ما الحكم لو طُلِّقت امرأة وهي ما زالت تُرضِعُ ابنها من هذا الزوج، وبعد انقضاء عدتها تزوجت من رجلٍ آخر، ثم بعد زواجها من الثاني وقبل أن تحمل منه قامت بإرضاع طفلٍ أجنبيٍّ مع ابنها من الزوج الأول، فأيّ واحد من الزوجين يكون أبًا لهذا الطفل الأجنبي من الرضاع الزوج الْمُطلِّق أم الزوج الحالي؟
وهل يتغير الحكم إذا حملت من زوجها الثاني أثناء الرضاع؟
الطفل الذي أرضعته هذه المرأة مع ابنها من الزوج الأول بعد زواجها من الثاني، هو ابنٌ من الرضاع للزوج الأوَّل، إذا أرضعته في مُدَّة الرضاع الشرعية وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن ولادته؛ سواء أكان هذا الرضاع قبل حملها من الثاني أم بعده، وذلك حتى الولادة من الثاني، وتسري على الأبوة من الرضاع أحكامُ الأُبوَّة من النَّسَبِ، ولا محرميَّة بالرضاع بين الطفل المذكور والزوج الثاني.
المقرَّر شرعًا أنه يَحرُمُ مِن الرضاع ما يَحرُمُ مِن النسب؛ مَتَى وقع الرضاع في مُدَّتِهِ الشرعية، وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن تاريخ الوِلَادة على المُفتى به؛ إذ بالإرضاع تَصير المرضِعةُ أُمًّا مِن الرضاع لِمَن أرضعَته، ويحرم بهذا الرضاع على أصولها وفروعها، ويصير جميعُ أولادها -سواء منهم مَن رضع معه أو مَن هُم قبله أو بعده- إخوةً وأخواتٍ له من الرضاع؛ يدل على ذلك قول الله تعالى في بيان المحرمات من النساء: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: 23]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» متفقٌ عليه.
والحرمة كما تثبتُ للمُرضع، تثبتُ أيضًا لزوجها بالاتفاق؛ فيصير زوج المرضعة أبًا من الرضاع لمن رضع من زوجته؛ لأن اللبن منهما معًا؛ حيث حصل من بطنها وظهره من حين وطئه لها.
قال شمس الدين المنهاجي (ت: 880هـ) في "جواهر العقود" (2/ 163، ط. دار الكتب العلمية): [اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تعالى على أَنه يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب] اهـ.
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 116، ط. دار الكتب المصرية): [وحرمت حليلة الابن من الرضاع وإن لم يكن للصلب بالإجماع المستند إلى قوله عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»] اهـ.
وقد اختلف الفقهاء في مسألة التحريم بالرضاع في جانب الزوج إذا طُلِّقت المُرضعة من زوجها ثم تزوجت من غيره بعد انقضاء عدتها ثم أرضعت طفلًا أجنبيًّا بعد زواجها من الثاني وقبل إنجابها منه، وهذا الخلاف بينهم راجعٌ إلى تحديد أيٍّ من الزوجين هو السبب في نزول اللبن أو استمرار نزوله؛ وذلك على التفصيل الآتي:
فذهب الحنفية إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل ما لم تحمل من الزوج الثاني، ونقلوا الإجماع في المذهب على ذلك؛ باعتبار أن اللبن قد نزل بسبب الأول، فلا يزول حكمه بزوال النكاح، فإن حملت من الثاني فالتحريم ثابتٌ كما هو للأوَّل عند أبي حنيفة حتى تلد وهو المعتمد في المذهب، وعند أبي يوسف كذلك ما لم يُعرف أن استمرار نزول اللبن إنما هو بسبب الثاني ويعرف ذلك بغلظة اللبن عمَّا كان عليه قبل الحمل، وعند محمد يثبت التحريم للاثنين بمجرد الحمل حتى الولادة، فإن ولدت فالتحريم للثاني دون الأول عندهم جميعًا؛ قال العلامة الموصلي في "الاختيار لتعليل المختار" (3/ 119، ط. الحلبي): [رجل طلَّق امرأته ولها لبن، فتزوجت آخر وحبلت، ونزل لها لبنٌ: فهو للأول ما لم تلد. وقال أبو يوسف: هو منهما إلا أن يعرف أنه من الثاني، وإنه يعرف بالغلظ والرقة. وقال محمد: هو منهما ما لم تضع، فإذا وضعت فمن الثاني.. وأبو حنيفة يقول: هو من الأوَّل بيقين، ووقع الشك في كونه من الثاني، والشك لا يعارض اليقين، فإذا ولدت تَيَقَّنَّا أنه من الثاني، ولا اعتبار بالغلظ والرقة؛ لأن ذلك يتغير بتغير الأحوال والأغذية] اهـ.
وذهب الشافعية إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل؛ سواء زاد اللبن أو نقص، انقطع أو لم ينقطع، حتَّى وإن حملت المُرضِع من الثاني، وذلك ممتدٌّ إلى الأوان الذي يحدث فيه اللبن عادةً بسبب الحمل، فإن آنَ هذا الأوان فالتحريم يثبت للثاني دون الأول؛ قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (9/ 18، ط. المكتب الإسلامي): [أما قبل الولادة من الزوج الثاني: فإن لم يصبها، أو أصابها ولم تحبل، أو حبلت ولم يدخل وقت حدوث اللبن لهذا الحمل: فاللبن للأول؛ سواء زاد على ما كان أم لا، وسواء انقطع ثم عاد أم لا] اهـ.
وذهب الحنابلة إلى أنَّ التحريم بالرضاع ثابتٌ للزوج الأوَّل وإن حملت من الثاني، ما لم يزد لبنها بسبب هذا الحمل، فإن زاد بسبب الحمل فالتحريم ثابت لهما معًا بشرط أن تكون الزيادة في أوانها، فإن كانت في غير أوانها فالتحريم ثابت للأوَّل دون الثاني؛ قال العلامة المرداوي في "الإنصاف" (9/ 350، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ولو تزوج امرأةً لها لبنٌ من زوجٍ قبله فحملت ولم يزد لبنُها فهو للأول، وإن زاد لبنُها فأرضعت به طفلًا صار ابنًا لهما) بلا نزاع، وعليه الأصحاب، لكن إن كانت الزيادة في غير أوانها فهو للأول بلا نزاع، وكذا لو لم تحمل وزاد بالوطء] اهـ.
بينما ذهب المالكية إلى ثبوت الحرمة بالرضاع للاثنين ما لم ينقطع اللبن، فإن انقطع ثم نزل فإن التحريم بالرضاع يثبت للثاني دون الأول؛ قال العلامة ابن عبد البر في "الكافي" (2/ 541، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [واللبن من الرجل قبل الفصال وبعده، ما لم تنكح المرأة، فان نكحت ولم ينقطع لبنها حتى ولدت من الآخر فاللبن منهما جميعًا، والحرمة به ثابتة بين المرضع وبين الزوجين جميعًا ما لم ينقطع الأول] اهـ.
وقال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 504، ط. دار الفكر): [(و) لو تأيَّمت وفي ثديها لبن من الأول ووطئها ثانٍ وأنزل (اشترك) الزوج الثاني (مع) الزوج (القديم) في الولد الذي أرضعته بعد وطء الثاني] اهـ.
وخلاصة ما سبق: أن المُرضعة إذا طُلِّقت من زوجها الأوَّل ثم تزوجت من غيره بعد انقضاء عدتها وأرضعت طفلًا أجنبيًّا:
- فإن كان ذلك قبل حملها من الثاني: فإنَّ أباه من الرضاع هو الأوَّل دون الثاني عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة.
- وإن كان بعد حملها منه: فالراجح في مذهب الحنفية أنَّ الأب من الرضاع هو الأول مطلقًا ما لم تلد، ودُونَهُمُ الشافعيةُ؛ إلى أوان حدوث اللبن بسبب الحمل، والحنابلةُ بقيدِ عدمِ زيادة اللبن بسبب الحمل، فإن زاد فكلاهما أبوه من الرضاع عندهم، ويرى الإمام أبو يوسف أن كليهما أبوه من الرضاع ما لم يغلظ اللبن عما كان عليه قبل الحمل فتثبت الأبوة من الرضاع حينئذٍ للثاني، ويرى الإمام محمد أنهما أبواه من الرضاع سواء زاد اللبن بسبب الحمل أو لم يزد.
- وفي الحالتين يرى المالكية أن كليهما أبٌ له من الرضاع؛ حملت من الثاني أو لم تحمل.
ولأنَّ مسائل الرضاع متعلقة بالأحوال الشخصية للمُكلَّفين، وحيث لم ينصَّ قانونُها المصريُّ في هذه المسألة على اختيارٍ فقهيٍّ معيَّن؛ فإن العمل فيها يكون بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة؛ طبقًا للمادة الثالثة من مواد الإصدار للقانون رقم (1) لسنة 2000م، ونَصُّها: [تصدر الأحكام طبقًا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الطفل الذي أرضعته هذه المرأة مع ابنها من الزوج الأول بعد زواجها من الثاني، هو ابنٌ من الرضاع للزوج الأوَّل، إذا أرضعته في مُدَّة الرضاع الشرعية وهي سَنَتَان قَمَرِيَّتَانِ مِن ولادته؛ سواء أكان هذا الرضاع قبل حملها من الثاني أم بعده، وذلك حتى الولادة من الثاني، وتسري على الأبوة من الرضاع أحكامُ الأُبوَّة من النَّسَبِ، ولا محرميَّة بالرضاع بين الطفل المذكور والزوج الثاني.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ورد كتاب من إحدى المحاكم الابتدائية الشرعية، ويرافقه عريضة مقدمة للمحكمة قال فيها صاحبها: توفيت والدتي وعمري سنة ونصف تقريبًا، وبعد والدتي كنت في حضانة جدتي لأمي، وكانت سنها أكثر من سبعين سنة، وكانت جدتي المذكورة تطعمني بالطعام، وكنت أكتفي به عن الرضاع، ولكنها كانت تحملني على ثدييها بقصد الحنان فنزل لها اللبن وشربت منه، والآن أريد أن أتزوج ببنت بنت بنتها، وهذه المعلومات المذكورة ثابتة بشهادة رجلين وغيرهما من النساء، والنص في مذهب الإمام مالك يقضي بأن الطفل إذا كان يستغني بالطعام عن اللبن بحيث لو رضع اللبن لا يستغني عن الطعام فإن الرضاع لا يحرم حينئذٍ، ومأذون الناحية -بلدنا- ممتنع عن إجراء العقد، وبناء عليه حيث إن النص فيه من مذهب مالك يحلها لي، فألتمس من فضيلتكم إصدار أمركم الكريم إلى المأذون لإجراء العقد.
ما حكم زواج المعاق عقليًّا؟ فبعض أسر المعاقين ذهنيًّا -الإعاقة الذهنية البسيطة؛ وهي أن المعاق عقليًّا يمكن أن يعتمد على نفسه في شؤون حياته الخاصة: النظافة الشخصية، وتناول الطعام، وقضاء بعض الأعمال البسيطة، كما يمكن تدريبه على بعض الأعمال اليدوية والحرفية البسيطة التي لا تحتاج إلى جهد عقلي، ودائمًا ما يكون العمر العقلي له أقل من العمر الحقيقي- تواجه مشكلة تتمثل في رغبة هذه الأسر في زواج أبنائها، لكن تواجههم بعض المشكلات، منها:
1- الخوف من إنجاب أبنائهم لأبناء معاقين عقليًّا بسبب العوامل الوراثية.
2- رفض بعض أولياء الأمور زواج بناتهم من أشخاص معاقين عقليًّا، فتلجأ الأسر الميسورة الحال -التي لديها أبناء معاقون عقليًّا راغبون في الزواج- لأسر فقيرة توافق على زواج بناتها من هؤلاء المعاقين في بعض الأحيان.
والسؤال:
1- هل من حق المعاق عقليًّا -الضعف العقلي البسيط- أن يتزوج إذا كانت أسرته تستطيع الإنفاق عليه هو وزوجته أو كان لديه ميراث؟
2- إذا أثبتت التحاليل الوراثية والتاريخ الأسري أن هذا المعاق في حالة زواجه من الممكن إنجابه لأبناء معاقين، هل يتم حرمانه من الزواج خوفًا على المجتمع من انتشار الإعاقة العقلية؟ وهل هناك إثم على المجتمع أو أسرته إذا منعته من الزواج؟
3- وهل يمكن في حالة توافر قيِّم على المعاق عقليًّا -إذا لم تكن هناك موانع شرعية أو طبية- السماح له بالزواج؟
ما حكم زواج الرجل من فتاة رضعت من أمه ثلاث رضعات فقط؟ فقد أرضعت امرأةٌ بنتًا ثلاث رضعاتٍ متفرقاتٍ، ولهذه المرأة ابنٌ يريد أن يتزوج بالبنت التي رضعت من أمه ثلاث رضعات، وطلب السائل الإفادة عما إذا كان يجوز هذا الزواج أم لا، وبيان الحكم الشرعي؟
هل تختلف الرضاعة عن طريق غير مباشر كالببرونة عن الرضاعة من الثدي مباشرة في حكم النسب؟
رجلٌ متزوجٌ بامرأةٍ ويرغب ابنُه في التزوج بأمها أعني حماة والده، فهل هذا يصح أم لا؟
امرأتان: أرضعت الأولى منهم ابن الثانية، وأرضعت الثانية بنت الأولى، ويريد أخو ابن المرأة الثانية أن يتزوج أخت بنت المرأة الأولى. فهل يحل ذلك أم لا؟