ما حكم التطهر من الدم الخارج من غير السبيلين؛ فأنا أعمل في موقع إنشاءات، وكثيرًا ما أصطدم بالأشياء المحيطة بي، فينزل من أنفي قطراتُ دمٍ أو أُصاب بجروح يخرج منها الدم، وأنا أكون على وضوء، فهل يجب عليَّ -بعد مسح الدم وتطهيره- أن أُعيدَ الوضوءَ إذا أردتُ الصلاةَ؟
لا ينتقض الوضوء بالرعاف ولا بالدم الخارج من الجروح ونحوها ما لم يكن خارجًا من السبيلين، وعلى المسلم غسل موضع الدم فقط، على أن تجديد الوضوء في كل حالٍ مندوبٌ إليه ويُثاب عليه فاعله.
المحتويات
من المعلوم أن الشرع الشريف أمر المسلم بتطهير قلبِه وجوارحِه وبدنِه؛ فأمره بتطهير القلبِ من الآثارِ المذمومةِ والرذائلِ الممقوتةِ، وتطهيرِ الجوارح من الذنوبِ والآثامِ، وتطهيرِ البدنِ من الأحداث والنجاساتِ بالوضوءِ عند الصلاة ونحوها؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الشيخان: «لا يَقبلُ اللهُ صَلاةَ مَن أَحْدَثَ حتى يَتَوَضَّأ».
وقد بيَّن القرآنُ الكريم والسنةُ النبوية المطهرةُ أركانَ الوضوءِ وسننَه وصفتَه، كما بيَّن ما ينتقض به الوضوء من أحداث وأسباب أحداث.
قد أجمع الفقهاءُ على انتقاض الوضوء بما يخرج من السبيلين من غائط وبول وريح ومذي على وجه الصحة؛ قال العلامة ابن المنذر في كتابه "الإجماع" (ص: 33، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أن خروج الغائط من الدبر، وخروج البول من الذكر، وكذلك المرأة، وخروج المذي، وخروج الريح من الدبر، وزوال العقل بأي وجه زال العقل أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويُوجب الوضوءَ] اهـ.
قد علَّق الشرع وجوبَ الوضوء بالغائط والبول والمذي والريح من جهة أعيانها؛ فهو من الخاص المحمول على خصوصه؛ أي أن ما أمر الشرع بالوضوء منه يُقتصر فيه على أعيان هذه المذكورات؛ لأنه يُراد به خصوص هذه الأعيان، وذلك عند المالكية، وقال الشافعية: إن الشرع علق وجوب الوضوء بالغائط والبول ونحوه من جهة أنها خارجة من السبيلين؛ فالأمر بالوضوء منها إنما هو من باب الخاص أُريد به العام، وهو المَخرَج؛ أي أن الغائط والبول ونحوه مما أمر الشرع بالوضوء منه، وهو أمر خاص، يُراد به الوضوء من كل ما خرج من السبيلين؛ الذي هو أمر عام. ولم يَرِد في دم الرعاف، وهو الدم الذي يسبق من الأنف، ولا في دم الجروح أمرٌ خاصٌّ بالوضوء منه، بل الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يتوضأ من ذلك؛ فقد أخرج الدارقطني في "سننه" والبيهقي في "السنن الكبرى" عن أنس رضي الله عنه أنه قال: "احتَجَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلَّى ولم يَتَوَضَّأْ، ولم يَزِدْ على غَسْلِ مَحَاجِمِه".
وروى الإمام البخاري في "صحيحه" تعليقًا وأبو داود في "سننه" عن جابر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في غزوة ذات الرقاع، فرُمي رجل بسهم فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته".
فلم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجلَ الذي رُمي بسهم بالوضوء مما نزل منه من دمٍ بِفِعْلِ السهمِ الذي أُصيب به فنزعه.
وروى الإمام البخاري عن الحسن أنه قال: "ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم"؛ قال الإمام البخاري في "صحيحه" (1/ 46 ط. السلطانية): [وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز: ليس في الدم وضوء، وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ، وبزق ابن أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته، وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم: ليس عليه إلا غسل محاجمه] اهـ.
ولهذه الأدلة ذهب المالكيةُ والشافعيةُ إلى أن الرعاف والدم الخارج من الجروح لا ينقض الوضوء، وخص الحنابلةُ عدمَ النقض بالدم القليل منه؛ يقول الإمام القرافي المالكي في كتابه "الذخيرة" (1/ 236، ط. دار الغرب الإسلامي): [القيء والقلس والحجامة والفصادة والخارج من الجسد من غير السبيلين لا توجب وضوءًا] اهـ.
ويقول الإمام الجويني الشافعي في كتابه "نهاية المطلب" (1/ 119، ط. دار المنهاج): [لا ينتَقضُ الوضوءُ بالقيء والرُّعاف والحجامة والفصد وخروج شيءٍ من الخارجات من غير المخرج المعتاد عند الشافعي] اهـ.
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن كل نجس يخرج من البدن، فإنه يجب فيه الوضوء؛ سواء خرج من السبيلين أو من غيرهما، وخصه الحنابلة بالكثير الفاحش دون اليسير، وهو القدر الذي يستفحشه كل إنسان في نفسه، وقيل: ما كان ملء الكف. ولما كان الدم نجسًا على أصلهم فقد أوجبوا الوضوء من الرعاف والجروح؛ قال الإمام الكاساني في كتابه "بدائع الصنائع" (1/ 24، ط. دار الكتب العلمية): [الحدث هو نوعان: حقيقي وحكمي، أما الحقيقي: فقد اختلف فيه، قال أصحابنا الثلاثة: هو خروج النجس من الآدمي الحي؛ سواء كان من السبيلين الدبر والذكر أو فرج المرأة، أو من غير السبيلين: الجرح والقرح والأنف من الدم والقيح والرعاف والقيء، وسواء كان الخارج من السبيلين معتادًا؛ كالبول، والغائط والمني والمذي والودي ودم الحيض والنفاس، أو غير معتاد؛ كدم الاستحاضة] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في كتابه "المغني" (1/ 136، ط. مكتبة القاهرة): [الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم قسمين: طاهرًا ونجسًا؛ فالطاهر لا ينقض الوضوء على حال ما، والنجس ينقض الوضوء في الجملة، رواية واحدة... وإنما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير] اهـ.
واستدلوا في ذلك بأحاديث جاءت في هذا المعنى؛ كالذي أخرجه الدارقطني في "سننه" من رواية يزيد بن خالد، عن يزيد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز قال: قال تميم الداري رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الوضوءُ من كلِّ دمٍ سائلٍ»، وما أخرجه ابن ماجه في "سننه" من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ»، واحتجوا كذلك بقياس الدم على البول والغائط بجامع أنهم نجس خرج من البدن؛ قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (1/ 76، ط. دار المعرفة) مستدلًّا على وجوب الوضوء من الدم الخارج من البدن: [والمعنى فيه أنه خارج نجس وصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير، فكان حدثًا كالخارج من السبيل] اهـ.
وقد أجاب الجمهور بأن هذه الأحاديث ضعيفة لا يثبُت منها شيء، وإن صحّت فهي محمولة على غسل النجاسة أو الاستحباب كما أفاد الإمام النووي في "المجموع" (2/ 56، ط. دار الفكر)، وأنه لا يصح القول بوجوب الوضوء من دم الجروح والرعاف بالقياس على البول والغائط من الأحداث باعتبار أنه خارجٌ نَجِسٌ من البدن؛ لأن الشريعة المطهرة إنما أوجبت الوضوء من البول والغائط ونحوه مما خرج من السبيلين تعبُّدًا، والقياس في التعبد متعذر لعدم العلة الجامعة.
بناءً على ذلك: فإنه لا ينتقض الوضوء بالرعاف أو بالدم الخارج من الجروح ونحوها إذا لم يكن خارجًا من السبيلين؛ فمَن سبق إلى أنفه الدمُ أو أُصيب بجُرح فنزل منه دمٌ فغسله، فلا يجب عليه الوضوء طالما كان متوضئًا ولم ينتقض وضوؤه بحدثٍ أو سببٍ آخر، وتجديد الوضوء في كل حالٍ مندوبٌ إليه ويُثاب عليه فاعله.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تغسيل المحارم بعضهم البعض في حال الوفاة عند عدم توفر رجل لتغسيل الرجال أو امرأة لتغسيل النساء؟
سائل يقول: سمعت أن من أقسام المياه التي يجوز التطهر بها ما يُسمى بـ"الماء الْمُطْلَق". فنرجو منكم بيان المقصود بالماء المطلق وحكم الطهارة به.
شركة تسأل بخصوص منتج جديد خاص بالوضوء، حيث إنه في حالاتٍ كثيرةٍ عند وجود المصلين في الحرم المكي أو المدينة المنورة أو في طائرة تطير لمسافاتٍ وساعاتٍ طويلةٍ أو حافلةٍ تسير لمسافات طويلةٍ، يُنتَقضُ وضوء أحد المصلين وخاصَّة السيدات، وهو ما يسبب إحراجًا وإرباكًا لهم؛ لأن خروجهم للوضوء مرةً أخرى وعودتهم للصلاة مع الجماعة تكون صعبةً أو مستحيلةً.
وبعد دراسة مستفيضةٍ لحل هذا الوضع وصلنا إلى "منتجٍ جديد" تحت اسم: "Water Wipes" على هيئة مناديل ورقية صديقة للبيئة وتتحلل تلقائيًّا وهي مغموسة بماءٍ نظيفٍ 100% ومغلف تغليفًا جيدًا، ومقدار الماء للمغلف الواحد الذي يكفي لوضوءٍ شرعيٍّ -من وجهة نظرنا- هو: (60- 80 مللي لتر)، ومرفق طيُّه عيِّنة منه.
فهل يمكن أن يستعمل هذا المنتج كبديلٍ للوضوء في هذه الحالات؟
ما المعنى المراد من حديث: «دم الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم»؟ فهناك سائلة تقول: خلال جلسة مع أحد أصدقائي قالت إحداهن: إن دم الحيض عقوبة للنساء؛ فقالت لها أخرى: إن هذا من سنن الله تعالى في خلقه، وممَّا اقتضته طبيعة التكوين الجسدي للمرأة، وهو أمر قد كتبه الله على النساء جميعًا؛ فنرجو منكم بيان ذلك.
هل يجوز لي التيمم بدلًا من الاغتسال لصلاة الفجر حاضرًا خوفًا من المرض وقبل خروج الوقت، وعند الاغتسال قبل صلاة الظهر أقوم بإعادة صلاة الصبح مع العلم أني أصاب بنزلات برد ولا أستطيع النوم بعد الاغتسال بسبب البرد؟
ما حكم حمل المصحف للطلاب الصغار وهم على غير طهارة؟ وكذلك الحائض إذا كان هذا لغرض التعلُّم أو التعليم؟