بينما كنتُ أقرأ كتاب "موطأ" الإمام مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي، ولما وصلت إلى الحديث رقم 310 ص 99 تحت عنوان "الصلاة الوسطى" عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما أنه قال: "أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا، ثم قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذِنِّي -أي أخبرني- ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾، فلما بلغتُها آذنتُها، فأمْلَتْ عليَّ: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين، قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي نفس الصفحة رقم 99 تحت رقم 31 حديث ثانٍ في هذا المعنى عن عمرو بن رافع رضي الله عنه أنه قال: "كنت أكتب مصحفًا لحفصة أم المؤمنين رضي الله عنها فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذِنِّي ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾، فلما بلغتُها آذنتُها فأمْلَتْ عليَّ: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. وقرر السائل أنه يقرأ القرآن في مصحف عثمان بن عفان الطبعة المتداولة في مصر والمشرق العربي، وليس في هذا المصحف جملة "صلاة العصر".
وطلب السائل بيان: هل هذه الجملة نسخت؟ وهل النسخ يجوز أن يتم بعد وفاة الرسول وانقطاع الوحي مع أن المعروف أن النسخ جاء على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبوحي في حياته؟ وما هو الرأي في صحة الحديثين؟ وما هو الرأي في تاريخ كتابة مصحفي عائشة وحفصة رضي الله عنهما؟ وهل (كتبتاهما) قبل انتهاء الرسالة أو بعدها؟
على السائل أن يلتزم بالمصحف الإمام "العثماني"؛ فهو الذي تواترت عليه الأمة وتلقته بالقبول، وما قرأ في "موطأ مالك" لا يعدو أن يكون منسوخًا؛ لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "نزلت: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما شاء الله، ثم نسخها الله فأنزل: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾، أو تكون هذه الزيادة تفسيرًا سَمِعَتْهُ عائشة وحفصة رضي الله عنهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إن الثابت قطعًا أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وقت خلافته قد كتب المصحف الإمام ووزَّعه على الأمصار، وأنه قد حرق ما عداه من صحف أو مصاحف، والمقطوع به كذلك أن نزول القرآن قد انتهى بلحوق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بربه، وبالتالي لا نسخ ولا تبديل فيه بعد ذلك.
أما ما ورد في السؤال عما جاء بـ"موطأ" الإمام مالك من أن السيدة عائشة والسيدة حفصة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن قد أمرتا كاتبَي مصحفيهما عندما بلغا قول الله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: 238] أن يكتبا الآية هكذا: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" بزيادة كلمة "وصلاة العصر" مع أن هذه الزيادة غير واردة في مصحف عثمان، فإن العلامة الشوكاني قد نقل -في كتابه "فتح القدير" (1/ 230) عند تفسير هذه الآية- هاتين القراءتين المنقولتين عن السيدة عائشة والسيدة حفصة رضي الله عنهما، وأضاف أنه قد ورد ما يدل على نسخ هذه القراءة فيما أخرجه عبد بن حُمَيد ومسلم وأبو داود في "ناسخه" وابن جرير والبيهقي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "نزلت: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما شاء الله، ثم نسخها الله فأنزل ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: 238]، هذا ولقد اختلف المفسرون والمحدثون في تحديد الصلاة الوسطى، ونقل القرطبي في هذا عشرة أقوال (3/ 209-212)، ثم انتهى في (ص213) إلى أن الاختلاف في الصلاة الوسطى يدل على بطلان من أثبت وصلاة العصر المذكورة في حديث أبي يونس مولى عائشة رضي الله عنها حين أمرته أن يكتب لها مصحفًا قرآنًا، وأضاف القرطبي: "قال علماؤنا: وإنما ذلك التفسير من النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، ثم نقل اختلاف الروايات في هذا عن السيدتين عائشة وحفصة رضي الله عنهما في عبارة "وهي العصر" أو "صلاة العصر"، ونقل عن أبي بكر الأنباري تعقيبًا على تلك الروايات قوله: "وهذا الخلاف في هذا اللفظ المزيد يدل على بطلانه وصحة ما في الإمام -مصحف جماعة المسلمين-".
وبعد فإنه من هذه الإشارات الموجزة يتضح للسائل أن ما قرأه في "موطأ مالك" مرويًّا عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما لا يعدو أن يكون قد نسخ كما روى البراء بن عازب رضي الله عنه ونقله الشوكاني عن مصادره من المحدثين، وإما أن تكون هذه الزيادة قد سمعتها كل منهما تفسيرًا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاعتبرتها كل منهما من لفظ الآية كما جاء في القرطبي، وأميل إلى هذا الرأي الأخير، وعلى السائل أن يلزم المصحف الإمام -مصحف عثمان- فقد تلقته الأمة بالقبول.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجب على مَن يصلي العيد مع الإمام أن يجلس عقب الصلاة لحضور الخطبة والاستماع إليها، أو يجوز له أن ينصرف مباشرةً بعد الصلاة؟
ما مدى مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلبًا لرفع الوباء؟ وهل للإكثار منها أثرٌ في الوقاية من العدوى؟
ما الذي يُستحب من الأقوال والأفعال عند حدوث الزلزال؟ حيث إنه قد وقع زلزالٌ؛ ولم أعرف ما الدعاء الذي يستحب أن أقوله، وهل يجوز أن أُصلِّي ركعتين كما يُصلَّى لصلاة الكسوف والخسوف؟
ما حكم قراءةُ القرآن من خلال جهاز مكبر الصوت قبل صلاة الفجر والجمعة؟ فهناك مسجد مجاور لنا يتم فيه قراءة القرآن الكريم بشكلٍ يوميٍّ مِن خلال جهاز مكبِّر الصوت قبل أذان الفجر بعشر دقائق وكذلك قبل الأذان في صلاة الجمعة فقال البعض: إن هذا بدعة ويأثم من يفعل ذلك؛ فنرجو منكم بيان حكم ذلك.
سائل يقول: هل يجوز أن أقول لشخص قادم من الأراضي المقدسة بعد تمام حجه: "تقبل الله حجك" أو غير ذلك؟
ما حكم البسملة لمن بدأ القراءة من وسط السورة؟فقد ذهبتُ إلى المسجد وأردت أن أتلو بعض آياتٍ من القرآن خارج الصلاة، فشرعت في التلاوة من منتصف سورة الأنعام، فاستعذت بالله ثم شرعت في التلاوة مباشرةً دون الإتيان بالبسملة، فهل ما فعلته هذا صحيحٌ أو خطأ؟