو أكبر من الفسقية يكون أقرب إلى المسجد المذكور، فهل له ذلك؟ أفيدوا الجواب ولكم الثواب.