سأل بما صورته: في مسألة أشكلت على أهل الناحية بلدنا تزمنت الزوايا مركز ومديرية بني سويف، وهي: هل يجوز لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلعه الله على الساعة؟ وعلى الجواز؛ هل ورد ما يثبت ذلك؟ أفيدوا بالجواب، ولفضيلتكم الثواب.
علم الساعة من المغيّبات الخمسة التي اختص الله عز وجل بها نفسه على وجه الإحاطة والشمول كليًّا وجزئيًّا، ومع ذلك يجوز أن يطلع اللهُ بعضَ أصفيائه وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على بعض منها؛ لا كعلمه هو جل وعلا؛ فإن علمه سبحانه وتعالى للغيب هو علم ذاتيّ غير متناهٍ ولا محصور ولا حد له ولا يحيط به أحد غيره سبحانه، أما علم غيره به فهو علمٌ حادثٌ بتعليم الله له وإطلاعه عليه.
اطلعنا على هذا السؤال الموضح أعلاه، ونفيد أنه: في "تفسير الألوسي" (بصحيفتي: 495 و496) -(11/ 108، ط. دار الكتب العلمية، بيروت)- في آخر سورة لقمان عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾.. الآية ما نصه: [وكون المراد اختصاص علم هذه الخمس به عز وجل هو الذي تدل عليه الأحاديث والآثار؛ فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه من حديث طويل أنه صلى الله عليه وآله وسلم سُئل: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ»، ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية. أي إلى آخر السورة كما في بعض الروايات، وما وقع عند البخاري في التفسير من قوله إلى ﴿الْأَرْحَامِ﴾ تقصير من بعض الرواة.
وأخرجا أيضًا هما وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «خَمْس لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية»، وظاهر هذه الأخبار يقتضي أن ما عدا هذه الخمس من المغيبات قد يعلمه غيره عز وجل، وإليه ذهب من ذهب، أخرج حميد بن زنجويه عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل الظهور، فأنكر عليه فقال: إنما الغيب خمس، وتلا هذه الآية، وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم، وفي بعض الأخبار ما يدل على أن علم هذه الخمس لم يؤت للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ويلزمه أنه لم يؤت لغيره عليه الصلاة والسلام من باب أولى.
أخرج أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: «أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخَمْسَ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية».
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَفَاتِيحَ كُلِّ شَيْءٍ، إِلا مَفَاتِيحَ الْخَمْسِ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية".
وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله وجهه قال: "لم يغم على نبيكم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلا الخمس من سرائر الغيب؛ هذه الآية في آخر لقمان: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. إلى آخر السورة".
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في "الأدب" عن ربعي بن حراش قال: حدثني رجل من بني عامر أنه قال: يا رسول الله هل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «قَدْ عَلِمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ الْخَمْسَ: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾.. الآية».
وصرح بعضهم باستئثار الله تعالى بهن: أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة أنه قال: في الآية خمس من الغيب استأثر الله تعالى بهن، فلم يطلع عليهن ملكًا مقربًا، ولا نبيًّا مرسلًا: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ ولا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة؛ في أي سنة ولا في أي شهر، أليلًا أم نهارًا. ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث؛ أليلًا أم نهارًا. ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾ فلا يعلم أحد ما في الأرحام؛ أذكرًا أم أنثى، أحمر أو أسود. ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ أخيرًا أم شرًّا. وما تدري ﴿بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض؛ أفي بحر أم في برٍ، في سهل أم في جبل.
والذي ينبغي أن يعلم أن كل غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، وليست المغيبات محصورة بهذه الخمس، وإنما خصت بالذكر لوقوع السؤال عنها أو لأنها كثيرًا ما تشتاق النفوس إلى العلم بها.
وقال القسطلاني: ذكر صلى الله تعالى عليه وآله وسلم خمسًا وإن كان الغيب لا يتناهى؛ لأن العدد لا ينفي زائدًا عليه، ولأن هذه الخمسة هي التي كانوا يدعون علمها. انتهى.
وفي التعليل الأخير نظر لا يخفى، وأنه يجوز أن يطلع الله تعالى بعض أصفيائه على إحدى هذه الخمس، ويرزقه عز وجل العلم بذلك في الجملة، وعلمها الخاص به جل وعلا ما كان على وجه الإحاطة والشمول لأحوالِ كلٍّ منها وتفصيله على الوجه الأتم.
وفي "شرح المناوي الكبير للجامع الصغير" في الكلام على حديث بريدة السابق: «خَمْس لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ» على وجه الإحاطة والشمول كليًّا وجزئيًّا، فلا ينافي إطلاع الله تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات حتى من هذه الخمس؛ لأنها جزئيات معدودة، وإنكار المعتزلة لذلك مكابرة. انتهى.
ويعلم مما ذكرنا وجه الجمع بين الأخبار الدالة على استئثار الله تعالى بعلم ذلك وبين ما يدل على خلافه؛ كبعض إخباراته عليه الصلاة والسلام بالمغيبات التي هي من هذا القبيل، يَعلم ذلك مَن راجع نحو "الشفاء" و"المواهب اللدنية" مما ذكر فيه معجزاته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وإخباره عليه الصلاة والسلام بالمغيبات.
وذكر القسطلاني أنه عز وجل إذا أمر بالغيث وسوقه إلى ما شاء من الأماكن علمته الملائكة الموكلون به ومن شاء سبحانه من خلقه عز وجل، وكذا إذا أراد تبارك وتعالى خلق شخص في رحم يعلم سبحانه الملك الموكل بالرحم بما يريد جل وعلا، كما يدل عليه ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «وَكَّلَ اللهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا، قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ، فَمَا الأَجَلُ، فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ»، فحينئذ يعلم بذلك الملك ومن شاء الله تعالى من خلقه عز وجل. وهذا لا ينافي الاختصاص والاستئثار بعلم المذكورات بناء على ما سمعت منا؛ من أن المراد بالعلم الذي استأثر سبحانه به العلم الكامل بأحوال كلٍّ على التفصيل، فما يعلم به الملك ويطلع عليه بعض الخواص يجوز أن يكون دون ذلك العلم، بل هو كذلك في الواقع بلا شبهة] اهـ.
وفي "تفسير القاضي البيضاوي" عند قوله تعالى: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾؛ قال: [أي: على الغيب المخصوص به علمه] اهـ، وقال الشهاب في "حاشيته" عليه: [قوله: (على الغيب المخصوص به علمه) لإفادة الإضافة الاختصاصَ، واختصاصه به تعالى لأنه لا يعلم بالذات والكنه علمًا حقيقيًّا يقينيًّا بغير سبب كاطلاع الغير إلا الله، وعِلم غيره لبعضه ليس علمًا للغيب إلا بحسب الظاهر، وبالنسبة لبعض البشر كما ذكره بعض المحققين] اهـ.
ومن ذلك يعلم أنه لا يعلم الغيب بجميع أنواعه بالذات علمًا حقيقيًّا إلا الله سبحانه وتعالى، لا فرق بين الخمس وغير الخمس، وأما علم غيره تعالى فليس في الحقيقة علمًا بالغيب بالذات، وإنما هو علمٌ حادثٌ بتعليم الله سبحانه وتعالى وإطلاعه.
ويعلم مما ذكر أنه لا مانع من أن يطلع الله من شاء على ما شاء من الغيب، ولا يعد ذلك علمًا بالغيب، وعلى ذلك يجوز أن الله سبحانه وتعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على الساعة كما يُعلم مما تقدم عن الألوسي من أن ما ذكر لا ينافي إطلاع الله تعالى بعض خواصه على بعض المغيبات حتى من هذه الخمس.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما الحكمة في إسرائه صلى الله عليه وآله وسلم على البراق ولم يكن على أجنحة الملائكة؟
قال الله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: 45]، كيف تم ذلك للرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ وكيف أَثَّر هذا الاتجاه في مسيرة الدعوة؟
اعتنى العلماء بذكر أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فما مظاهر ذلك بصفة عامة، وفي خصوص اسم ياسين بصفة خاصة؟
سائل يقول: أجد في القرآن الكريم أن الله عز وجل أضاف الوفاة إلى نفسه عز وجل في بعض الآيات، وفي آيات أخرى إلى ملك الموت، وأحيانًا إلى أعوانه. فكيف نجمع بين هذه الآيات؟
نرجو منكم الرد على من يقول: إنَّ مراجعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لربه في عدد الصلوات فيه تبديلٌ للقول، كيف وقد قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق: 29]، كما أنَّ فيه نوع وصاية من نبي الله موسى على رسولنا الكريم سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام.
برجاء التفضل بتوضيح بعض الأمور المتعلقة بالموت والحياة والاستنساخ؛ الروح هي سر الله تعالى كما جاء بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 85].
هل الروح لجميع المخلوقات الحية: الإنسان، والنبات، والحيوان؟
هل الروح هي الفرق الوحيد ما بين الحياة والموت؟ السؤال يشمل كل شيء حي بما في ذلك الخلايا والنطفة.
هل الروح تتجزأ أو تتبدل في كائنها؟
هل الروح تنفخ في الجنين في بطن أمه بأمر الله تعالى بعد 120 يومًا من الإخصاب؟
السؤال الأساسي: ظهر في الشهور السابقة الاستنساخ في الإنسان، ومن عدة سنوات مضت في الحيوان، وعند التفكير بهذا الأمر أجد أنه من المستحيل أن تنجح هذه التجربة بخلايا ميتة، وهذا ما يؤكده العلم، ولكن أجد أن الفرق بين الخلية الحية والميتة هي الروح فقط، فإذا كانت الروح بكل الخلايا الحية؛ فمن أين التأكد أن الروح تنفخ في الجنين بعد 120 يومًا من الإخصاب؟ وإذا كانت الخلايا الحية بدون روح؛ فكيف تنفخ الروح في الجنين المستنسخ في ظل الظروف غير الطبيعية المصاحبة للتجربة من إلحاد وجنون علمي شاذ من إجراء هؤلاء الملحدين التجربة مختلطة من خلايا إنسان مع بويضة حيوان أو العكس، أو حتى تم وضعه ليس برحم امرأة ولكن بتجويف بطن رجل كما سمعنا، أو حتى أخذ هذه الخلية من جسد متوفى حديثًا؟ بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73] صدق الله العظيم. برجاء الإيضاح وجزاكم الله خيرًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.