04 فبراير 2024 م

لماذا شهدت مدينة القدس بالخصوص أحداثًا تاريخيةً كثيرةً على مَرِّ الزمان؟

لماذا شهدت مدينة القدس بالخصوص أحداثًا تاريخيةً كثيرةً على مَرِّ الزمان؟

الأحداث بالنسبة للأشياء عمومًا تزداد وتقِلُّ على حسب أهمية هذه الأشياء، فلا يمكن أن تكثر الأحداث في مدينة لا قيمةَ لها، أو مكانتها ضعيفة، وبنفس هذا المنطق تزداد وتكثر الأحداث وتتوارد على مرِّ العصور والقرون في مدينة لها من الأهمية والفضائل ما لا يُمكن حصره أو عدُّه كما هو الحال مع مدينة القدس، إنه لما كانت لمدينة القدس تلك المكانة الدينية والدنيوية، الروحية والحسية كان من المناسب أن يحمل التاريخُ عنها أحداثًا كثيرة، ومواقف خطيرة خالدة على مرِّ الزمان.

إن مدينة القدس زهرة المدائن، وأرض النُّبوات، ومهد الرسالات، ومنبع البركات، ومدينة الإسراء والمعراج لمن خُتمت به النبوات، وقد جعلها الله تعالى مقصد النبيين والصحابة والعلماء على مر العصور والأزمان، وقد حظيت هذه الأرض بمكانة رفيعة في التاريخ الإسلامي، لم تتساوى معها في ذلك مدينةٌ؛ كيف لا وهي التي تتمتع بتلك المكانة رفيعة المستوى؟!

إن مدينةً بها هذه الخصائص جديرة بأن تكون محلَّ أنظار العالم، وموضع اهتمام الكثير ممن يعيشون على ظهر المعمورة، وكذلك تفسر هذه الخصائص وتلك المكانة أسبابَ أطماع من عمدوا إلى اغتصابها على مرِّ العصور.

ومما نحب أن نذكره أثناء إجابتنا على السؤال المطروح أن استمدادها هذه المكانة ليس محصورًا في جهة واحدة، إنما استمدت مدينة القدس مكانتها من الشرائع السماوية، كما استمدتها من موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية التي تُبهر العابرين وتسرُّ الناظرين، فمن النماذج التي تؤكد استمداد مكانتها من جهة الدين أن بها أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى المبارك، وغيره من المشاهد والمواطن الدينية الكثيرة والعريقة في نفس الوقت.

 ومن النماذج التي تؤكد استمداد مكانتها من جهة موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية أن كان بها ملتقى التواصل بين دول قارات العالم القديم؛ فقد جعلها موقعها محطَّ أنظار البشرية على مر العصور؛ إذ تقع على هضبة فوق القمم الجبلية التي تُعتبر السلسلة الوسطى للأراضي الفلسطينية.

وفي الجملة فمدينة القدس شهدت ومرَّت بهذه الأحداث التاريخية لما لها من هذه المكانة والأهمية، إضافة لما قامت على أرضها من الحضارات الكثيرة، ولهذا فقد تنوعت تلك الأحداث ما بين أحداث دينية وتاريخية.

المراجع:

  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 2/ 329، ط. دار الكتاب العربي.
  • فتوح البلدان، للبَلَاذُري، ص: 140، ط. مكتبة الهلال.
  • الفتح القسي في الفتح القدسي لعماد الدين الكاتب، ص: 65 وما بعدها، ط. دار المنار.
  • موسوعة المدن والقرى الفلسطينية، لعدد من المؤلفين: أبو حجر، آمنه إبراهيم، 2/ 756، ط. دار أسامة.
  • تاريخ الرسل والملوك؛ للطبري 1/ 435-440، ط. دار التراث.
  • البداية والنهاية، لابن كثير 1/ 376، وما بعدها، 6/ 87، 313، ط. دار إحياء التراث العربي.

لا يمكن أن يوصف استقرار سيدنا سليمان عليه السلام بفلسطين بأنه مرور بها، إذ العلاقة بينه وبين هذه البلاد أعمق من ذلك بكثير، وذلك لما شهدته هذه البلاد من سيدنا سليمان عليه السلام من عطاءات ومواقف حياتية استمرت عشرات السنين.


مما يميز مدينة القدس خصوصًا ودولة فلسطين عمومًا عن كثير من غيرها من المدن أو البلدان، أن الله تعالى اختصها وجعلها موطنَ التقديس والتطهير، ومنبع البركات، وأرض النبوات، ومهبط الرسالات، فقد اختصها سبحانه وتعالى بكثير من الخصائص، فكانت موئلًا للسادة الأنبياء ومستقرًّا لأجسادهم الطاهرة في حياتهم البرزخية، ولا يخفى أن هناك تلازمًا بينها وبين الأنبياء، فهم سكنوها لكونها مباركةً، وهي ازدادت ببركة سكناهم على أرضها؛ فلذا يظهر لنا سبب اتخاذهم لها موطنًا يسكنون ويُدفنون فيه، في نفس الوقت الذي يظهر فيه مدى ما تركوه فيها من بركات ونفحات في حياتهم وبعد مماتهم.


من الأنبياء الذين ازدادت بهم فلسطين الغالية بركةً وفضلًا وقداسة نبي الله سيدنا داود عليه السلام؛ لأنه من أكابر الأنبياء وأشهرهم، وهو من نسل الخليل عليه السلام، وقد اختصه الله تعالى بجملة من الخصائص، منها: أنه تعالى ورَّثه ملك طالوت، وآتاه الزبور، وتفضل عليه بالحكمة وفصل الخطاب، وعلمه صنعة الحديد وألانه له، وسخر له الجبال والطير بالتسبيح معه، وجعله خليفته في أرض بيت المقدس التي ولد وعاش فيها على أرجح الأقوال.


مما ينبغي على المسلمين اعتقاده اعتقادًا لا يخالطه أدنى ريب أن نصر الله قريب، وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح على المسلمين المسجد الأقصى لا محالة، طال الزمان أو قصر، كثر الطغيان أو قل، وأن هذه البلاد المقدسة ستكون محل خلافة المسلمين، وأن بلاد الشام، ومصر، وهذه الدول لابد أن الله تعالى سيرعاها، ولن يتركها، وأن اشتداد الكربات، وازدياد الأزمات لا ينبغي أن يؤثر على اعتقادنا وثقتنا في البشارات والوعود التي نطقت بها نصوص الشريعة الإسلامية الغراء.


بلاد القدس تشتمل على فضائل ومزايا دينية وروحية كثيرة، ولعل هذا من أهم ما يجعلها مطمعًا لكثير من المعتدين على مر العصور، ولم تكن حالة الاحتلال التي تعيشها الأراضي الفلسطينية هي الأولى من نوعها، فقد تعرَّض بيت المقدس للاحتلال مِن قبل الصَّليبيين سنة ٤٩٢هـ - ١٠٩٩م، وقد نتج عن هذا العدوان والاحتلال فساد كبير؛ فغيَّروا معالمها واعتَدَوْا على أهلِها وأساؤوا إلى مقدساتِ المسلمين فيها، ولم يتمكَّن المسلمون مِن استردادِها على مدى تسعة عقود إلى أن سخر الله سبحانه وتعالى للمسلمين قائدًا مجاهدًا قوي العزيمة صادق النيَّة: هو السلطان صلاح الدين الأيوبي فأعانه الله على جهاد هؤلاء المعتدين، وتمكن من تحريرها سنة 583هـ - ١١٨٧م، فأعاد لها قدسيتها وطهرها من هذا الدنس الذي انتشرت رائحته الكريهة وأفسدت الأجواء على العباد والبلاد.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 مايو 2025 م
الفجر
4 :20
الشروق
6 :0
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 43
العشاء
9 :11