ما مدى جواز العمل بالأحاديث الواردة في صيام شهر رجب؟ حيث يقول بعض الناس إن الفقهاء الذين استحبوا الصيام في شهر رجب قد جانبهم الصواب، وإنهم استندوا في قولهم هذا على أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنهم فقهاء الشافعية، فهل هذا صحيح؟
هذا الكلام غير صحيح شرعًا؛ لأن الأحاديث الواردة في الصيام في شهر رجب وإن كانت ضعيفة إلا أنَّها ممَّا يُعْمَل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند جمهور الفقهاء، كما أنَّ الصيام في شهر رجب داخلٌ في عموم الصوم التطوعيّ الذي رغب الشرع فيه.
المحتويات
مما ورد في صيام شيء من شهر رجب من السُنَّة: ما رواه الإمام أبو داود عن مُجِيبَةَ الباهليَّة، عن أبيها، أو عمها، أنَّه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ انطلق، فأتاه بعد سنة، وقد تغيَّرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني؟ قال: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قال: أنا الباهلي، الذي جئتك عام الأول، قال: «فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟»، قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟»، ثم قال: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، قال: زدني؛ فإن بي قوة، قال: «صُمْ يَوْمَيْنِ»، قال: زدني، قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، قال: زدني، قال: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها، ثم أرسلها.
ومنها ما رواه الإمام البيهقي في "فضائل الأوقات" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ».
لكن هذه الأحاديث لا يصحُّ منها شيءٌ؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب" (ص: 11): [لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة] اهـ.
وروى الإمام البيهقي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: "في الجنة قصر لصُوَّام رجب". قال الإمام أحمد: "وإن كان موقوفًا على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي، وبالله التوفيق".
وتلك الأحاديث الواردة في صومه أو صوم شيء منه وإن كانت ضعيفة فإنَّها ممَّا يُعْمَل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك، كما نقله الإمام النووي وغيره؛ قال الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اهـ.
وقال في "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث" (ص: 48، ط. دار الكتاب العربي): [ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى، والأحكام؛ كالحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالقصص، وفضائل الأعمال، والمواعظ، وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام، والله أعلم] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 54، ط. المكتبة الإسلامية): [تقرَّر أنَّ الحديثَ الضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والموقوف يعمل بها في فضائل الأعمال إجماعًا، ولا شكَّ أن صوم رجب من فضائل الأعمال فيُكْتَفَى فيه بالأحاديث الضعيفة ونحوها، ولا يُنْكِر ذلك إلا جاهل مغرور] اهـ.
وحتَّى لو لمْ يرد في الباب هذه النصوص الضعيفة فإنَّ النصوص الصحيحة الأخرى العامَّة التي تُرَغِّب في الصيام التطوعي مطلقًا تكفي في إثبات المشروعيَّة؛ إذ إن القاعدة عندهم أنَّ العام يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مُخَصِّص أو مُقَيّد. انظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).
ومن هذه النصوص الصحيحة: ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».
وما رواه الإمام أحمد عن صدقة الدمشقي أن رجلًا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن الصيام، فقال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ صِيَامَ أَخِي دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا».
ما ذُكِر في السؤال من كون الشافعيَّة قد استدلوا على استحباب صوم رجب بحديثٍ موضوعٍ: فباطل غير صحيح؛ قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 54): [رُوِي في فضل صومه أحاديث كثيرة موضوعة، وأئمتنا وغيرهم لم يُعَوِّلُوا في ندب صومه عليها، حاشاهم من ذلك] اهـ.
ينبغي أن يَحْرِص المسلمُ على العمل بفضائل الأعمال التي منها صيام رجب سواء كله أو بعضه، ولو مرّة واحدة في العمر؛ ليكون من أهل ذلك الفضل؛ قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 8): [اعلم أنَّه ينبغي لمَن بلغَهُ شيء في فضائل الأعمال أن يعملَ به ولو مرّة واحدة؛ ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا، بل يأتي بما تيسر منه؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق على صحته: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ»] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إخراج زكاة الفطر عن الابن الكبير الموسر؟ فقد اعتدتُ إخراج زكاة الفطر عن نفسي وزوجتي وجميع أبنائي، ولي ابنٌ كبيرٌ يعمل وله مالٌ ولله الحمد؛ فهل يجوز لي شرعًا إخراج زكاة الفطر عنه مع كونه قادرًا على إخراجها عن نفسه ويجزئ ذلك عنه؟تجب زكاة الفطر على المسلم إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، فإن تَطَوَّع الأب فأداها عن ابنه الكبير جاز ذلك شرعًا على جهة التبرع والإحسان، لا على جهة الوجوب والإلزام، وسواء أَأَعْلَمَهُ بذلك أو لا؛ لوجود الإذن منه عادةً، وإن كان إعلامه هو الأَوْلَى؛ خروجًا مِن خلاف مَن أوجبه.
ما حكم صيام كبير السن المريض؟ فأنا عمري 84 عامًا، ومريض بالقلب ولا أقدر على الصيام.
هل يبطل الصيام إذا لم يشعر الصائم بلذَّة العبادة؟
ما الذي يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أفْضَلُ العِبادَةِ قِراءةُ القُرآنِ»؟
هل يجب على المسافر الذي قدم بلده مفطرًا أن يمسك بقية اليوم؟ فقد سافرتُ في شهر رمضان المبارك قبل الفجر، ولَمَّا كان السفرُ طويلًا، أخذتُ بالرخصة فأفطرتُ في الطريق، وبعد أن وصَلْتُ إلى منزلي بعد العصر أكلتُ وشرِبْتُ، فهل كان واجبًا عليَّ الإمساك عن الطعام والشراب بمجرد وصولي إلى البيت؟
تسأل المنظمة الكشفية العربية وتقول: سيُنَظَّم المخيم الكشفي العالمي الثاني والعشرون بجنوب مملكة السويد، وسيشارك عشرات الآلاف من مختلف دول العالم منهم مسلمون، وسيكون الأسبوع الأول من فترة المخيم في رمضان المعظم، علمًا بأن فترة الصيام قد تصل إلى 19 ساعة في اليوم؛ فما حكم الصوم والإفطار في هذه الحالة؟