ما حكم صلاة النافلة في غير الموضع الذي صُليت فيه الفريضة؟ وهل هذا الفعل من السُّنّة؟
يُسَنُّ للمصلي -إمامًا كان أو مأمومًا- أن ينتقل عن موضع أداء الفريضة ما أمكنه ذلك؛ ليميِّز بين صلاتي الفريضة والنافلة، وليحظى بشهادة مواضع السجود والعبادة المتعددة له، ويستحب له أيضًا أن ينتقل لكلِّ صلاةٍ يفتتحها من أفراد النوافل، فإن لم يفعل فليفصل بينها بكلامٍ لا إثم فيه ويستحب أن يكون ذكرًا لله تعالى.
المحتويات
من المقرر شرعًا أنَّ الصلوات المسنونة المؤكَّدة منها ما لا يتبع فرائض، ومنها ما يتبع، فالتابع للفرائض أو له وقتٌ معينٌ غير الفرائض تُسَمَّى رواتب، وقد سنَّ لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم سننًا راتبة قبل الفريضة وبعدها، وجعل ذلك سببًا لدخول الجنة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» رواه النسائي في "سننه" من حديث أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
كما أنَّ المداومة على النوافل تفضي إلى محبة الله تعالى للعبد وصيرورته من جملة أوليائه الذين يحبهم ويحبونه؛ فروى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الحديث القدسي: «إِنَّ اللهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
وسُنَّ لنا الفصل بين أداء الفريضة وصلاة النافلة بكلام؛ كذكر وقراءة شيء من القرآن، أو فعل كانتقال ونحوه، وكذلك في كلِّ صلاةٍ يفتتحها من أفراد النوافل؛ لذا ذهب العلماء إلى القول باستحباب الانتقال من موضعٍ إلى موضعٍ آخر؛ فصلًا بينها وبين النافلة، ولتكثير مواضع السجود والعبادة؛ فإنها تشهد للعبد يوم القيامة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 531، ط. دار الفكر): [(قوله يكره للإمام التنفل في مكانه): بل يتحول مخيرًا كما يأتي عن "المنية"، وكذا يكره مكثه قاعدًا في مكانه مستقبل القبلة في صلاة لا تطوع بعدها؛ كما في "شرح المنية" عن "الخلاصة"، والكراهة تنزيهية كما دلت عليه عبارة "الخانية". قوله: (لا للمؤتم) ومثله المنفرد، لما في "المنية وشرحها": أما المقتدي والمنفرد فإنهما إن لبثا أو قاما إلى التطوع في مكانهما الذي صليا فيه المكتوبة جاز، والأحسن أن يتطوعا في مكان آخر] اهـ.
وقال العلامة العدوي المالكي في "حاشيته على شرح العَلَّامة الخرشي لمختصر خليل" (2/ 30، ط. دار الفكر): [يندب للمأموم تنفله بغير موضع فريضته، وقال الحطاب: وعلى قياسه يندب تحويله إلى مكان آخر كلما صلى ركعتين، ويكره القيام للنافلة إثر سلام الإمام من غير فصلٍ أي: بالمعقبات وآية الكرسي] اهـ.
وقال العلامة الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 551-552، ط. دار الفكر): [(و) يسن أن (ينتقل للنفل) أو الفرض من (موضع فرضه) أو نفله إلى غيره تكثيرًا لمواضع السجود فإنها تشهد له، ولما فيه من إحياء البقاع بالعبادة، فإن لم ينتقل إلى موضع آخر فَصَلَ بكلام إنسان] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 405، ط. دار إحياء التراث العربي): [الأفضل أن يُصَلِّي السُّنَّة مكانه في المسجد، نصَّ عليه. وعنه: بل في بيته أفضل. والسُّنَّة أن يفصل بينها وبين الصلاة بكلام أو انتقال ونحوه] اهـ.
ويدل لما ذهب إليه الفقهاء من استحباب التطوع في غير موضعِ الفريضة: ما رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يُصَلِّى الإِمَامُ فِى مُقَامِهِ الَّذِى صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْهُ» رواه أبو داود، وابن ماجه -واللفظ له- في "السنن".
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إِذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ» يعني: السُّبْحَةَ. رواه ابن ماجه في "السنن".
والسُّبْحَةُ هي صلاة النافلة بعد الفريضة.
قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 235، ط. دار الحديث): [والحديثان يدلان على مشروعية انتقال المصلي عن مصلاه الذي صلَّى فيه لكلِّ صلاةٍ يفتتحها من أفراد النوافل، أمَّا الإمام فبنص الحديث الأول وبعموم الثاني، وأما المؤتم والمنفرد فبعموم الحديث الثاني وبالقياس على الإمام، والعلة في ذلك تكثير مواضع العبادة كما قال البخاري والبغوي؛ لأنَّ مواضع السجود تشهد له، كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ [الزلزلة: 4] أي تخبر بما عَمِل عليها، وورد في تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ [الدخان: 29] أنَّ المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، وهذه العلة تقتضي أيضًا أن ينتقل إلى الفرض من موضع نفله، وأن ينتقل لكلِّ صلاةٍ يفتتحها من أفراد النوافل، فإن لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام] اهـ.
بناء على ذلك: فإنه يُسَنُّ للمصلي -إمامًا كان أو مأمومًا- أن ينتقل عن موضع أداء الفريضة ما أمكنه ذلك؛ ليميز بين صلاتي الفريضة والنافلة، وليحظى بشهادة مواضع السجود والعبادة المتعددة له، ويستحب له أيضًا أن ينتقل لكلِّ صلاةٍ يفتتحها من أفراد النوافل، فإن لم يفعل فليفصل بينها بكلامٍ لا إثم فيه ويستحب أن يكون ذكرًا لله تعالى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم متابعة النفل بعد الفرض دون فصل بينهما بذكر أو كلام؟ فكنت أصلي المغرب في بيتي، وبمجرد أن أنهيت الفريضة سارعت إلى أداء النافلة الراتبة من دون فصل بشيء، فأخبرني أخي أنه قرأ في كتاب: أنه لا بد من الفصل بين الفرض والنفل بشيء، فلا تصح متابعة النفل بعد الفرض من دون فصل بكلام أو حركة أو جلسة، فما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل الفصل بين الفريضة والنافلة الراتبة واجبٌ؟
ما حكم القنوت في الفجر؟ حيث إن هناك خلافًا بين المصلين في مسجدنا في ذلك.
ما حكم الفتح على الإمام فى الصلاة؛ فأنا كنت أصلي بالناس إمامًا وبعد قراءة الفاتحة وأثناء قراءتي للسورة سقطت مني كلمةٌ سهوًا. فهل يجب على المأمومِ الفتحُ على الإمام، أو لا؟ وإذا كان يجب فمتى يكون الفتحُ وما كيفيَّتُه؟
ما حكم عمل سجادة للصلاة تقوم بِعَدِّ ركعات الصلاة أثناء الصلاة؛ وذلك لكبار السن وغيرهم ممَّن يكثر سهوُه ونسيانُه؟
هل يجوز وضع وقت محدد لكل صلاة بين الأذان والإقامة؛ كأن يجعل بين أذان وإقامة الفجر ثلاثون دقيقة، والظهر والعصر والعشاء عشرون دقيقة، والمغرب عشر دقائق؟
رجلٌ يصلي مع الجماعة في المسجد مأمومًا، ويسأل: ما حكم قراءته آيةً فيها سجدةٌ، وذلك في صلاته السرية خلف الإمام؟ وهل يلزمه بذلك سجود التلاوة؟