ما حكم الأضحية بالنسبة للمسافر عن بلده، وكذا الحاج؟ وهل هي مشروعة في حقهما؟
الأضحية مشروعة في حقِّ المسافر في مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة، ومشروعة للحاج عند الحنفيَّة والشافعيَّة وهو ظاهر قول ابن القاسم وقول لأشهب من المالكيَّة، والمشهور من مذهب المالكيَّة هو عدم مشروعيَّة الأضحية للحاج والمعتمر ومَن فاته الحج بعد إحرامه به إذا تحلل منه بفعل عمرةٍ قبل مضي أيام النحر، والأمر في ذلك واسع، فليفعل المكلف ما تيسر له.
المحتويات
الأضحية في اللغة: مشتقة من الضحوة، وتطلق على ما يذبح من الأضاحي؛ حيث سميت بأول زمان فعلها وهو الضحى، وتضم همزتها وتكسر، وفيها لغات أخرى. ينظر: "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" للفيومي (2/ 359، ط. المكتبة العلمية).
والأضحية في اصطلاح الفقهاء هي: اسم لما يذبح من النَّعم تقربًا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق. يُنظر: "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني (6/ 122، ط. دار الكتب العلمية).
والنَّعم هي: الإبل والبقر -وتشمل الجواميس- والغنم -وتشمل الضأن والماعز-، فلا تصح الأضحية إلَّا من هذه الأجناس الثلاثة؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34].
قد اختلف الفقهاء في حكم الأضحية، فذهب الجمهور إلى أنها سنة مؤكدة، وذهب الحنفيَّة إلى وجوبها على المقيم المستطيع، واستثنَى المالكيَّة الحاج والمعتمر ومَن فاته الحج بعد إحرامه به إذا تحلل منه بفعل عمرةٍ قبل مُضي أيام النحر، فقالوا بعدم مشروعيتها لهم، وهو المشهور في المذهب. يُنظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي" للمَرْغِينَانِي الحنفي (4/ 355، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"حاشية الباجوري الشافعي على ابن القاسم" (2/ 296، ط. عيسى الحلبي)، و"حاشية العدوي المالكي على كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني" (1/ 566، ط. دار الفكر)، و"الروض المربع بشرح زاد المستقنع" للبُهُوتِي الحنبلي (2/ 168، ط. الركائز).
ذهب الحنفية إلى أنَّ الأضحية لا تجب على المسافر والحاج؛ لمشقتها عليهما، وإذا وقعت منهما كانت تطوعًا، أمَّا أهل مكة فتجب عليهم الأضحية وإن تلبَّسوا بالحج.
قال العلَّامة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (12/ 18، ط. دار المعرفة): [قال: (والأضحية تجب على أهل السواد كما تجب على أهل الأمصار)؛ لأنهم مقيمون مياسير، وإنما لم تجب على المسافرين لما يلحقهم من المشقة في تحصيلها، وذلك غير موجود في حقِّ أهل القرى، وفي "الأصل" ذكر عن إبراهيم قال: هي واجبة على أهل الأمصار ما خلا الحاج، وأراد بأهل الأمصار المقيمين، وبالحاجِّ المسافرين، فأمَّا أهل مكة فعليهم الأضحية، وإن حجُّوا] اهـ.
وقال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (5/ 63، ط. دار الكتب العلمية): [(وأما) التطوع فأضحية المسافر والفقير الذي لم يوجد منه النذر بالتضحية ولا الشراء للأضحية؛ لانعدام سبب الوجوب وشرطه] اهـ.
وقال العلَّامة شهاب الدين النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (1/ 377، ط. دار الفكر): (قال خليل: سُنَّ لِحُرٍّ غير حاج بمنى ضحية لا تُجحِف، وإطلاق الحر يتناول الصغير والأنثى المقيم والمسافر، ولذا قال: وإن يتيمًا؛ لأن مالكًا -رضي الله تعالى عنه- لما سئل عن التضحية عن يتيم له ثلاثون دينارًا قال: يُضَحي عنه ورزقه على الله، وبقوله: "غير حاج" يعلم طلبها من غيره ولو مقيمًا بمنى؛ لأن سنة الحاج الهدي] اهـ.
وقال العلَّامة خليل المالكي في "التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب" (3/ 270، ط. مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث): [واحترز بـ (غير الحاج بمنى) من الحاج بمنى، فإن سُنَّته الهدي فقط، ولا تشرع له الأضحية على المشهور، وظاهر ما في "المبسوط" لابن القاسم وما لأشهب في غيره أن المشروعية باقية] اهـ.
وقال العلَّامة الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (3/ 33، ط. دار الفكر): [(ص) غير حاج بمنى. (ش) اعلم أن الضحية تسن في حقِّ غير الحاج بشرطه، ولا تسن في حقِّ الحاج، ويدخل في غير الحاج المعتمرُ، ومَن فاته الحج بعدما أحرم به، أي: إذا تحلل منه بفعل عمرة قبل مضي أيام النحر، فقوله: "بمنى" صفة لحر، أي: تُسَن لِحُرٍّ كائن بمنى حال كونه غير حاج ضحيةٌ لا تُجحِف، وإذا كان مَن بمنى غير حاج تسن في حقِّه؛ فأولى مَن ليس منها؛ لأن مَن بمنى قد يتوهم أنه ملحق بالحاج فلا تسن في حقِّه وإن كان غير حاج] اهـ.
وقال العلَّامة أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل لمختصر خليل" (4/ 363، ط. دار الكتب العلمية): [ابن يونس: إنما لم تكن على الحاج لأن ما ينحر بمنى إنما هو هدي؛ لأنه يوقف بعرفة، ولأن الحجاج لم يُخاطَبوا بصلاة العيد لأجل حجهم فكذلك في الأضحية (لا تُجحِف) ابن بشير: لا يؤمر بها من تُجحِف بماله] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 383، ط. دار الفكر): [(فرع) قال الشافعي رحمه الله في كتاب الضحايا من "البويطي": "الأضحية سنة على كلِّ مَن وجد السبيل من المسلمين من أهل المدائن والقرى وأهل السفر والحضر والحاج بمنى وغيرهم مَن كان معه هدي ومَن لم يكن معه هدي". هذا نصه بحروفه نقلته من نفس "البويطي"، وهذا هو الصواب: أن التضحية سنة للحاج بمنى كما هي سنة في حقِّ غيره] اهـ.
وقال العلَّامة أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي في "التذكرة في الفقه" (ص: 338، ط. دار إشبيليا): [اعلم أن الأضحية سنة وليست واجبة؛ لا على المقيم ولا المسافر] اهـ.
وقال العلَّامة أبو الخطاب الكلوذاني الحنبلي في "الهداية على مذهب الإمام أحمد" (ص: 204، ط. مؤسسة غراس): [قال أصحابنا: الأضحية سنة مؤكدة، وقد نص عليها أحمد -رحمه الله- في رواية حنبل وأبي داود، وعنه: أنها واجبة مع الغنى؛ لأنه قد نص عليه: أن للوصي أن يضحي عن اليتيم من ماله، فأجراها مجرى الزكاة وصدقة الفطر، ولو كانت تطوعًا لم يجز للوصي إخراجها كصدقة التطوع، وإذا ثبت وجوبها؛ فلا فرق بين الحاضر والمسافر والصغير والكبير من المسلمين] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنَّ الأضحية مشروعة في حقِّ المسافر في مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة، ومشروعة للحاج عند الحنفيَّة والشافعيَّة وهو ظاهر قول ابن القاسم وقول لأشهب من المالكيَّة، والمشهور من مذهب المالكيَّة هو عدم مشروعيَّة الأضحية للحاج والمعتمر ومَن فاته الحج بعد إحرامه به إذا تحلل منه بفعل عمرةٍ قبل مضي أيام النحر، والأمر في ذلك واسع، فليفعل المكلف ما تيسر له.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم نيابة المرأة في العمرة عن الرجل المريض؟ حيث إن هناك رجلًا عنده مالٌ يكفي للعُمرة، لكنه مريضٌ عاجزٌ، وليس لديه قدرةٌ بدنيَّة على تَحَمُّل السفر ومَشقَّته ومجهود الطواف والسعي، فهل يجوز له أن يَستنيبَ أختَه في العُمرة بدلًا عنه؟
ما حكم مَن سلك الطريق الأطول ليترخص برخص السفر؛ فهناك رجلٌ سافر لزيارة أقاربه، وبلدتهم لها طريقان، أحدهما طويلٌ يبلغ مسافة القصر، والآخر قصيرٌ لا يَبلُغها، فسَلَك الطريق الأطول مِن أَجْل أنْ يترخص برُخَصِ السَّفر ويَعمل بأحكامه مِن نحو قصر الصلاة والفطر في رمضان، لا مِن أَجْل غرضٍ آخَر، فهل له الترخُّصُ برُخَص السفر والعملُ بأحكامه في هذه الحالة؟
ما حكم من ذهب لأداء العمرة وترك الحلق أو التقصير وحلَّ من إحرامه، هل عليه شيء؟
سائل يقول: رزقني الله ثلاث بنات، ولم أقم بعمل العقيقة عنهن في وقت ميلادهن، فهل يجوز لي أن أقوم بعمل ذلك عنهن الآن؟
سئل بإفادة واردة من وزارة الداخلية؛ صورتها: نحيط علم فضيلتكم أنه لما قامت الحرب الأوروبية في العام الماضي صار السفر إلى الحجاز صعبًا وطريقه غير مأمون للأسباب الآتية:
أولًا: عدم توفر الأسباب لسفر البواخر المخصصة لنقل الحجاج المصريين في ذهابهم وإيابهم، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في تأخيرهم بالحجاز زمنًا ليس بالقليل، وفي ذلك مخاطرة على أنفسهم وعائلاتهم.
ثانيًا: صعوبة المواصلات الخاصة بنقل المواد الغذائية للأقطار الحجازية التي انبنى عليها عدم إرسال مرتبات الغلال التي كانت ترسلها الحكومة المصرية للحجاز سنويًّا، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في وجود خطر على الحُجاج أثناء وجودهم في الأراضي المقدسة.
ثالثًا: عدم تمكُّن الحكومة بسبب العسر المالي من اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الحجاج المصريين من الأخطار التي تهدد حياتهم سواء كان من اعتداء أعراب الحجاز عليهم، أو من تأخيرهم مدة طويلة بتلك الجهات.
رابعًا: عدم تمكن الحكومة بسبب العسر المالي أيضًا من اتخاذ الاحتياطات الصحية التي كانت تتخذها في كل سنة لوقاية القطر من الأوبئة والأمراض المعدية التي ربما تفد مع الحجاج.
لذلك قد أخذت الوزارة في ذلك الوقت رأي فضيلة المفتي السابق عما يراه موافقًا للشرع الشريف من جهة الترخيص للحجاج المصريين بالسفر إلى الحجاز، فرأى فضيلته أنه يجوز للحكومة والحالة هذه إعطاء النصائح الكافية للحجاج المصريين بتأجيل حجهم للعام المقبل مثلًا حتى تزول الأخطار ويتوفر أمن الطريق الذي لا بد منه في وجوب الحج. وحيث إن الأسباب التي انبنى عليها هذا الرأي ما زالت موجودة بل زادت خطورة بدخول تركيا في الحرب، وقد آن موسم الحج الذي فيه تصدر وزارة الداخلية منشورها السنوي الخاص بسفر الحجاج المصريين؛ لذلك رأينا لزوم الاستمداد برأي فضيلتكم فيما يوافق الشرع الشريف في هذا الشأن.
ما حكم التطوع بالطواف من غير الحاج والمعتمر؟ حيث إن هناك شخصًا قد دخل المسجد الحرام لصلاة فريضة الظهر، وكان الوقت قبل الصلاة كبيرًا، فأراد أن يتطوع بطواف البيت. فهل يجوز له ذلك مع كونه غير قاصدٍ لنسكٍ من حجٍ أو عمرة؟