هل يلزم الشخص الـمُغْمَى عليه قضاء الصلاة التي فاتته أثناء الإغماء؟
ما عليه الفتوى أن المُغْمَى عليه لا يقضي ما فاته من الصلوات حال الإغماء إلَّا إذا أفاق في جزءٍ من وقت الصلاة؛ فإن طال إغماؤه لمدة طويلة فله قضاء آخر خمس صلوات ويستحب له قضاء جميع الصلوات خروجًا من الخلاف.
المحتويات
انعقد إجماعُ الأمة على أنَّ الصلوات الخمس فرض عين؛ قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 3، ط. دار الفكر): [أجمعت الأمة على أن الصلوات الخمس فرض عين] اهـ.
ولا تسقط الصلاة عن أحدٍ إلَّا إذا سَقَط عنه التكليف؛ وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بما يُسقط التكليف بقوله: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يَعقِل» رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
ووجه الدلالة منه أَنَّ النائم رُفِع عنه التكليف، والمغمى عليه في معنى النائم -كما ذَكَر ذلك العلامة المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 35، ط. مكتبة الإمام الشافعي)-؛ فيأخذ حكمه، ويُرفع عنه التكليف؛ ويكون الإغماء سببًا مِن أسباب سقوط الصلاة.
وقضاء الـمُغْمَى عليه للصلوات التي فاتته وقت إغمائه محل خلاف بين الفقهاء؛ فالمالكية والشافعية على أنَّ المغمى عليه لا يلزمه قضاء الصلاة إلَّا إذا أفاق في جزءٍ من وقتها؛ فتجب عليه تلك الصلاة التي أفاق في جزءٍ من وقتها؛ قال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 369، ط. دار الفكر): [فإن أُغْمِي عليه حتى ذَهَب وقتها؛ لم يكن عليه قضاؤها، واستَظْهَر ذلك -أي: ابن نافع-؛ لأنَّه على تقدير استغراق الإغماء للوقت فلا ضرورة تدعو للجَمْع، وكما إذا خافت أن تموت أو تحيض فإنَّه لا يُشْرَع لها الجمع، وفَرْقٌ بين الإغماء والحيض بأَنَّ الحيض يُسْقِط الصلاة قطعًا، بخلاف الإغماء فإنَّ فيه خلافًا، وبأَنَّ الغالب في الحيض أن يَعمَّ الوقت، بخلاف الإغماء، وهذا يقتضي مساواة الجنون] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1/ 190، ط. المكتب الإسلامي): [وأما مَن زال عقله بجنونٍ أو أغمي عليه؛ فلا تجب عليه الصلاة، ولا قضاؤها؛ سواء قَلَّ الجنون والإغماء أو كَثُر إذا استغرق الوقت] اهـ.
وعند الحنفية أنه إذا أُغْمِي عليه خمس صلوات فأقل قَضَى، ولو كان أكثر لا يَقْضِي استحسانًا؛ لِئَلَّا يُحرَج في الأداء إذا كثرت، قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 127، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ومَن جُنَّ أو أغمي عليه خمس صلوات قضى، ولو أكثر لا)، وهذا استحسان. والقياس: أن لا قضاء عليه إذا استوعب الإغماء وقت صلاة كاملة لتحقق العجز. وجه الاستحسان: أَنَّ المدة إذا طالت كثرت الفوائت فيُحْرَج في الأداء، وإذا قصرت قلَّت فلا حرج، والكثير أن يزيد على يوم وليلة؛ لأنه يدخل في حد التكرار] اهـ.
على أنَّ الحنفية مختلفون في ضابط اعتبار الكثرة التي لا يقضي معها؛ فعند محمد: تعتبر بأوقات الصلاة، فلا يَسْقُط القضاء ما لم يستوعب إغماؤه ست صلوات، وعند أبي يوسف -وهو رواية عن أبي حنيفة-: تعتبر الكثرة بالساعات، أي: يوم وليلة؛ لأنَّ الإغماء استوعب يومًا وليلة.
فلو أغمي عليه قبل الزوال فأفاق من الغد بعد الزوال؛ فعند أبي يوسف لا يجب القضاء؛ لأنَّ الإغماء استوعب يومًا وليلة، وعند محمد يجب القضاء إذا أفاق قبل خروج وقت الظهر؛ قال الشيخ عبد الغني الميداني في "اللباب في شرح الكتاب" (1/ 102، ط. المكتبة العلمية): [ثم الكثرة تعتبر من حيث الأوقات عند محمد؛ حتى لا يسقط القضاء ما لم يستوعب ست صلوات، وعند أبي يوسف تعتبر من حيث الساعات، وهو رواية عن أبي حنيفة، والأول أصح؛ لأنَّ الكثرة بالدخول في حد التكرار] اهـ.
والصحيح من مذهب الحنابلة: أنَّ المغمى عليه يَقْضِي جميع الصلوات التي فاتته وقت إغمائه؛ قال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (3/ 10، ط. هجر): [وأما المغمى عليه، فالصحيح من المذهب وجوبها -أي: الصلاة- عليه مطلقًا.. وهو من المفردات] اهـ.
الذي نختاره للفتوى هو ما ذهب إليه المالكية، والشافعية، والحنفية من أَنَّ المغمى عليه لا يقضي ما فاته من الصلوات حال إغمائه، وإذا أفاق في جزءٍ من الصلاة فعليه قضاؤها دون غيرها من الصلوات؛ للحديث السابق: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يَعقِل».
يقول الشمس الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 393، ط. دار الفكر): [(ولا) قضاء (على) شخص (ذي حيض).. (أو) ذي (جنون أو إغماء) أو سُكْرٍ أو عَتَهٍ أو نحو ذلك بعد إفاقته حيث لم يكن متعديًا؛ لخبر: «رُفِع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يبرأ» صَحَّحه ابن حبان والحاكم، وَرَد النص في المجنون وقِيس عليه كل مَن زال عقله بسببٍ يُعْذَر فيه، وسواء أَقَلَّ زمنُ ذلك أم طال، وإنما وجب قضاء الصوم على من استغرق إغماؤه جميع النهار؛ لما في قضاء الصلاة من الحرج، لكثرتها بتكررها بخلاف الصوم] اهـ.
إضافةً إلى ما في ذلك من مراعاة حال المغمى عليه الذي يستلزم التخفيف والذي هو مطلوبٌ شرعًا.
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فالمغمى عليه ليس عليه قضاء الصلاة التي فاتته وقت الإغماء، إلَّا إذا أفاق في جزءٍ من وقت الصلاة، وإن طال إغماؤه لمدة طويلة فله قضاء آخر خمس صلوات أو الجميع خروجًا من الخلاف.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما ضابط القبر الذي يصلح للدفن شرعًا؟
ما حكم نسيان الإمام التكبيرات في صلاة العيد وسجوده للسهو؟ حيث صلى بنا الإمام صلاة عيد الفطر ونسي أن يكبر في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام السبع التكبيرات، وسجد للسهو، وبعد أن سلم قال أحد المصلين: نعيد الصلاة، وقال آخر: لا سجود سهو في صلاة السنة، وقال ثالث: هذه الصلاة صحيحة. فما هو الرأي الصحيح في هذه المسألة؟
ما حكم الدعاء في الركوع؟
ما حكم الفتح على الإمام ممن هو خارج الصلاة؟ فكنت أجلس في المسجد لقراءة الأذكار بعد المغرب وبجواري جماعة من المصلين جاؤوا متأخرين بعد انتهاء الجماعة الأولى، وأثناء صلاتهم أخطأ الإمام في قراءته وتلعثم ولم يفتح عليه أحد من المأمومين خلفه، فهل يجوز لي تصحيح القراءة له والفتح عليه مع كوني خارج الصلاة؟
ما ضوابط قراءة الإمام في الصوات الجهرية؟ حيث يذكر البعض أنَّه يؤمّهم شاب حافظ لكتاب الله تعالى وعالم بأحكام التجويد، ولكنه يتكلّف في رفع صوته وفي الإتيان بأحكام التجويد فيحدث تكرار للكلمات في الآية، بما قد يؤدي إلى ضياع الخشوع. فما حكم هذا الأمر شرعًا؟
أرجو من فضيلتكم التكرم بإفتائي عن موضوع المحراب في المسجد؛ حيث إن قريبًا لي يبني مسجدًا ولما وصل إلى عمل المحراب اعترض عليه بعض الناس وأخبروه بأن المحراب لا يجوز في المسجد، وقال له بعض آخر: إن المحراب يجوز، فتضاربت الأقوال بين الجواز وعدمه، مما جعلني أتقدم إلى فضيلتكم لإنهاء هذه الخلاف.