ما حكم بيع الذهب القديم بالجديد؟
لا مانع شرعًا من بيع الذهب القديم بالجديد، وكذلك مبادلة الذهب القديم أو الكسر بالذهب الجديد أو المَصوغ، مع الاقتصار على دفع الفَرْق بينهما دون اشتراط بيع الذهب القديم أولًا ثم شراء الجديد بثمنه؛ حيث إن الذهب المُصاغ قد خرج عن كونه ثمنًا ووسيلة أساسية للمعاملات المالية، وصار شأنه في ذلك شأن سائر السلع التي لا يحرم فيها التفاضل ولا البيع الآجل.
المحتويات
ورد النهي النبوي عن بيع الذهب بالذهب إلا مع التماثل في العوضين -أي: المبيع والثمن اجتنابا لربا الفضل-؛ وتقابضهما في مجلس البيع -اجتنابا لربا النسيئة-؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (2/ 142، ط. مطبعة السنة المحمدية): [فِي الْحَدِيثِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، ونَصُّهُ فِي الذَّهَبِ بِالذَهَبِ مِنْ قَوْلِهِ: «إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ». الثَّانِي: تَحْرِيمُ النَّسَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: «وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»] اهـ.
وفي شرح بعض المفردات الواردة في هذا الحديث الشريف يقول شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في "فتح الباري" (4/ 380، ط. دار المعرفة): [قَوْلُهُ: «وَلَا تُشِفُّوا»... أَيْ: تُفَضِّلُوا، وَهُوَ رُبَاعِيٌّ مِنْ أَشَفَّ وَالشِّفُّ بِالْكَسْرِ الزِّيَادَةُ وَتُطْلَقُ عَلَى النَّقْصِ، قَوْلُهُ: «وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»... مُؤَجَّلًا بِحَالٍّ، أَيْ: وَالْمُرَادُ بِالْغَائِبِ أَعَمُّ مِنَ الْمُؤَجَّلِ كَالْغَائِبِ عَنِ الْمَجْلِسِ مُطْلَقًا مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ حَالًّا. وَالنَّاجِزُ: الْحَاضِرُ] اهـ.
والعلة في النهي عن التفاضل في بيع الذهب بالذهب وكذا النسيئة فيهما هي: الثمنية، أي: كونهما أثمانًا أو وسيطًا للتبادل، فالذهب والفضة معدنان قد اصطلح البشر على جعلهما مقياسًا لقيمة الأموال والسلع عند البيع والشراء.
قال الإمام ابن رشد المالكي في "بداية المجتهد" (3/ 189، ط. دار الحديث): [وأما العلّة عندهم في منع التفاضل في الذهب والفضة فهو الصنف الواحد أيضًا مع كونهما رؤوسًا للأثمان وقِيَما للمُتلَفات] اهـ.
وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (2/ 26، ط. دار الكتب العلمية): [فأما الذهب والفضة فإنه يحرم فيهما الربا لعلة واحدة، وهو أنهما من جنس الأثمان] اهـ.
أما الذهب والفضة المَصوغان فإنهما خرجا بذلك عن كونهما أثمانًا ووسيلة أساسية للمعاملات المالية، وانتفت عنهما علة النقدية التي توجب فيهما شرط التماثل وشرط الحلول -أي حالًّا يدًا بيد- والتقابض، ويترتب عليها تحريمُ التفاضل وتحريم البيع الآجل، فصارَا كأيِّ سلعة من السلع التي يجري فيها اعتبار قيمة الصَّنعة، وهي هنا عمل الصائغ، ومن المعلوم في القواعد الفقهية: "أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا". "التوضيح" للإمام خليل المالكي (6/ 327، ط. مركز نجيبويه للمخطوطات).
قال الشيخ ابن قَيِّم الجوزية في "إعلام الموقعين" (2/ 108، ط. دار الكتب العلمية): [الحلية المباحة صارت بالصَّنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع، وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصِّناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأُعدَّت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها، ولا يدخلها: "إما أن تقضي وإما أن تربي" إلا كما يدخل في سائر السلع إذا بِيعت بالثمن المؤجَّل، ولا ريب أن هذا قد يقع فيها، لكن لو سُدَّ على الناس ذلك لسُدَّ عليهم باب الدين، وتضرروا بذلك غاية الضرر] اهـ.
ولهذا قال بعض الفقهاء بجواز بيع الذهب المُصاغ بجنسه مع التفاضل في الثمن أو تأجيله، ومُبادلة الذهب القديم (أو الكسر) بالذهب الجديد (أو الصحيح)، أو الجيد بالرديء، وهو منقول من فعل الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وحُكِيَ عن الإمام مالك، وحكي أيضًا عن بعض السلف الصالح، وهو رأي الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما.
ومن المسائل المنقولُ عن الإمام مالك التخفيفُ فيها: مسألة مبادلة ذهب غير مضروب (أي: خام) بذهب مضروب (أي: مسكوك في هيئة دنانير) بنفس وزنه، مع إعطاء الأجير أجرته بزيادة مقدار الذهب غير المضروب، فأجاز هذه المعاملة مع عدم تماثل العِوَضيْن؛ رفعًا للحرج عن عامة الناس، ومراعاةً لخلاف من قال لا ربا في معاوضة الذهب بالذهب ولو مع التفاضل ما دام لا نسيئة، وذكر الإمام مالك أن الناس كانوا يتعاملون بذلك في دمشق، ومع ذلك استحب التورع عن هذه المعاملة. وقال الإمام ابن القاسم بالتخفيف في هذا المسألة في حالة الاضطرار والاحتياج إليها.
قال الإمام ابن رشد القرطبي المالكي في "البيان والتحصيل" (6/ 442، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت): [وسُئل -يعني الإمام مالك- عن الرجل يأتي بفضة له إلى سكة بيت الضرب: ضرب الدراهم، فيعطيه فِضتَه ويعطيه أجرةً منها ويأخذ منه أجرة مضروبة. قال: إني لأرجو أن يكون ذلك خفيفًا، وقد كان يُعمل به بدمشق فيما مضى، وتركُه أحبُّ إليَّ، وأما أهل الورع من الناس فلا يفعل ذلك. قال محمد بن رشد: التكلم في هذه المسألة على وجهين...، والثاني –يعني من الوجهين- أن يأتي الرجل بذهبه ليضربها فيشق عليه المُقام على ضربها، ويريد أن يستعجل دنانير مضروبة من عند الضَرَّاب فيبادله إياها بذهبه، ويزيد قدر أجرته على ضربها،... وأما الوجه الثاني: وهو استعجال الدنانير ومبادلتها بالذهب بعد تجميعها وتصفيتها مع زيادة أجرة عمل مثلها فقال ابن حبيب: إن ذلك حرام لا يحل لمضطر ولا غيره، وهو قول ابن وهب وأكثر أهل العلم، وخفف ذلك مالك في نذر سنة يصومها بعد هذا لما يصيب الناس في ذلك من الحبس مع خوفهم في ذلك، كما جوَّز للمُعْري شراء العَرِيَّة بخَرصها، وكما جوَّز دخول مكة بغير إحرام لمن يُكثِر التردد إليها، ثم قال: ما هو من عمل الأبرار، وقال ابن القاسم فيه: أراه خفيفا للمضطر وذوي الحاجة،... وإنما خفف ذلك مالك ومن تابعه على تخفيفه مع الضرورة التي لا تبيح أكل الميتة مراعاة لقول من لا يرى الربا إلا في النسيئة] اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "مجموع رسائله" (2/ 716-717، ط. دار الفاروق): [وحكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه، وأنكر أصحابه ذلك عنه، وحكي أيضًا عن بعض السَّلف، واختاره الشيخ أبو العباس ابن تيمية؛ لأنَّ الصياغة فيها مُتقوَّمة فلا بد من مقابلتها بعِوَض، فإنَّ في إجبار الناس عَلَى بذلها مجانًا ظلمٌ، فلا يؤمر به، ولأنها قد خرجت بالصياغة عن حيز النقود إِلَى السلع المُتقوَّمة] اهـ.
ويقول الشيخ ابن تيمية في "تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء" (2/ 622، ط. مكتبة الرشد): [وأما المَصوغ من الدراهم والدنانير، فإذا كانت الصياغة محرَّمة كالآنية، فهذه تحرم بيع المُصاغة لجنسها وغير جنسها، وبيع هذه هو الذي أنكره عُبادة على معاوية رضي الله عنهما، وأما إن كانت الصياغة مباحة؛ كخواتيم الفضة وكحلية النساء وما أبيح من حلية السلاح وغيرها من الفضة، وما أبيح من الذهب عند من يرى ذلك فهذه لا يبيعها عاقل بوزنها، فإن هذا سفه وتضييع للصنعة، والشارع أجَلُّ من أن يأمر بذلك، ولا يفعل ذلك أحد البتة، إلا إذا كان متبرعا بدون القيمة، وحاجة الناس ماسَّة إلى بيعها وشرائها، فإن لم يُجوَّز بيعُها بالدراهم والدنانير فسدت مصلحة الناس، والنصوص والواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس فيها ما هو صريح في هذا، فإن أكثرها إنما فيه الدراهم والدنانير، وفي بعضها لفظ الذهب والفضة، فهو بمنزلة نصوص الزكاة، ففيها لفظ الورق وهو الدراهم، وفي بعضها الذهب والفضة، وجمهور العلماء يقولون: لم يدخل في ذلك الحلية المباحة بل لا زكاة فيها، فكذلك الحلية المباحة لم تدخل في نصوص الربا، فإنها بالصيغة المباحة صارت من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، فلهذا لم يجب فيها زكاة الدنانير والدراهم، ولا يحرم بيعها بالدنانير والدراهم] اهـ.
بناءً على ما سبق: فإنه لا مانع شرعًا من بيع الذهب القديم بالجديد، ومبادلة الذهب القديم أو الكسر بالذهب الجديد أو المَصوغ، مع الاقتصار على دفع الفَرْق بينهما دون اشتراط بيع الذهب القديم أولًا ثم شراء الجديد بثمنه؛ وهذا لأن الذهب المُصاغ صار شأنه في ذلك شأن سائر السلع من غير النقدين بعد ارتفاع علة الثمنية بتحقق معنى الصناعة والصياغة الذي جعله كأي سلعة من السلع التي لا يحرم فيها التفاضل ولا البيع الآجل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم زيادة البائع على السعر الذي اشترى به على الرغم من الاتفاق على عدم الزيادة؟ فهناك رجلٌ اشترى بهيمةً مِن السُّوق، وبعد شرائها بوقت قليل وقبل أن ينفضَّ السوقُ احتاج إلى المال، فعَرَضَها للبيع، فأقبَلَ عليه شخصٌ غيرُ الذي ابتاعَها منه ليشتريها منه، واتفَقَ معه على أنه سيبيعُها له بالثمن الذي اشتراها به مِن غير زيادة عليه، وأخبره بهذا الثمن، فوافَقَ المشتري على ذلك، وأعطاه الثمن الذي أخبره به، وأخذ البهيمة، وقبل أن يَنْفَضَّ السُّوقُ عَلِمَ هذا المشتري أن الثمن الذي اشترى به البهيمةَ أكثرُ مِن الثمن الذي اشتُرِيَت به، فاستحلَفَ ذلك الرجلَ، فأقرَّ بأنه قد زاد عليه في الثمن، لكن تَمَسَّك في الوقت ذاته بأن المشتريَ قد رَضِيَ بالثمن الذي أخبره به. والسؤال: هل للمشتري المذكور بعد تمام البيع أن يَستَرِدَّ الزيادة التي زادها عليه هذا الرجلُ (البائعُ) في ثمن البهيمة المذكورة؟
ما حكم استغلال المريض بالتوقيع على عقد بيع؛ فقد توفي عمي، وقبل وفاته استغلت زوجته فترة مرضه، وقامت بتزوير ورقة يتم بمقتضاها نقل ملكية منزل كان يمتلكه عمي إليها، وجعلت عمي يوقع عليها. وبعد فترة توفيت زوجته -سامحها الله-، فأصر أهلها على أن يرثوا هذا المنزل؛ لأنها لم تنجب أطفالًا، على الرغم من علمهم بقيامها بتزوير ملكية المنزل. فما حكم الدين في ذلك؟ وما التصرف الأمثل في هذه الحالة؟
ما هو حكم الشرع بالنسبة إلى شراء سيارة بالتقسيط؛ أي: دفعة أولى 75% من قيمة السيارة، والباقي لمدة أربع سنوات بفائدة نسبتها 11% في السنة، وهذه الفائدة على المبلغ المتبقي فقط من قيمة السيارة؟ مع العلم أنني حاليًا لا أملك سيارة وليس بمقدوري شراؤها نقدًا.
سائل يقول: ورد في السنة النبوية المطهرة أن النبي عليه الصلاة والسلام: " نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا". فما معنى بدوِّ الصلاح الوارد في هذا الحديث؟ وما هو قول السادة الحنفية في حكم بيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها؟
ما حكم إضافة بعض المواد إلى اللبن حتى لا يتغير لحين بيعه؟ فأنا أعمل في تبريد الألبان وتوريدها للشركات الكبرى لتصنيعها، وهذه الشركات تطلب حموضة معينة للبن -وهي ثلاث عشرة- وهي درجة حموضة اللبن عند الحلْب، ولكن درجة الحموضة ترتفع إلى عشرين أو أكثر من زمن حلب اللبن وتوريده إِلَيَّ من التجار وحتى يأخذ اللبن درجة التبريد الكافية لتوريده للشركات، وهذا ما يجعل الشركات ترفضه، ولذا فإنني ألجأ إلى وضع مادة النشادر -الأمونيا- أو مادة الصودا الكاوية لخفض نسبة الحموضة للنسبة المطلوبة، علمًا بأن جميع العاملين في هذا المجال يتبعون نفس الطريقة وهذا بعلم من هذه الشركات، كما أنني أتسلم بعض الألبان من العملاء وأنا أعلم أنها مغشوشة بنسبة مياه وبها نسبة حموضة أعلى من المستوى المطلوب، فهل وضع هذه المواد مباح؟ وإذا كان مباحًا فما هي النسبة الجائز وضعها؟ وهل وضع الماء باللبن جائز؟
ما حكم ما يقوم به بعضُ التجَّار من بيع وشراء الحيوانات المصابة بالأمراض رغبةً في زيادة المكسب؟ وهل يجوز كتم العيب عند بيعها؟