بعض الناس يقوم بالإنكار على قول صاحب البردة:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضَرُورَةُ مَن ... لولاه لم تُخْرَج الدنيا من العَدَم
وقد وصلت المبالغة إلى التعريض بكفر قائله ومن يُردده؛ فما البيان الشرعي في ذلك؟ وكيف نرد على هؤلاء؟
انتشر في الآونة الأخيرة القول بأن قصيدة "البردة" للإمام البوصيري فيها أمور شركية تخل بالعقيدة، وهذا في حد ذاته خللٌ في العقيدة؛ لأن فيه سلوكًا لمنهج الخوارج الذي يقوم على أساس حمل الآيات التي نزلت في المشركين على المسلمين، وقد وضَّح ابن عمر رضي الله عنهما أن هذا هو مدخل ضلالتهم فقال: "إِنَّهُم انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ" علقه البخاري في "صحيحه" ووصله ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" بسند صحيح، كما أن فيه خللًا في المنهج وفقدانًا للمعايير الإسلامية الصحيحة؛ حيث خلط أصحابه بين دائرة الشرك ودائرة الوسيلة، فحبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدحُه والتوسلُ به مِن الوسائل الشرعية التي تَعَبَّدَ اللهُ تعالى بها عبادَه المسلمين بنص الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة، فنَقْلُها إلى دائرة الشرك دليلٌ على افتقاد المعيار السليم الذي يُفرَقُ به بين الإيمان والكفر، وقد أنكر الله تعالى على أصحاب هذا المسلك الفاسد بقوله سبحانه: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36].
ومن الأبيات التي يدعي فيها هؤلاء الجهلة أنها مخالفة للشريعة أو أنها شرك قول الإمام البوصيري:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضَرُورَةُ مَن ... لولاه لم تُخْرَج الدنيا من العَدَم
وهذا المعنى قد ورد فيه جملة أحاديث، منها: ما رواه الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللهُ: يَا آدَمُ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وحسنه الإمام التقي السبكي في "شفاء السقام".
وروى الدَّيْلَمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتانِي جبريلُ فقال: قال الله: يا مُحَمَّدُ، لَولَاكَ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ، وَلَولَاكَ مَا خَلَقْتُ النَّارَ».
ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه بلفظ: «ولقد خَلَقْتُ الدُّنيَا وأهْلَهَا؛ لأعَرِّفَهُمْ كَرَامَتَكَ وَمَنْزِلَتِكَ عِنْدِي، وَلَوْلَاكَ يَا مُحَمَّدُ مَا خَلَقْتُ الدُّنْيَا».
وروى الحاكم في "المستدرك" وأبو الشيخ في "طبقات الأصفهانيين" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما موقوفًا عليه: "أوحَى اللهُ إلَى عِيسَى عليه السلام: يَا عِيسَى، آمِنْ بِمُحَمَّدٍ، وأْمُرْ مَن أَدْرَكَهُ مِن أُمَّتِكَ أَن يُؤْمِنُوا بِهِ؛ فَلَولَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقتُ آدَمَ، وَلَولَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ وَلَا النَّارَ، وَلَقَدْ خَلَقتُ العَرشَ عَلَى المَاءِ فاضْطَربَ فَكَتَبْتُ عَلَيهِ: لَا إِلَهَ إلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَسَكَنَ". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وهذه الأحاديث والآثار وإن كان فيها أو في بعضها ضعف إلا أن معناها صحيح، فمعنى القول بأنه لولا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما خلق اللهُ الخلقَ هو أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، فتحقيق العبادة: هي حكمة الخلق، والعبادة لا تتحقق إلا بالعابدين، فالعبادة: عَرَضٌ قائم بالعابد نفسه، وأفضل العابدين: هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عنوان العبادة، وعنوان التوحيد، كما أن الآية تتكلم عن الجن والإنس ولا تتكلم عن الخلق أجمعين.
أما باقي ما في السماوات والأرض فهو مخلوق لخدمة الإنسان، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]، وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو عنوان الإنسانية، بل هو الإنسان الكامل.
وقد نصَّ على صحة هذه المقولة كثير من العلماء؛ كالعلامة مُلا علي القاري، والعَجْلُوني وغيرهما من الأئمة، وممَّن ذكر أنها مقبولة إذا فُسِّرَتْ بهذه المعاني الصحيحة في الكتاب والسنة الشيخُ ابن تيمية الحنبلي رحمه الله؛ حيث يقول في "مجموع الفتاوى" (11/ 96-98، ط. مجمع الملك فهد): [وقد ظهر فضلُ نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم على الملائكة ليلةَ المعراج لَمَّا صار بمستوى يسمع فيه صريف الأقلام، وعلا على مقامات الملائكة. ومحمد سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه؛ ومن هنا قال مَن قال: إن الله خلق من أجله العالَم أو: إنه لولا هو لَمَا خَلق الله عرشًا ولا كرسيًّا ولا سماءً ولا أرضًا ولا شمسًا ولا قمرًا.
ويمكن أن يفسر بوجه صحيح، فإذا كان الإنسانُ هو خاتمَ المخلوقات وآخرَها، وهو الجامع لِمَا فيها، وفاضلُه هو فاضل المخلوقات مطلقًا، ومحمدٌ إنسانُ هذا العين، وقُطبُ هذه الرَّحَى، وأقسام هذا الجمع كان كأنها غاية الغايات في المخلوقات، فما يُنكَر أن يُقال: إنه لأجله خُلِقَتْ جَميعُها، وإنه لولاه لَمَا خُلِقَتْ، فإذا فُسِّر هذا الكلامُ ونحوُه بما يدل عليه الكتابُ والسنةُ قُبِلَ ذلك] اهـ.
ومما ذكر يُعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل من باب اللياقة والذوق والأدب أن يقف الإنسان في حضرة الإله سبحانه وتعالى لابسًا حذاءه وقت الصلاة، بينما الولد يخفي سيجارته من أبيه عند حضوره؟ أرجو من فضيلتكم إفادتي عن هذا السؤال بالأدلة من السنة الشريفة، ولفضيلتكم وافر شكري سلفًا.
ما حكم تشاؤم أهل الزوج من زوجة ابنهم؟ فابنتي تزوجت من زميل لها في العمل، ومنذ أن تزوجت منه وأهل زوجها يعتبرون أن قدمها سيئة عليهم بسبب ما أصابهم من نكبات وأمراض وخسائر وحوادث بعد زواجها منه، مع العلم بأن كثيرًا مما جرى لهم بعد زواجها منه كان يحصل لهم ما يشابهه قبل زواجها، ولكنهم مصرُّون على أن "وشها وحش عليهم"، حتى إن ابنته أصابها الضرر الشديد المعنوي والنفسي والمادي من جراء ترويج هذه المزاعم على سمعتها وكرامتها ونفسيتها. ويطلب حكم الشرع وإبداء النصح فيما يقولونه.
ما حكم إطعام غير المسلم من لحم الأضحية؟ حيث اعتاد والدي كل عام في عيد الأضحى أن يهدي جارنا غير المسلم شيئًا من لحم الأضحية، وظل على ذلك إلى وقتنا الحالي، ثم اعترض عليه بعض الناس بعدم جواز إطعام غير المسلمين من الأضحية. فما حكم الشرع في هذه المسألة؟
ما مدى اشتراط إعلام الشخص الذي وقعت عليه الغيبة عند التوبة منها؟ حيث إن هناك من يغتاب الناس، ثم يندم ويتوب إلى الله، ويسأل هل من شروط التوبة أن يتحلل ممن اغتابه، ويُعلمه ويطلب منه المسامحة؟
سائل يقول: أصبحنا نرى بعضًا من أبناء الوطن يُحقِّرون من ضرورة المحافظة على الإنسان، ولا تعنيهم سلامة الأوطان؛ فما البيان الشرعي في ذلك؟
نرجو من فضيلتكم توضيح خطورة عقوق الوالدين، وبيان عاقبة ذلك في الدنيا والآخرة.