ما حكم الشرع في مقولة: "مال أبونا لا يذهب للغريب"؛ حيث توفي والدي وترك لنا ميراثًا، عبارة عن قطع من الأرض الزراعية ومبلغ من المال، وكلما طالبنا نحن البنات بحقنا في الميراث الذي هو في حوزة أخينا الأكبر، يتأخر في إعطائنا نصيبنا نحن البنات دون الرجال خصوصًا في الأراضي بحجة أن هذه الأرض ستصبح ملكًا للأغراب -يقصد بذلك زوجي- ويقول: "مال أبونا لا يذهب للغريب"، فما حكم الشرع في ذلك؟
مماطلة الأخ الأكبر في إعطاء البنات حقهن في إرث أبيهن وتأخره في تمكينهن من نصيبهن بلا عذر أو إذن: يُعدُّ أمرًا محرَّمًا، كما أنه لا يجوز لأحد الورثة أن يؤخر توزيع نصيب البنات من الميراث ولا ابتزازهن للتنازل عنه -سواء كان في الأراضي أم في الأموال التي تركها مورثهم المتوفى- بحجة أنها ستذهب للغريب، يقصد بذلك زوج البنت وأولادها، وهي مقولة باطلة مخالفة للشريعة الإسلامية.
المحتويات
الميراث في اللغة مأخوذ من الفعل وَرِثَ؛ وأصله كما جاء في "الصحاح؛ تاج اللغة"، للجوهري (1/ 295-296، ط. دار العلم للملايين).
والميراث كما يطلق على انتقال الأشياء المادية؛ كالأموال من قوم إلى آخرين يطلق أيضًا على انتقال الأمور المعنوية؛ كالأخلاق والمجد ونحو ذلك؛ كما جاء في "تاج العروس" (5/ 383، ط. دار الهداية).
واصطلاحًا: انتقال مال الغير إلى الغير على سبيل الخلافة. يُنظر "الفتاوى الهندية" (6/ 447، ط. دار الفكر).
الأصل المقرر شرعًا أن المال ينتقل بعد الموت من ملك المُوَرِّث إلى ملك ورثته الأحياء وقت وفاته؛ فعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاَثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ: يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ». أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
جاء في "الكاشف عن حقائق السنن" للإمام الطيبي (10/ 3280، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [وأما متابعة المال والعمل فعلى الاتساع؛ فإن المال حينئذٍ له نوع تعلق بالميت، من التجهيز والتكفين ومؤنة الغسل والحمل والدفن، فإذا دفن انقطع تعلقه بالكلية] اهـ.
بخصوص هذه المقولة التي يدعي فيها البعض أنَّ الأرض ستذهب إلى الأغراب -يقصدون بذلك أزواج بنات المتوفى- في حالة ما إذا تم تقسيم الميراث وأخذت البنات حظهنَّ منه: فهي مقولة غير صحيحة شرعًا، تؤدي إلى فعل محرم، ومردود عليها من وجوه، وبيان ذلك في الآتي:
أولًا: ما تركه الميت من أموال وأراضٍ وغيرها ينتقل ملكيته بعد وفاته إلى ورثته، وليس لأحد غريب عنه، فكل مَنْ يرث في التركة إنما هو صاحب حق أوجبه الله له، ولا يمنع بحال أن يأخذ نصيبه الواجب المفروض الذي استحقه بالشرع والقانون، ومنعُ البنات من نصيبهن خصوصًا في الأراضي أمر يخالف ما شرعه الله تعالى من وجوب إعطاء كل وارث حقه فيما تركه مورثه، فلا يفرق في ذلك بين كون الوارث ذكرًا كان أو أنثى، ولا بين كون الموروث -التركة- مالًا أو ضياعًا أو أرضًا أو نحو ذلك؛ حيث يقول سبحانه: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: 7].
يقول العلامة النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (1/ 333، ط. دار الكلم الطيب): [﴿مَفْرُوضًا﴾؛ مقطوعًا لا بد لهم من يحوزه] اهـ.
وقد أخرج الطبري -في سبب نزول الآية- في "جامع البيان في تأويل القرآن" (7/ 598، ط. مؤسسة الرسالة)، بسنده عن عكرمة قال: [نزلت في أم كحلة وابنة كَحْلة، وثعلبة وأوس بن سويد، وهم من الأنصار. كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها، فقالت: يا رسول الله، توفي زوجي وتركني وابنته، فلم نورَّث! فقال عم ولدها: يا رسول الله، لا تركب فرسًا، ولا تحمل كلًّا ولا تنكى عدوًّا، يكسب عليها ولا تكتسب! فنزلت] اهـ.
وبذلك: فحرمان أحد من الورثة من إرثه في مورثه أو التحايل له، أو فِعْلُ ما يتسبب فيه: أمرٌ محظورٌ شرعًا وقانونًا.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ فَرَّ مِنْ مِيرَاثِ وَارِثِهِ قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه الإمام ابن ماجه في "السنن".
وعن سليمان بن موسى -مرسلًا- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا فَرَضَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ قَطَعَ اللهُ بِهِ مِيرَاثًا مِنَ الْجَنَّةِ» أخرجه سعيد بن منصور في "السنن"، والبيهقي في "شعب الإيمان" موصولًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الإمام المناوي في "فيض القدير" (6/ 186، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [أفاد أن حرمان الوارث حرام؛ بل قضية هذا الوعيد أنه كبيرة، وبه صرح الذهبي وغيره] اهـ.
وقال في "التيسير" (2/ 433، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة) دعاء أو خبر أفاد أن حرمان الوارث حرام، وعدَّه بعضهم من الكبائر] اهـ.
منع أحدٍ من الميراث يخضع لأحكام المادة (49) من قانون المواريث رقم (219) لسنة 2017م، والتي تنص على: [إنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها في أيِّ قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كلُّ مَن امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، أو حجب سندًا يؤكد نصيبًا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أيٍّ من الورثة الشرعيين] اهـ.
كما نصَّت أحكام القضاء المصري صراحة على بطلان أيِّ تصرف يكون من شأنه التحايل بحرمان وارث من إرثه سواء كان ذكرًا أم أنثى، أو اعتبار غير الوارث وارثًا؛ أو التسبب في أي من ذلك؛ حيث جاء في أحكام محكمة النقض المصرية - في الطعن رقم (355) لسنة (29 ق)- جلسة 1964/4/9م، ما نصه : [التحايل الممنوع على أحكام الإرث -لتعلق الإرث بالنظام العام- هو ما كان متصلًا بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعًا؛ كاعتبار شخص وارثًا وهو في الحقيقة غير وارث، أو العكس، وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل في التركات المستقبلة؛ كإيجاد ورثة قبل وفاة المورث غير مَن لهم حقُّ الميراث شرعًا، أو الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية] اهـ.
ثانيًا: وصف زوج البنت بأنه غريب -أو من الأغراب- فيه نوع من إبداء العداء والبغضاء تجاهه، ممَّا يؤدي إلى حدوث قطيعة الرحم المأمور بصلتها شرعًا؛ حيث قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
يقول الإمام أبو القاسم النيسابوري في "إيجاز البيان عن معاني القرآن" (1/ 222، ط. دار الغرب الإسلامي): [﴿تَسَاءَلُونَ بِهِ﴾: تطلبون حقوقكم به، ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾؛ أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها] اهـ.
كما أن زوج البنت ليس غريبًا في ثقافتنا، بل يسمي صهرًا، من المصاهرة؛ أو نسيبًا، وهي نوع قرابة بسبب الزواج؛ يقول تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ [الفرقان: 54].
يقول الإمام ابن عطية في: "المحرر الوجيز" (4/ 214، ط. دار الكتب العلمية): [والنسب، والصهر: معنيان يعمان كل قربى تكون بين كل آدميين. فالنسب: هو أن يجتمع إنسان مع آخر في أب، أو في أم، قَرُبَ ذلك أو بَعُدَ. والصهر: تواشج المناكحة، فقرابة الزوجة هم الأخْتان، وقرابة الزوج ثم الأحماء، والأصهار يقع عامًّا لذلك كله] اهـ.
لذلك؛ فإنَّ التبرير والتعلل بمنع إعطاء البنت حقها في الميراث؛ بحجة أنها ستعطيها بعد ذلك لزوجها أو لأولادها من زوجها غير ذي القرابة؛ كما في الزعم الشائع: تبريرٌ مخالفٌ للسنة الإلهية، وما قرره الشرع الشريف من أحكام شرعية.
والصواب: أن لكل وارث أن يتصرف في نصيبه كيفما شاء بما يراه مصلحة، سواء انتفع به أو وهبه أو باعه أو أجَّرَه لغيره، ونحو ذلك من أوجه الانتفاع والتصرف المباح؛ فإن حدث مثلًا أنْ رأت الوارثة المصلحة في أن تهب نصيبها من الميراث -سواء أكان مالًا أو قطعة أرض- لزوجها أو لأولادها أو أيٍّ منهم أو غيرهم: فلا يحق لإخوتها أن يمنعوها من ذلك التصرف؛ بل الواجب عليهم أن يتعاملوا معها ومع أسرتها بالتراحم والإحسان والإكرام، وعدم التسخط ولا الاعتراض الذي يصل إلى حد الحرمان من نصيبها في الميراث.
ثالثًا: حذرنا المولى سبحانه وتعالى من التلاعب فيما شرعه من حدود وفرائض؛ نحو تعمد حرمان أو تأخير إعطاء أحد الورثة ما يستحقه من ميراث؛ فقال سبحانه: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [النساء: 13].
يقول الإمام البيضاوي -عند تفسيره لهذه الآية الكريمة- في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (2/ 64، ط. دار إحياء التراث العربي): [إشارة إلى الأحكام التي قدمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث، وحُدُودُ اللَّهِ: شرائعه التي هي كالحدود المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها] اهـ.
رابعًا: قد تقرر شرعًا أن للمرأة ذمة مالية مستقلة يجوز لها أنْ تتصرف في مالها؛ فلا تجبر على أي نوع من أنواع التصرف في مالها؛ فقد روي عن حِبَّان بن أبي جَبلة -مرسلًا- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"، فهذا الحديث يُقرِّر أصل إطلاق تصرف الإنسان في ماله؛ فلا يجوز أن يؤخر أحد الورثة توزيع الميراث على البنات.
بناء عليه وفي واقعة السؤال: فمماطلة الأخ الأكبر في إعطاء البنات حقهن في إرث أبيهن وتأخره في تمكينهن من نصيبهن بلا عذر أو إذن يُعدُّ أمرًا محرَّمًا، كما أنه لا يجوز لأحد الورثة أن يؤخر توزيع نصيب البنات من الميراث ولا ابتزازهن للتنازل عنه -سواء كان في الأراضي أو الأموال التي تركها مورثهم المتوفى - بحجة أنها ستذهب للغريب- يقصد بذلك زوج البنت وأولادها، وهي مقولة باطلة مخالفة للشريعة الإسلامية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم المنقولات التي اشتراها الزوج خارج قائمة المنقولات؛ فأخت السائل تزوجت رجلًا بمقتضى وثيقة زواج رسمية وعلى صداق جملته تسعون جنيهًا مصريًّا معجلة ومؤجلة، وأن هذا الصداق لم يدفع منه للزوجة المذكورة إلا عشرون جنيهًا فقط، والباقي وقدره سبعون جنيهًا باقية بذمة زوجها، وقد توفي زوجها، وقبل وفاته اشترى من ماله الخاص تليفزيون وثلاجة وصيني وسجاد وماكينة خياطة وبوتاجاز وسيارة خاصة به، كما ترك أموالًا بالبنك، وقد توفي هذا الزوج عن زوجته وعن أمه وعن والده، وعن إخوته الأشقاء: ثلاث ذكور وأنثى فقط.
وطلب السائل بيان هل يعتبر ما تركه المتوفى المذكور تركة يرثها جميع ورثته، أم أن بعض ما اشتراه قبل وفاته مثل السجاد والصيني والتليفزيون والثلاجة وماكينة الخياطة والبوتاجاز تعتبر ملكًا للزوجة باعتبار هذه الأشياء من متاع الزوجة؟ وما نصيب كل وارث؟
تُوفي رجل في 24/ 9/ 1949م وانحصر ميراثه الشرعي في زوجته وبنته ووالده ووالدته فقط من غير شريك، وإن والده أنكر نسب بنت ابنه في دعوى أمام محكمة مصر الشرعية، وبتاريخ 27/ 10/ 1953م قُضي برفض هذه الدعوى للأسباب الموضحة بالحكم المرفقة صورته، وبتاريخ 13/ 9/ 1953م تُوفي الوالد وانحصر ميراثه الشرعي في زوجته، وأولاده: ثلاثة ذكور وبنتين، كما ترك بنت ابنه المتوفى الأول، وإن ورثة المتوفى الثاني ينازعون في استحقاق بنت الابن المتوفى عنها أبوها نصيبَها بطريق الوصية الواجبة. فما الحكم الشرعي؟
توفِّيت امرأةٌ عن ورثتها الشرعيين، وهم: زوجها، وأختان شقيقتان، وأختان لأم، وخمسة إخوة لأب بنات، وأخ لأب فقط، فما نصيب كل منهم؟ ومن يرث، ومن لا يرث؟
توفي رجل عن: أم، وإخوة أشقاء: ذكر وأنثيين، وأخ لأب. ولم يترك المتوفى المذكور أي وارث آخر غير من ذكروا ولا فرع يستحق وصية واجبة. فما نصيب كل وارث؟
ما هي درجة قرابة الزوج والزوجة؟
تُوفِّيَ رجلٌ وترك زوجةً وأولادًا خمسة، منهم ذكرٌ غائبٌ قبل وفاة والده بخمسَ عشرةَ سنة، ولم يصدر حكمٌ بوفاته للآن، والمتوفَّى الأصلي ترك ما يورَّث عنه شرعًا. فما نصيب كل وارث من هؤلاء؟