 
                                سائل يسأل عن معنى إشارة الجارية إلى السماء وماذا يُستفاد منها وذلك عندما سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟»؟ وهل إقرار النبي لها يدلّ على إثبات المكان للخالق سبحانه وتعالى؟
غاية ما يفُهم من حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء هو إيمان الجارية لا مكان الله تعالى؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى لا يحويه مكان؛ لأن المكان مخلوق، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه، بل هو خالق كلِّ شيء، وهو المحيط بكل شيء.
الأصل الثابت المقرر في عقيدة المسلمين أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يحويه مكان ولا يحدّه زمان؛ لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه، بل هو خالق كلِّ شيء، وهو المحيط بكل شيء، وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين لا يُنكره منهم مُنكِرٌ، وقد عبَّر عن ذلك أهل العلم بقولهم: "كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان".
وأما حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبها: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه"، فليس فيه إثبات المكان لله، ولا يُظَنُّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلب من أحد أن يثبت لله مكانًا، فغاية ما يستدل به من هذا الحديث هو إيمان الجارية لا مكان الله تعالى.
والوارد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في اختبار إيمان الناس سؤالهم عن الإقرار بالشهادتين لا سؤالهم عن مكان الله عز وجل؛ ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ الله عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُولُ الله، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».
وإنما قَبِلَ صلى الله عليه وآله وسلم من الجارية هذا الجواب من باب مجاراة الناس ومخاطبتهم على قدر عقولهم وعلمهم؛ يقول ابن الحاج المالكي في "المدخل" (3/ 153-154، ط. دار التراث) ما مُحَصَّلُه: [قَنَعَ عليه الصلاة والسلام بجواب الجارية وأقر بإيمانها لما سألها: «أَيْنَ اللهُ؟» فقالت: في السماء؛ باعتبار أن ذلك إقرار بأن الله واحد موجود، وذلك ينفي ما كانوا يعتقدون من أن الأصنام هي الآلهة في الأرض، فإله السماء وإله الأرض هو الله الواحد الأحد الموجود، لا أنه سبحانه وتعالى حَلَّ في السماء تعالى الله عزَّ وجلَّ عن ذلك علوًّا كبيرًا؛ إذ إن السماء مخلوقة له، ولا يحلّ الصانع في صنعته] اهـ بتصرف.
فالعوام معذورون في اللفظ الموهم اعتدادًا بأصل اعتقادهم بالله سبحانه وتعالى وإن أوهم بعض إيهام في وصفه تعالى، ويؤيِّدُ ذلك ما تقرَّر من أن المراد بالعلو هنا مثل سائر النصوص الموهمة هو المعنوي لا الحسي؛ لأنَّ السماء قبلة الدعاء، وجهة العلو هي أشرف الجهات، لا أن الله جل وعلا محصور فيها، حاشاه سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا؛ لذلك قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح صحيح مسلم" وهو يتحدث عن مسلك التأويل (5/ 24، ط. دار إحياء التراث العربي): [كان المراد امتحانها، هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده، وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة؟ وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرًا في جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين، أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم؟ فلما قالت: في السماء، علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان. قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾ [الملك: 16] ونحوه ليست على ظاهرها، بل متأولة عند جميعهم] اهـ.
وما سبق في إيضاح رواية الإمام مسلم كان على سبيل الفهم والدراية، أما في خصوص الرواية؛ فقد وردت رواية أخرى لفظها مختلفٌ في "موطأ الإمام مالك" برواية يحيى بن يحيى الليثي، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَعْتِقْهَا».
فهذه الرواية ليس فيها ذكرٌ للمكان والجهة في حق الخالق سبحانه وتعالى، لكن وعلى كلِّ حالٍ: فلو قال مسلمٌ: الله في السماء فإنه يُحمل قولُه على معنى أن الله له صفة العلو المطلق في المكانة على خلقه؛ لأن الله تعالى منزه عن الحلول في الأماكن، فهو سبحانه بكل شيء محيط، ولا يحيط به شيء، والقول بأن الله تعالى في السماء معناه: علوه على خلقه لا أنه حال فيها حاشاه سبحانه وتعالى، أما من يعتقد أن الله تعالى في السماء بمعنى أنها تحيط به إحاطة الظرف بالمظروف فهذا أمر لا يجوز اعتقاده، ويجب تعليمه حينئذ الصواب من الخطأ في ذلك وكشف الشبهة العالقة بذهنه.
قال القاضي ابن العربي المالكي في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (ص: 965-967، ط. دار الغرب الإسلامي): [فلم يأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعتقها حتى اعتبر حالها بالإيمان.. وكذلك قال في حديث السوداء: «أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؟ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله؟ أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ؟» قالت: "نعم ذلك كله"؛ ليبين عليه السلام شرط الإيمان وحقيقة الإيمان.
فإن قيل: فهل يثبت الإيمان عندكم بهذه الصفات التي اعتبرَها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أم بغيرها؟
قلنا: يثبت الإيمان بما أثبته النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي: شهادة الحق (لا إله إلَّا الله، محمَّد رسول الله)؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما اختبر حال هؤلاء القوم المسؤولين في الإيمان بما علم من حال زمانهم وأغراضهم.. وأما هذه الجارية فعلم من حالها أنها كانت متعلقة بمعبودٍ في الأرض، فأراد أن يقطع علاقة قلبها بكل إلهٍ في الأرض، فإن قيل: فقد قال لها أينَ الله؟ وأنتم لا تقولون بالأيْنَيَة والمكان.
قلنا: أما المكان فلا نقول به، وأما السؤال عن الله بأينَ فنقول بها؛ لأنها سؤال عن المكان وعن المكانة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أطلقَ اللفظ وقصد به الواجب لله، وهو شرف المكانة الذي يسأل عنها بأين، ولم يجز أن يريد المكان؛ لأنه محالٌ عليه، وأما قوله للجارية الثانية: "أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟" فعلِمَ أيضًا من حالِها ما دعاهُ إلى أن يسألها هل تعتقد الدار الآخرة، وتوقن أنها المقصودة وأن هذه الدار الدنيا قنطرة إليها؟ فإن مَنْ علمَ ذلك وبنى عليه صح اعتقاده وسلَمَ عمله] اهـ.
وهذه الإطلاقات الواردة في الشرع الشريف قال فيها السلف الصالح: "أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف"، وقالوا: "تفسيرها قراءتُها". يُنظر: "تفسير السراج المنير" للعلامة الخطيب الشربيني (4/ 42، ط. بولاق بالقاهرة)، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: [آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله] اهـ. يُنظر: "لمعة الاعتقاد" للإمام موفق الدين بن قدامة الحنبلي (ص: 7، ط. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد-السعودية).
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن غاية ما يفُهم من حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء هو إيمان الجارية لا مكان الله تعالى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم عطاء الوالد لبعض أولاده حال حياته؟ فنحن ثلاث أخوات شقيقات، ولنا أختان من أبينا، وكان والدنا رحمه الله تعالى قد كتب لي ولشقيقَتَيَّ أرضًا زراعية مساحتها 11 فدانًا بيعًا وشراء، وترك ستة أفدنة أخرى لم يكتبها باسم أحد، تم تقسيمها على ورثته بعد وفاته، وكذلك قد خصني أنا وشقيقَتَيَّ -دون الأختين الأخريين- بمبلغ ألف جنيه في دفتر توفير لكل واحدة منا، مع العلم أننا ساعتها كنا صغيرات، وكانت أختانا لأبينا متزوجتين.
والسؤال هنا: هل من حق الإنسان أن يتصرف حال حياته كيفما يشاء في ماله؟ مع العلم أنني قد سمعت عدة آراء فقهية مختلفة في هذه المسألة؛ بعضها يحرم ما فعله الوالد ويلزمنا بِرَدِّ الحقوق، وبعضها يحرم ما فعله الوالد ويجعل رد الحقوق تطوعيًّا منا، وبعضها يجيز ما فعله الوالد ولا يلزمنا بشيء، فما مدى صحة هذه الآراء؟ وهل يجوز لي تقليد أيٍّ منها؟ وهل معنى حديث: «استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك، والبر ما اطمأن إليه القلب والإثم ما حاك بالصدر» أن الإنسان إذا سمع عددًا من الآراء فإن الرأي الذي يطمئن إليه قلبه وعقله يكون هو الصحيح شرعًا؟ وما حكم العمل بالأحوط هنا؟ حيث إنني قد احتطت ورددت بعض الحقوق لأصحابها، وطلبت منهم المسامحة في الباقي فسامحوا.
ما المقصود بمعراج النبي ﷺ إلى السماء؛ فبعض الناس يحاول إثبات المكان لله تعالى، وأنه في جهة الفوق، ويستدلون على ذلك بمعراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء، وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في الكتاب والسنة والتي نصت على العروج، مُتَّبعين في ذلك ما أفتى به ابن تيمية أن حملة العرش أقرب إلى الله تعالى ممن دونهم، وأن ملائكة السماء العليا أقرب إلى الله من ملائكة السماء الثانية، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما عُرج به صار يزداد قربًا إلى ربه بعروجه وصعوده، وكان عروجه إلى الله لا إلى مجرد خلق من خلقه، وغير ذلك مما يُحدث الفتن والزعزعة والاختلاف بين الناس، فكيف نرد عليهم؟
هل يمكن رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة؟
ما حكم التشاؤم أو التفاؤل ببعض الأرقام أو ببعض الأيام التي يتَوقَّع معها الشخص حصول شيءٍ من خير أو شر؟
يقول السائل: نسمع عن مفهوم (الوحدة الوطنية) وأهميتها في المجتمع؛ فنرجو منكم توضيح كيف نظر الشرع إلى هذا المفهوم؟ وهل يوجد في الشرع الشريف ما يدعو إلى ذلك؟