امرأة أرضعت ابن جارتها من لبنها المخلوط بالماء بواسطة الببرونة، وكان الماء أكثر من اللبن، فهل تثبت المحرمية بينهما في هذه الحالة؟
لبن الـمُرضعة المخلوط بالماء لا تثبت به المحرمية الشرعية بين صاحبته وبين الرضيع، ولا تسري بينهما أحكام النَّسب؛ ما دام أنَّ الماء يغلب اللبن؛ لأن أثر المغلوب لا يظهر مع الغالب، وهذا لا يُسَّمى رضاعًا، ولا يأخذ حكمه.
المحتويات
مما تقرَّر شرعًا أنّ الرضاعَ يُنَزَّلُ منزلة النَّسَبِ في جملةٍ من الأحكام والآثار؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» متفقٌ عليه، من حديث أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فتثبت به حُرمة النكاح والنظر، والخلوة في السفر والحضر؛ فتصير المرضِعة أُمًّا من الرضاع لِمَن أرضعَته يحرم بها على أصولها وفروعها؛ قال تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: 23].
في حكم الرضاع من ثدي المرأة: إيصالُ اللبن إلى حلق الأطفال عن طريق إفراغه في فم الرضيع أو أنفه، من خلال أُنبوبٍ، وهي طريقة صحيحة في الرضاع يتعلق بها حكمه كالرضاع من الثدي، ولا يضر انفصال اللبن عن الثدي حينئذ؛ "لأن اللَّبن لَا يَمُوت" كما قال أبو العالية فيما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف".
قال العلامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (3/ 238، ط. دار الكتاب الإسلامي): [إذا حلبت -أي المرأة- لبنها في قارورة: فإن الحرمة تثبت بإيجار -إرضاع- هذا اللبن صبيًّا، وإن لم يوجد المصُّ، وإنما ذكره لأنه سبب للوصول، فأطلق السبب وأراد الْمُسَبَّبَ، فلا فرق بين المصِّ.. والوَجُورُ] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (3/ 221، ط. الكتب العلمية): [ويثبت التحريم بالوَجُورُ: وهو أن يُصَبُّ اللبن في حلقه؛ لأنه ينشز العظم وينبت اللحم، فأشبه الارتضاع] اهـ.
من المقرر أنّ الشيء إذا تغيرت حقيقته وتبدل وصفه إلى شيء آخر تغير حكمه تبعًا لذلك؛ كالكحول إذا مزج بمواد التعقيم أو العطر أو الدواء أو المنظفات، والخمرة التي استحالت بنفسها وصارت خلًّا، والخنزير والميتة إذا وقعت في الـمَمْلَحَةِ فتصير مِلْحًا بالاستحالة، والسِّرقين والعَذِرَة إذا احترقت فتصير ترابًا أو رمادًا، ونحو ذلك مما نصَّ عليه الفقهاء.
ولذلك نَصَّ جماهير الفقهاء على أنَّ لبن المرأة إذا اختلط بالماء فالعبرة بالغالب، فإذا جعل في لبن المرأة ماء فغيَّر غالبَ أوصافهِ: لم تثبت به الحُرمة؛ لأن منفعة المغلوب لا تظهر في مقابلة الغالب؛ قال العلامة العمراني الشافعي في "البيان" (11/154، ط. دار المنهاج): [إذا خلط لبن المرأة بالماء أو بالعسل أو بغيرهما، وسقي منه الطفل خمس دفعات في خمسة أوقات متفرقة: فإن كانت الغلبة للبن بأن يكون أكثر مما خالطه: نشر الحرمة، وإن كانت الغلبة للماء أو للعسل بأن يكون أكثر من اللبن: فإن كان اللبن مستهلكًا فيما خالطه بحيث إذا وصل شيء مما خلط فيه ذلك اللبن إلى جوف الطفل لم يتحقق أن جزءًا من اللبن حصل في جوف: لم ينشر الحرمة] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (8/ 175، ط. القاهرة): [قال أبو بكر: قياسُ قول أحمد: أنه لا يحرم؛ لأنه وجور. وحكي عن ابن حامد أنه قال: إن كان الغالب اللبن: حرم، وإلَّا: فلا، وهو قول أبي ثور، والمزني؛ لأن الحكم للأغلب، ولأنه يزول بذلك الاسم والمعنى المراد به، ونحو هذا قول أصحاب الرأي، وزادوا فقالوا: إن كانت النار قد مست اللبن حتى أنضجت الطعام، أو حتى تغير: فليس برضاع.
ووجه الأول: أن اللبن متى كان ظاهرًا فقد حصل شربه، ويحصل منه إنبات اللحم وإنشاز العظم فحرم، كما لو كان غالبًا، وهذا فيما إذا كانت صفات اللبن باقية، فأما إن صب في ماء كثير لم يتغير به: لم يثبت به التحريم؛ لأن هذا ليس بلبن مشوب، ولا يحصل به التغذي، ولا إنبات اللحم، ولا إنشاز العظم.
وحكي عن القاضي: أن التحريم يثبت به، وهو قول الشافعي؛ لأن أجزاء اللبن حصلت في بطنه، فأشبه ما لو كان لونه ظاهرًا.
ولنا: أن هذا ليس برضاع، ولا في معناه، فوجب أن لا يثبت حكمه فيه] اهـ.
بناءً على ذلك: فلبن الـمُرضعة المخلوط بالماء لا تثبت به المحرمية الشرعية بين صاحبته وبين الرضيع، ولا تسري بينهما أحكام النَّسب؛ ما دام أنَّ الماء يغلب اللبن؛ لأن أثر المغلوب لا يظهر مع الغالب، وهذا لا يُسَّمى رضاعًا، ولا يأخذ حكمه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
إذا ماتت المرأة الحامل عند الولادة؛ ما حكم غُسلها والصلاة عليها؟
امرأة أرضعت بنتًا أجنبية عنها، فهل يجوز لهذه البنت أن تتزوج من ابن مُطَلِّق هذا المرأة؟ علمًا بأن هذا الابن من امرأة أخرى.
ما مدى ثبوت التحريم بالرضاع بين الطفل المكفول وكافلته؟ فأنا كفلتُ أنا وزوجي طفلًا وعمره ثلاثة أشهر وأسبوع، وأرضعته رضعتين. فهل تثبت حرمة الرضاع بيني وبين هذا الطفل؟ وقامت أختي بإرضاعه كذلك أكثر من خمس رضعات مشبعات. فهل تثبت المحرمية بين الطفل وبين أختي وبناتها؟
ما حكم الشرع في إثبات واقعة السب والقذف من زوج لزوجته أو العكس؟ وهل تصلح شهادة النساء في إثبات السب والقذف؟ وما هو نصاب الشهادة لإثبات هذه الواقعة؟ وما هي شروط أداء الشهادة؟ وهل تصلح شهادة ثلاث نساء مجتمعات، والشاهدة الثانية والثالثة لم يشهدا غير بقول: "كما قالت الشاهدة الأولى"؟ وهل تصلح الشهادة بدون حلف اليمين؟ وإذا لم تصلح شهادة هؤلاء النسوة ولم يوجد غيرهن يشهد بنفس الشهادة فما حكم الدين فيهن؟
ما حكم الزواج من بنت الخالة إذا رضعت من الأم؟ حيث إن والدتي رُزقت بفتاة، وكذلك خالتي رُزقت بفتاة أيضًا، ولأسبابٍ أرضعَت والدتي ابنةَ خالتي، وكذلك خالتي أرضعَت أختي، ثم توفيت أختي قبل ولادتي، ولما وُلدت أنا لم أرضع من خالتي. فهل يجوز شرعًا أن أتزوج بابنة خالتي التي رضعت من أمي مع أختي المتوفاة؟
ما حكم زواج شاب من ابنة عمه وتدعي أمها أنها أرضعته؟ فقد خطب شاب ابنة عمه، ولكن بعد مدة قالت أم الفتاة إنها قد أرضعت الفتى، ولما قيل لها: لِمَ سكتِّ عن هذا الأمر طوال هذه المدة؟ قالت إنها لم تكن تعلم أن الرضاعة من أسباب التحريم رغم أنه قد حدث عدة خطبات في الأسرة، وقبل أن يتقدم الشاب إلى ابنة عمه، وفسخت هذه الخطبات بسبب الرضاع، وقد حدثت إحدى هذه الخطبات في بيت ملاصق للمنزل الذي تقيم فيه هذه الأم وهو في الوقت نفسه بيت أخ لزوجها، وقد فسخت هذه الخطبة بسبب الرضاع، وقد علمت هذه الأم بسبب فسخ هذه الخطبة في حينه ألا وهو الرضاع، ولما عرض الأمر على أم الشاب أنكرت ذلك كل الإنكار، وقالت إنها مستعدة أن تحلف على أنها لم ترَ والدة الفتاة ترضع ابنها، ولما طلب إلى أم الفتاة أن تأتي بأدلتها التي تثبت صدق قولها استشهدت بعمات الفتى والفتاة وهن ثلاث سيدات، ولكن العمات أنكرن حصول رضاع أمامهن، وقلن إنهن لم يرين أو يسمعن عن هذا الرضاع إطلاقًا، واستشهدت أيضًا بامرأة أخرى، ولكن هذه المرأة قالت إنها لم ترها ترضع الفتى أبدًا، وأبدت استعدادها لحلف اليمين أيضًا، ولم تستشهد أم الفتاة بأي رجل، ولم يشهد أي رجل بحصول الرضاع. ثم بعد مدة قالت أم الفتاة إنها مستعدة لليمين، وقد سُئِل الفتى عن وقع هذا الكلام في قلبه فقال إني لا أصدقها؛ لأن هناك خطيبًا آخر، ولم يتيسر سؤال الفتاة؛ لأنها في كنف أمها، فهل هناك مانع شرعي من إتمام الزواج، أم لا؟