ما حكم استخدام الحامض النووي في نفي وإثبات النسب؛ فقد صرحت المحكمة باستخراج شهادةٍ مِن دار الإفتاء المصرية تفيد أن تجربة الحامض النووي (DNA) تقوم مقام القيافة أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في إثبات النسب أو نفيه ويُعتَدُّ بها شرعًا مِن عدمه.
مجمل القول في هذه المسألة هو أنه يجوز إثبات النسب بالبصمة الوراثية إذا كان ذلك في عقدِ زواجٍ صحيحٍ -لا يتم اللعان فيه بين الزوجين- أو فاسدٍ أو وطءِ شبهةٍ؛ وذلك مراعاةً لحق الطفل، وإحياءً للولد، وحملًا لحال المرأة على الصلاح، وكذلك في حالة التنازع على مجهول النسب، والاشتباه في المواليد وأطفال الأنابيب، وفي حالة ضياع الأطفال وحدوث الحوادث أو الكوارث أو الحروب وصعوبة التعرف عليهم، أما في حالة الزنا فلا يثبت نسب الطفل إلى الزاني أصلًا، وإنما يُنسَب لأمه فقط؛ لأن ماء الزنا هدَرٌ؛ أي لا يُعتَدُّ به شرعًا.
وأما نفي النسب بالبصمة الوراثية فلا يجوز شرعًا؛ لأن التحاليل يحتمل فيها الخطأ وإن دلَّت على النفي أو الإثبات يقينًا، فإن ذلك اليقين في نفسه يقع الظنُّ في طريق إثباته، مما يجعله غير معتدٍّ به شرعًا في نفي النسب.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن ثبوت النسب فرعٌ عن الزواج الصحيح أو الفاسد -أي الذي فقد شرطًا مِن شروط صحة النكاح- أو في حالة الوطء بشبهة؛ كأن يطأ امرأةً ظنًّا منه أنها زوجته فيظهر خلاف ذلك، والأبوة علاقةٌ شرعيةٌ لا طبعيةٌ؛ أي إنَّ نسب الطفل إلى مَن تَخَلَّق مِن مَائِهِ إنما يثبت مِن طريق الشرع لا مِن طريق الطبع.
أمَّا النسب بين الطفل وأمه فيثبت مِن جهة الطبع؛ لأن الأمومةَ علاقةٌ طبعيةٌ، وهو الأمر الذي يُمكن اكتشافه عن طريق البصمة الوراثية التي تبين تَخَلُّقَ هذا الطفل مِن رجلٍ ما وامرأةٍ ما، ومعنى هذا: أن المتخلق مِن ماء الزنا ليس ابنًا للزاني؛ حيث تم الاجتماع بين الرجل والمرأة مِن غير عقد زواج، وإن كان بالطبع هو ابنٌ للزانية؛ حيث حملته في بطنها ووُلِد منها قطعًا، فتجري عليه أحكام هذه البنوة في شأن المحرمية والميراث وغير ذلك، ولا يثبت نسب الطفل إلى الرجل إلَّا إذا كان اجتماعه مع أمه في عقدٍ صحيحٍ أو حتى فاسدٍ أو في وطءِ شبهةٍ، فإذا انتفى العقدُ فلا يثبت النسبُ شرعًا بإجماع الأمة.
وهو منصوصُ القانونِ المصري؛ حيث ورد في المادة الخامسة عشرة مِن قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000م أنه: [لا تُسمَع عند الإنكار دعوى النسب لولدِ زوجةٍ ثَبَتَ عدمُ التلاقي بينها وبين زوجها مِن حين العقد، ولا لولدِ زوجةٍ أَتَتْ به بعد سنةٍ مِن غَيبةِ الزوجِ عنها، ولا لولدِ المطلَّقةِ والمتوفى عنها زوجُها إذا أَتَت به لأكثرَ مِن سنةٍ مِن وقت الطلاق أو الوفاة] اهـ.
ولا يُشترط في ثبوت الإقرار بالنسب أن يكون في مجلس القضاء، ولا أن يكون مقرونًا بما يبين وجهه، ولا أن يكون صاحبه صادقًا في نفس الأمر، ما لَم تُكَذِّبه بينة، ولا يُشترط أيضًا أن يكون صريحًا، بل يجوز أن يكون ضمنًا؛ كسكوت الأب عند تهنئته بالمولود مثلًا، ولا يشترط أن يكون باللفظ بل يجوز أن يكون بالإشارة حتى مع القدرة على العبارة، وبالكتابة الخالية مِن مَظِنَّةِ التزوير، كما تصح في بينة النسب الشهادة بالتسامع، كما هو الراجح والمعمول به في ذلك كله في فقه السادة الحنفية.
ويجب على القاضي أن يحتال بكل وجهٍ لإثبات النسب؛ لأن المشرِّع يتشوف إلى إثبات النسب مراعاةً لحق الطفل، وإحياءً للولد، وحملًا لحال المرأة على الصلاح، ولذلك أثبت النسب بشتى الوسائل: كالشهادة، والإقرار، والقيافة، وغيرها من الوسائل، فإذا تبين للقاضي أن الطفل وُلِد مِن زواجٍ صحيحٍ أو حتى مِن زواجٍ فاسدٍ أو وطءِ شبهةٍ فعليه أن يحكم بثبوت النسب، وله أن يأخذ في هذا الصدد بالوسائل العلمية المادية التي توصل إلى معرفة الحقيقة.
أمَّا إذا لم يثبت لديه شيءٌ مِن ذلك، بل كان الأمرُ محضَ زنًا فيجب عليه أن لا يُثبِت النسب بين ذلك الطفل وهذا الرجل، حتى لو ثبت بالبصمة الوراثية أن هذا مِن هذا؛ حيث لا يثبُتُ النسب إلَّا مِن جهة الشرع، لا بالطبع.
الحاصل: أنه يجوز إثبات النسب بالبصمة الوراثية باعتبارها مِن الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات إذا كان ذلك في عقدِ زواجٍ صحيحٍ أو فاسدٍ أو وطءِ شبهةٍ، أما في حالة الزنا فلا يثبت نسب الطفل إلى الزاني، وإنما يُنسَب لأمه فقط؛ لأن ماء الزنا هدَرٌ؛ أي لا يُعتَدُّ به شرعًا.
كما أن مِن المقرر شرعًا أن الإقرار بالنسب إذا تمَّ مستوفيًا لشروطه فإنه لا يقبل الإنكار بعد ثبوته ولا يحتمل النفي ولا ينفك بحال، وذلك سواء أكان المُقِرُّ صادقًا في الواقع ونفس الأمر أم كاذبًا؛ حيث نص الفقهاء على أنه إذا أقر الرجل لولدٍ لم يَدَّعِه غيرُه بأنه ولدُه، وكان هذا الولد يولَد مثلُه لمثل المُقِرِّ، ولم يصرح المقِرُّ أن هذا الولد مِن الزنا، ولم يكن هذا الولد مِن أهل التصديق بأن كان لا يُعبِّر عن نفسه، أو كان الولدُ مِن أهل التصديق وصدَّق المُقِرَّ في إقراره: يثبت نسبه مِن المُقِر، ولا يصح للمقر الرجوعُ في إقراره؛ لأن النسب بعد ثبوته لا يقبل الإبطال ولا يصح بعد ذلك نفيه ولا إقرارُ شخصٍ آخر ببُنُوَّتِه.
الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب غير معتدٍّ به شرعًا؛ حيث إن التحاليل يعتريها الخطأ البشري المحتمل، وحتى لو دلت البصمة الوراثية في نفسها على نفي النسب أو إثباته يقينًا فإن ذلك اليقين في نفسه يقع الظنُّ في طريق إثباته، مما يجعل تقرير البصمة الوراثية غير قادر على نفي النسب، أما إثبات النسب بهذه البصمة فلا يكون إلَّا في عقد صحيح لا يتم اللعان فيه بين الزوجين، فإن تم اللِّعان فاللِّعان أقوى مِن البصمة الوراثية.
يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
1- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء؛ سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
2- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
3- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثثٍ لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق مِن هويات أسرى الحروب والمفقودين.
لا مانع شرعًا مِن إلزام المنكِر سواء أكان الرجل أم المرأة أم طرَفًا آخر -كالولي مثلًا- بإجراء تحليل البصمة الوراثية في إطار الزوجية وذلك عندما يدعي أحدهما أو كلاهما قيام علاقة زوجية بينهما مع عدم وجود مانع شرعي للزواج بين الرجل والمرأة ولو لم تثبت تلك العلاقة الزوجية بينهما في ذاتها بشهود أو توثيق أو نحوهما، وكذلك الحال في حدوثِ وطءٍ بشبهةٍ أو عقدٍ فاسدٍ بينهما؛ وهذا لإثبات نسبِ طفلٍ يدَّعي أحدُهما أو كلاهما أنه وُلِدَ منهما، وفي حالة رفض المدَّعَى عليه إجراء التحليل المذكور يُعَدُّ الرفضُ قرينةً قويةً على ثبوت نسب هذا الطفل له، وإن لم نلتفت إلى بقاء الزوجية في ذاتها والآثار المترتبة عليها؛ فإن إثبات النسب لا يعني استمرار قيام الزوجية، وإذا ثبت عدم صحة نسب المولود مِن المدعَى عليه يُعَدُّ المدَّعي للعقوبة التعزيرية المناسبة التي يقررها ولي الأمر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز صلاة الغائب على من مات بسبب وباء كورونا المستجد ولم يُصَلَّ عليه؟
في ظل انتشار الوباء في هذه الآونة: هل يكتفي الإنسان بالدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو يستعين في ذلك بما ورد من الأدعية والأذكار غيرِ المأثورة الواردة عن العلماء والأولياء، بما يُعرف بالمجربات؟
ما فيروس كورونا (COVID-19)؟ وما علاقته بفقه النوازل؟ وما الأثر الذي أحدثه هذا الفيروس الوبائي في الواقع؟
ما حكم إعطاء العمالة اليومية من الزكاة والصدقات في زمن الوباء؟ وذلك نظرًا لانتشار وباء فيروس كورونا، وطبقًا لإجراءات السلامة من الإصابة بالوباء، وأمام التعليمات الواضحة للدولة بالتزام حظر التجول للوقاية من العدوى، التزم الناس بيوتهم، وقلّلوا أعمالهم، وأُجّلوا مصالحهم، مما اضطر المواطنين العاملين بالأجور اليومية (العمالة اليومية والأرزقية) إلى الجلوس في البيوت، واشتدت أحوال كثير منهم حتى صاروا عُرضة لاستغلال المغرضين لهم ضد إجراءات الدولة الوقائية وتعليماتها الرسمية، ومثلهم أصحاب المشاريع متناهية الصغر، وذوي الدخول المحدودة.
فما واجب المجتمع تجاه هذا القطاع الواسع من المواطنين؟ وهل يجوز إعطاؤهم من أموال الزكاة إعانةً لهم على رعايةِ أسرهم وكفاية أهليهم، وسد حاجاتهم وحاجات ذويهم؟
ما حكم تحية العلم والوقوف للسلام الوطني؟ حيث يدَّعي بعض الناس أن ذلك محرَّم شرعًا لما فيه من تعظيم، والتعظيم لا يجوز للمخلوق، خاصةً إذا كان جمادًا؛ لأنه حينئذٍ يكون شِركًا أو ذريعةً إلى الشِّرك، وكذلك هو من التشبه بالكفار في عاداتهم القبيحة، كما أنه يعتبر بدعة؛ لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم.
هل الجماعة شرط لصحة صلاة الجنازة؟ فنظرًا لما تمرُّ به البلاد من وباء كورونا المستجد، وما اتخذته الحكومات من إجراءات وقائية للحد من انتشار هذا الوباء من منع التجمُّعات، وإرجاء بعض العبادات كالجمعة والجماعة في المسجد ونحو ذلك، نجد أن صلاة الجنازة في هذه الآونة يحضرها بعض الأشخاص المحدودين؛ كأن يحضرها ثلاثة أو أكثر أو أقل، فهل يكفي ذلك في صحَّة صلاة الجنازة، أم أنه يشترط فيها حضور الأعداد الكثيرة كما تعودناه في صلوات الجنائز؟