هل يجوز صيام الكفارة شهرين قمريين أحدهما غير كامل

تاريخ الفتوى: 05 ديسمبر 2022 م
رقم الفتوى: 7223
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصوم
هل يجوز صيام الكفارة شهرين قمريين أحدهما غير كامل

يقول السائل: وجب عليَّ كفارة صيام شهرين متتابعين، فشرعتُ في صيامها من بداية شهر الله المحرم، واستمررت في الصيام في شهر صفر حتى أوشكتُ على الانتهاء من الشهرين، ثم وجدتُ أن مجموع الشهرين 59 يومًا؛ لأن أحد الشهرين كان 29 يومًا، ولا أدري هل عليَّ صيام يوم آخر بعد الشهرين لكي أتم 60 يومًا؟ 

مَن وجب عليه كفارة صيام شهرين متتابعين؛ يجوز له أن يبتدئ صيام كفارته من أول الشهر الهلالي وفي أثنائه بالإجماع، فإن بدأ صومه من أول الشهر كما هي حال السائل، واستمر في صومه حتى استوفى شهرين قمريَّين كاملين؛ أجزأه ذلك بالإجماع، سواء كان الشهران كاملين أو ناقصَيْن.

المحتويات

مفهوم الشهر في الشرع

من المقرَّر شرعًا أن المواقيت الزمانية المعتبرة لأداء العبادات في الإسلام هي الشهور الهجرية، فإن أُطلق الشهر في نصوص الشرع فإنه يُحمل على الشهر الهلالي، ما لم يُخَصّ بقرينة؛ كما في "المعونة على مذهب عالم المدينة" للقاضي عبد الوهاب (ص: 917، ط. المكتبة التجارية)، و"الحاوي الكبير" للإمام الماوردي (10/ 503، ط. دار الكتب العلمية)، و"المهذب" للإمام الشيرازي (2/ 77، ط. دار الكتب العلمية).

ولذلك خصَّ الشرع بعض الشهور والأيام بأداء بعض العبادات والفرائض فيها؛ كأشهر الحج، وصوم رمضان، وأيام العيدين ونحوها، فلا يصحّ أداء هذه العبادات إلا في هذه الشهور وتلك الأيام المخصوصة، وتُحسَب بدايتها ونهايتها بالأهلة؛ أي عند رؤية الهلال الذي يُعرف به مولد شهر جديد ونهاية شهر مضى أو في أثنائه؛ قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].

قال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (25/ 133-134، ط. مجمع الملك فهد): [وهذا عَامٌّ في جميع أمورهم، وَخَصَّ الحج بالذكر تمييزًا له.. فجعل الله الأهلة مواقيت للناس في الأحكام الثابتة بالشرع ابتداءً، أو سببًا من العبادة، وللأحكام التي تثبت بشروط العبد، فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط فالهلال ميقات له، وهذا يدخل فيه الصيام والحج ومدة الإيلاء والعدة وصوم الكفارة، وهذه الخمسة في القرآن؛ قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]، وقال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ [البقرة: 226]، وقال تعالى: ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: 92]، وكذلك قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: 2]، وكذلك صوم النذر وغيره] اهـ.

وقال تقي الدين السبكي في "فتاويه" (1/ 207، ط. دار المعارف): [المواقيت التي تحتاج إلى الهلال: ميقات صلاة العيد والزكاة وصدقة الفطر، وصيام رمضان والفطر منه، وصيام الأيام البيض، وعاشوراء، وكراهية الصوم بعد نصف شعبان، وصيام ست من شوال.. وكفارة الوقاع والظهار والقتل بالصوم، والعدة في المتوفى عنها وفي الآيسة] اهـ.

أنواع الشهور الهلالية من حيث العدد

هذه الشهور الهلالية منها ما هو تام العدد، ومنها ما هو ناقص، فإن كان تامًّا: كان عدد أيامه ثلاثين يومًا، وإن كان ناقصًا: كان عدد أيامه تسعةً وعشرين يومًا؛ وهو ما أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي: ثَلاَثِينَ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ، يَقُولُ مَرَّةً ثَلاَثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ"، فأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك جائزٌ في كل شهر من الشهور؛ إذ لم يخصّ بذلك شهرًا من سائر الشهور"؛ كما قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (4/ 29، ط. مكتبة الرشد).

قال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (10/ 503): [شهور الأهلة قد تكمل تارةً فتكون ثلاثين يومًا، وتنقص أخرى فتكون تسعة وعشرين يومًا، وحكم الشهر ينطلق على كلِّ واحدٍ منهما مع زيادته ونقصه] اهـ.

كيفية أداء الكفارة بصيام شهرين متتابعين

إن شَرَعَ مَن وجب عليه صيام كفارة التتابع مِن بداية الشهر الهلالي أو أثنائه جاز ذلك بإجماع العلماء؛ قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 37، ط. مكتبة القاهرة): [يجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر، ومن أثنائه، لا نعلم في هذا خلافًا؛ لأن الشهر اسمٌ لما بين الهلالين ولثلاثين يومًا؛ فأيهما صام فقد أدَّى الواجب] اهـ.

وأجمع العلماء أيضًا على أنَّ مَن صام شهرين متتابعين بالأهلة دون العدد: أجزأه ذلك ولو كان الشهر ناقصًا؛ أي: وإن لم يكن مجموع الشهرين ستين يومًا.

قال الإمام ابن المنذر في "الإشراف" (5/ 308، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه مِن أهل العلم على أنَّ مَن صام بالأهلة: يجزيه صيام شهرين متتابعين؛ كَانَا ثمانيةً وخمسين، أو تسعةً وخمسين يومًا؛ هذا قول الثوري، وأهل العراق، وبه قال مالك وأهل الحجاز، وكذلك قال الشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 37): [إنْ بَدَأَ مِن أول شهرٍ فصام شهرين بالأهلة: أجزأه ذلك؛ تامَّيْن كَانَا أو ناقصَين، إجماعًا، وبهذا قال الثوري، وأهل العراق، ومالك في أهل الحجاز، والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، وغيرهم] اهـ.

وهو المنصوص عليه عند أئمة المذاهب المعتبرة؛ كما في "رد المحتار على الدر المختار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (3/ 476، ط. دار الفكر)، و"شرح مختصر خليل" للعلامة الخرشي المالكي (4/ 116، ط. دار الفكر)، و"الأم" للإمام الشافعي (5/ 301، ط. دار المعرفة)، و"كشاف القناع" للعلامة البهوتي الحنبلي (5/ 385، ط. دار الكتب العلمية).

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ مَن وجب عليه كفارةٌ صيام شهرين متتابعين؛ يجوز له أن يبتدئ صيام كفارته من أول الشهر الهلالي وفي أثنائه بالإجماع، فإن بدأ صومه من أول الشهر كما هي حال السائل، واستمر في صومه حتى استوفى شهرين قمريَّين كاملين؛ أجزأه ذلك بالإجماع، سواء أكان الشهران تامَّيْن أو ناقصَيْن.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم قطع التتابع في صيام كفارة القتل الخطأ بسبب صيام شهر رمضان والعيد؟ حيث إن هناك رجلًا وجبت عليه كفارة صيام شهرين متتابعين بسبب القتل الخطأ، فصام شهر شعبان، ومِن بعده رمضان وشوال، ولم يفطر سوى يوم عيد الفطر، فهل يُعدُّ صيام رمضان وفطر يوم العيد قاطعًا لتتابع صيام كفارته؛ بحيث يجب عليه إعادة صيام الشهرين المتتابعين من جديد؟ علمًا بأنه قضى يوم العيد الذي أفطره في الأول من ذي القعدة.


هل يَفسد صوم من نام أغلب النهار في رمضان؟ لأن رجلًا اقتضت طبيعة عمله في أحد أيام شهر رمضان المبارك أن يعمل من بعد صلاة العشاء إلى وقت الفجر، فنوى الصوم، ولشدة تعبه نام من بعد صلاة الفجر إلى قُرب أذان المغرب، فصلى الظهر والعصر قبل غروب الشمس، ثم أفطر حين غربت الشمس، ويسأل: هل يؤثر نومُه هذا في صحة صيامه شرعًا؟


ما مدى جواز العمل بالأحاديث الواردة في صيام شهر رجب؟ حيث يقول بعض الناس إن الفقهاء الذين استحبوا الصيام في شهر رجب قد جانبهم الصواب، وإنهم استندوا في قولهم هذا على أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنهم فقهاء الشافعية، فهل هذا صحيح؟


ما معنى الإيمان والاحتساب في الحديث الشريف الوارد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»؟


ما حكم صيام مرضى السكر؛ حيث تم إعداد برنامج جديد بالنسبة لتقييم حالة مرضى السكر، يحتوي على كل العوامل المسببة للخطورة، وإعطائها نقاطًا مختلفة حسب أهميتها، بشكل متناسب مع وضع كل مريض، ويقوم الأطباء بمراجعة حالة المريض بالتفصيل، وتضاف النقاط حسب المعلومات (عوامل الخطورة تتحدد بناءً على مدة المرض، ونوعه، ونوع العلاج، والمضاعفات الحادة من الحمض الكيتوني وارتفاع السكر الشديد مع الجفاف، والمضاعفات المزمنة، وهبوط السكر، وخبرة الصوم السابقة، والصحة الذهنية والبدنية، وفحص السكر الذاتي، ومعدل السكر التراكمي، وساعات الصيام، والعمل اليومي والجهد البدني، ووجود الحمل).
ويتم بعدها جمع النقاط لكل مريض لتحديد مستوى الخطورة في حال قرر صيام رمضان كما يلي: من 0: 3= خطورة خفيفة، ومن 3.5: 6= خطورة متوسطة، وأكبر من 6= خطورة مرتفعة.
نصائح وإرشادات:
أولًا: يجب تقديم النصائح الطبية لكل المرضى مهما كان مستوى الخطورة عندهم، وتعديل العلاج الدوائي بما يناسب كلِّ حالةٍ.
ثانيًا: يجب تقديم النصائح والمتابعة الدقيقة لكل المرضى، حتى في حال الإصرار على الصيام ضد نصيحة الطبيب.
ثالثًا: يُنصح المرضى الذين يقدر وضعهم على أنه مرتفع الخطورة بعدم الصيام مع توضيح احتمالات الضرر عليهم.
رابعًا: في حال المرضى متوسطي مستوى الخطورة، يتم التشاور بين الطبيب والمريض ومراجعة الوضع الصحي وخبرات المريض السابقة وأدويته، ويجب توضيح احتمال الخطورة المرافق، بشكل عام يسمح للمريض بالصيام مع الانتباه لضرورة المراقبة المستمرة لمستوى السكر في الدم حسب تعليمات الطبيب، وفي حال خوف المريض الشديد، دون وجود سبب طبي مقنع يتم اللجوء إلى الاستشارة الدينية.
خامسًا: في حال مستوى الخطورة المنخفض، يشجع المرضى على الصيام، مع ضرورة المراقبة الطبية الموصوفة.
سادسًا: يجب على كل المرضى الذين قرروا الصيام بنصيحة طبية أو حتى ضد النصيحة الطبية معرفة ضرورة التوقف عن الصيام في الحالات التالية:
حدوث ارتفاع السكر إلى أكثر من ٣٠٠ مع/ دل.
انخفاض السكر أقل من ٧٠ مع/ دل.
وجود أعراض الانخفاض أو الارتفاع الشديدة.
وجود أمراض حادة تسبب حدوث الحرارة أو الإسهال أو التعب أو الإرهاق العام.
الخلاصة: يجب على الأطباء مراجعة كل عوامل الخطورة المذكورة عند مرضاهم للوصول إلى تحديد مستوى الخطورة الصحيح، وستساعد هذه الوسيلة في تقييم خطورة الصيام عند المرضى في الوصول إلى تقييمات حقيقية للمرضى، حتى وإن اختلف الأطباء واختصاصاتهم، وستساعد الأطباء الأقل خبرة في الوصول إلى تقييم أقرب إلى الدقة؛ فنرجو من فضيلتكم بيان الرأي الشرعي في هذا الأمر.


ما حكم إفطار مرضى الشيخوخة وأصحاب الأمراض المزمنة في ظروف الوباء؟ أو ما موقف مرضى الشيخوخة وأصحاب الأمراض المزمنة (السكر، والقلب، والضغط، والربو) من الصيام؟ هل يترخَّص لهم الفطر في هذه الظروف الوبيئة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 20 يوليو 2025 م
الفجر
4 :25
الشروق
6 :7
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 56
العشاء
9 :25