ما حكم اختراع آلات تساعد على الانتحار؟ حيث يقول السائل: سمعنا في وسائل الإعلام المختلفة عن اختراع آلة تُسمَّى«Sarco» تساعد -كما يقول مخترعها- على سَلْب حياة الأشخاص الذين يريدون إنهاء حياتهم بدون ألمٍ، وفي غضون دقائق.
فما الحكم الشرعي لمثل هذه الابتكارات العلمية؟ وهل يجوز إقدام الإنسان على استعمال مثل هذه الابتكارات؟
اختراع مثل تلك الأدوات واستخدامها والمتاجرة فيها والترويج لأجل الانتحار عن طريقها: أمرٌ محرمٌ شرعًا، بل هو من جملة الكبائر؛ لأنَّ فيه إعانة على قتل النفس التي حرَّم الله إلَّا بالحق.
والأولى بمخترع مثل تلك الأداة أن يُسخِّر علمه في اختراع ما ينفع الناس، وكذلك الأولى بمَن يستخدم تلك الأداة في إزهاق روح نفسه أن يلتمس الباعث على الانتحار، وأن يلتمس الوسائل والطرق الحديثة التي تعينه على دفع تلك الأسباب التي تحمله على الإقدام على مثل هذه الجريمة النكراء.
المحتويات
آلة «Sarco»: عبارة عن حجرة تشبه التابوت يدخلها مَن يريد إزهاق روح نفسه، وفور الضغط على زِرٍّ مُعيَّن بها تمتلئ الحجرة بغاز النيتروجين والذي يعمل بسرعة على خفض معدلات الأكسجين، ليفقد الشخص الذي بداخلها وعيه خلال دقيقة إلى أن يموت، ولن يَشْعُر بالاختناق أو الألم، لكنه سيفقد حياته جرَّاء الحرمان من الأكسجين بعد الإغماء.
مترجم بتصرف من مقال بجريدة: "Washingtonpost"، بتاريخ 9 ديسمبر 2021م.
الإسلام حثَّ على طلب العلم ورغَّب فيه وأعلى شأن طالبيه؛ فقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11]، وهذا الشرف حاصلٌ لمَنْ طَلَب علمًا دينيًّا يصلح به أمر آخرته، أو علمًا دنيويًا يصلح به أمر دنياه؛ فقد نصَّ الفقهاء على أن طلب العلوم الدنيوية -مما تتوقف عليه مصالح العباد- يُعدُّ من فروض الكفايات. ينظر: "حاشية ابن عابدين" (1/ 42، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للإمام النووي (10/ 217، ط. المكتب الإسلامي).
كما حثَّ الإسلام على التَّدبُّرِ والتفكر وإعمال العقل في دراسة قوانين الطبيعة وأسرارها؛ فقال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ [العنكبوت: 20]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190].
وثمرة هاتين العمليتين -طلب العلم، والتأمل، والنظر، والتفكر- هي: الإبداع والابتكار والاختراع، فإنَّ مَن تحقَّقَ بقواعد علمٍ ما وأكثر فيه من النظر والتفكر وإعمال العقل أدَّاه ذلك -غالبًا- إلى الإبداع فيه والابتكار والاختراع.
الابتكار والاختراع ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو وسيلة لتحقيق غرضٍ ما، وممَّا هو مقرَّرٌ: "أنَّ الوسائل لها أحكام المقاصد ما لم تكن الوسيلة محرمة في نفسها"، فمتى كان الشيء المخترع وسيلة لأمر مشروع أخذ حكم المشروعية، ومتى كان وسيلة لأمر منهيٍّ عنه أخذ حكمه؛ قال الإمام العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/ 53-54، ط. مكتبة الكليات الأزهرية): [وللوسائل أحكام المقاصد، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل] اهـ.
ومشروعية الابتكار والاختراع مُقيَّدةٌ أيضًا بألَّا يترتب عليها إلحاق ضررٍ بالنفس أو إضرارٍ بالغير؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَضَى أن لا ضرر ولا ضرار". رواه ابن ماجه في "سننه"، ومن القواعد الفقهية المقررة: "أَنَّ الضرر يزال".
فتقرَّر على هذا أنَّ الاختراع والابتكار مشروعٌ من حيث الأصل، ما لم يكن وسيلة لشيء محرَّم، وما لم يترتب عليه إلحاق ضرر بالنفس أو إضرارٍ بالغير.
ممَّا هو معلومٌ أيضًا أَنَّ الشريعة الإسلامية الغراء صانت حياة النفس الإنسانية، وجعلت حفظها من مقاصدها العظيمة وضرورياتها المهمة؛ فشرَّعَت لتحقيق صونها وحمايتها الكثير من الأحكام والحدود، بل أوجب الشرع الحنيف على المسلم إذا وجد ما يهدّد حياة نفسه أن يدفع عنها أسباب الهلاك والزوال؛ عملًا بقول الله عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
فالآية الكريمة نَصٌّ صريح في تحريم الإقدام على الانتحار؛ قال الإمام ابن عطية في "المحرر الوجيز" (2/ 42، ط. دار الكتب العلمية): [لفظها -أي: الآية- يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل أو بأن يحملها على غررٍ ربما مات منه، فهذا كله يتناوله النهي، وقد احتج عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد خوفًا على نفسه منه، فقرَّرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجاجه] اهـ.
وقد ورد في البيان النبوي الشريف جملة من الأحاديث الشريفة تؤكد أن قتل الإنسان نفسه يُعدٌّ من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، كما توضح أنَّ المنتحر متوَعَّد بأشد الوعيد وبالعذاب الشديد؛ فقد أخرج الإمام البخاري في "صحيحه" أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
قال الإمام ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (6/ 500، ط. دار المعرفة): [قوله: «قال الله عز وجل: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ»؛ هو كناية عن استعجال المذكور الموت.. وقوله: «حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» جارٍ مجرى التعليل للعقوبة؛ لأنه لما استعجل الموت بتعاطي سببه من إنفاذ مقاتله، فجعل له فيه اختيارًا؛ عصى الله به، فناسب أن يعاقبه..؛ وإنما استحق المعاقبة لأن الله لم يطلعه على انقضاء أجله، فاختار هو قتل نفسه؛ فاستحق المعاقبة لعصيانه] اهـ.
تأسيسًا على ما سبق: فإنَّ اختراع مثل هذه الأجهزة التي تُساعد وتُحفِّز الأشخاص على قتل أنفسهم، وإزهاق أرواحهم يُعدُّ من أكبر الكبائر ومن أشدَّ الحرام وأعظمه، فبالإضافة إلى كون ذلك إعانة على قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، فهو أيضًا من باب التعاون على الإثم والعدوان؛ وقد نهانا الشرع الشريف عن هذا فقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
قال العلامة الجصاص الحنفي في "أحكام القرآن" (3/ 296، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ يقتضي ظاهره إيجاب التَّعاون على كُلِّ ما كان طاعة لله تعالى؛ لأَنَّ البرَّ هو طاعات الله، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ نَهْيٌ عن معاونة غَيْرِنَا على معاصِي الله تعالى] اهـ.
وكذلك يحرم على المكلف قتل نفسه باستخدام مثل هذه الأجهزة، فإنَّ قتل النفس حرامٌ مهما تعدَّدت وسائله وأدواته، وقد تطرَّق الهدي النبوي الشريف إلى بيان العقاب الشديد الذي توعد الله عز وجل به المنتحر؛ تنفيرًا وزجرًا من هذه الجريمة البشعة النكراء؛ فقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
فدلَّ ذلك على أنَّ عذاب قاتل نفسه يكون بنفس الوسيلة التي تمَّ بها الانتحار، فيظلُّ مُعذَّبًا بما قتل به نفسه مخلدًا في نار جهنم؛ نكاية لما اقترفته يداه في حق نفسه وفي حق حياته التي أنعم الله تبارك وتعالى عليه بها.
قال العلامة ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (6/ 503، ط. مكتبة الرشد): [أنَّ المجازاة على الخير والشر قد تكون يوم القيامة من جنس الأعمال؛ كما قال عليه السلام: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّم»] اهـ؛ فدلَّ ذلك على أن الانتحار من أكبر الكبائر، ولا يجوز الإقدام عليه مهما عظم البلاء.
وقال الشيخ ابن العربي في "الفتوحات" (4/ 87، ط. دار الكتب العربية الكبرى): [إنَّ الله جعل رحمتك بنفسك أعظم من رحمتك بغيرك، كما جعل آذاك نفسك أعظم في الوزر من أذاك غيرك؛ قال في قاتل الغير، إذا لم يُقتل به أمره إلى الله؛ إن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذه؛ وقال في القاتل نفسه: «حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّة»] اهـ.
والأحرى والأولى بمخترع مثل تلك الأداة أن يُسخِّر علمه في اختراع ما ينفع الناس بدفع تلك الأسباب التي تجعلهم يقدمون على الانتحار، وكذلك الأحرى بمن يستخدم تلك الأداة في إزهاق روح نفسه أن يلتمس تلك الوسائل والطرق الحديثة التي تعينه على دفع تلك الأسباب التي تحمله على الإقدام على مثل هذه الجريمة النكراء، فقد ثبت عن طريق الأبحاث العلمية الحديثة أن الإقدام على الانتحار الباعث عليه -غالبًا- مرضٌ نفسيٌ ألمَّ بصاحب تلك الرغبة، وأنَّ هذه الرغبة في قتل النفس تزول بالأسباب التي يسلكها الطب الحديث في معالجة تلك الأمراض النفسية.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ اختراع مثل تلك الأدوات واستخدامها والمتاجرة فيها والترويج لأجل الانتحار عن طريقها أمرٌ محرمٌ شرعًا، بل هو من جملة الكبائر؛ لأنَّ فيه إعانة على قتل النفس التي حرَّم الله إلَّا بالحق.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هو الدعاء الذي يُستحبّ للزوج أن يقوله لزوجته إذا زُفّت إليه ليلة البناء؟ وهل هذا الأمر خاص بالزوج وحده؟
يزعم بعض المتشددين بأنه يجب على المسلم مقاطعة غير المسلم مقاطعةً تامة، وإلا كان إيمانه وتوحيده مخدوشًا، فما الحكم في هذا القول؟
ما بيان حكم الولادة بواسطة الطبيب حتى لو كانت الحالة طبيعية؟ وهل يحل كشف العورة لطبيب أعزب وربما كانت أخلاقه سيئة؟
تقول السائلة: تقدمت للحصول على عقد عمل بإحدى الدول، وكان من شروط الحصول على هذا العقد أن يكون المتقدم حاصلًا على شهادة "الماجستير"، ولم أكن حاصلة على هذه الشهادة، فقمت بتزويرها، وأنا أعمل بهذا العقد منذ ثلاث سنوات؛ فما حكم عملي؟ وما حكم المال الذي اكتسبته من هذا العمل؟
يقول السائل: ما حكم بيع الأسنان المخلوعة لطلاب كلية الطب بقصد التَّعلُّم؟
ما حكم إعفاء حافظ القرآن من الخدمة العسكرية في القانون القديم، إذ أنه قد سئل بخطاب رئيس مجلس قرعة جرجا بما صورته: أن نفرًا من ضمن شبان قرعة سنة 1925م والمتطلب الإعفاء؛ لكونه من حفاظ آي القرآن الكريم، وفعلًا امتحن ووجد حافظًا له عن ظهر قلب، إنما أجاب بأنه كان سهرانًا عند أحد الناس في شهر رمضان بأجر قدره خمسة جنيهات مصرية خلافًا لكسوته.
المجلس يا صاحب الفضيلة يعدّ هذا الفقيه لا يستحق الإعفاء؛ بسبب جعله القرآن وسيلة للارتزاق، وما جعل حفظ القرآن واسطة لحافظه ليُكسبه رزقه.
هذا ما يخالج ضميرنا صراحة، والذي أرجوه من فضيلة مولانا المفتي أن يتنازل بإبداء رأي فضيلته ويبين لنا حكمة حفظ القرآن الشرعية هل جعلت مهنة لكسب العيش، أم جعلت شرفًا فقط لحامل القرآن وميزة له؟ وإن كانت جعلت ميزة له فمن أي مورد يرتزق النفر بفرض أنه ليس له عائل يعوله وليس له وسيلة للارتزاق؟ كما وأننا يا صاحب الفضيلة لو عملنا بسقوط حق النفر من الإعفاء لما نوهنا عنه بعاليه لأخذ عدد الفقهاء يقلّ شيئًا فشيئًا.
من أجل هذا أود إفتاءً صريحًا عن جوهر الحكمة التشريعية الذي قصد به الشارع إعفاء حفاظ القرآن؛ أيكون النفر منقطعًا انقطاعًا كليًّا لتلاوة القرآن بدون أجر وبدون حرفة سواه؟