04 فبراير 2024 م

سيدنا إبراهيم عليه السلام

سيدنا إبراهيم عليه السلام

إنَّ سيدنا إبراهيم عليه السلام من أهم وأجل الأنبياء الذين مرُّوا بفلسطين؛ لأنه أبو الأنبياء، ولأنه خليل الله، ومعلوم أنه لم يولد بفلسطين؛ لأنه قد اختلفت الأقوال في الموضع الذي وُلِدَ فيه وليس من بينها فلسطين، فقيل: إنه ولد بالسوس من أرض الأهواز، وقيل: ولد ببابل، وقيل: بالسواد من ناحية كوثى، وقيل: بحران، إلَّا أن الجميع اتفقوا على أن مولده كان في عهد نمرود بن كوشن.

 وقد هاجر الخليل إبراهيم عليه السلام إلى بلاد كثيرة: فهاجر ومن آمن معه إلى مكة، وإلى حرَّان، وهاجر أيضًا إلى مصر، ثم خرج عليه السلام من مصر مهاجرًا إلى الشام، ومعه ابن أخيه نبي الله لوط ابن هاران عليه السلام، الذي نزل الأردن فأرسله الله إلى أهل سدوم وما يليها.

ثم بعد ذلك دخل عليه السلام فلسطين، ولم يكن دخوله فلسطين مجرد مرور بها، إنما هو عبارة عن سكنى وإقامة لها أهمية كبيرة، وآثار بالغة، وقد نزل بمكان منها يسمى السبع؛ فاستوطنه مدة من الزمن، وانتقل عنه إلى مكان آخر يقال له: قط، وهو مكان بين الرملة وإيليا من أرض فلسطين أيضًا، وقد تحدث القرآن الكريم عن أن فلسطين كانت طوقَ النجاة بالنسبة للخليل عليه السلام؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾[الأنبياء: 71]؛ فهذا البيان القرآني يوضح لنا مدى أثر بركة هذه الأرض المقدسة؛ فهي تقرر أن الله تعالى قد نجاه بدخوله أرض فلسطين التي باركها سبحانه وتعالى معنويًّا بمثل هذه السكنى الطيبة، وحسيًّا بأن جعل أرضها خصبة، وأشجارها كثيرة، وثمارها وأنهارها طيبة، فكان العيش فيها طيبًا، ومن هنا طابت لسيدنا إبراهيم عليه السلام واتخذها مستقرًّا له وموطنًا لإقامته؛ فكثرت فيها ماشيته ونعمه وغلمانه.

 ومن شدة ارتباطه بأرض فلسطين العامرة ظل بها عليه السلام إلى أن لقي ربه، وقُبِر في المربعة التي بناها سيدنا سليمان عليه السلام في مدينة حبرون، والتي هي إحدى مدن فلسطين، وقد دفن بجانب زوجته السيدة سارة من ناحية الغرب، وقد تولى دفنه أولاده إسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وكان لهذا المرور الذي صحبته السكنى والاستقرار والدفن -الذي هو مرور مميزٌ فارقٌ في تاريخ بلاد فلسطين- أثرٌ واضح من جميع الجهات؛ فقد تأثر المكان بذلكم النبي تأثرًا بالغًا، مما يدلل على عمق الارتباط، والذي يبينه ويوضحه أن أحد أبواب القدس، وهي المدينة التي بها المسجد الأقصى يسمى باسم "باب إبراهيم"، وهو أحد أبوابه الشهيرة، ومن ذلك أيضًا أن قد سُميت "حَبرون" وهي البلدة التي دفن فيها هو وولده إسحاق باسم "مدينة الخليل عليه السلام"، ومن أدل الدلائل على هذا الارتباط الوثيق، والعلاقة العميقة بين سيدنا إبراهيم عليه السلام وبين فلسطين: أن ضريحَه من العلامات البارزة المشهورة فيها.

المراجع:

  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 1/ 86، وما بعدها، ط. دار الكتاب العربي.
  • "تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس"، للعلامة محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري، 1/ 86، ط. دار صادر.
  • البدء والتاريخ، لمطهر بن طاهر المقدسي، 3/ 51، ط. مكتبة الثقافة الدينية.
  • شرح الشفا، للعلامة الملا القاري، 1/ 335، ط. دار الكتب العلمية.
  • البداية والنهاية، لابن كثير، 1/ 201، ط. دار إحياء التراث العربي.
  • تاريخ الطبري، للطبري، 1/ 233، وما بعدها، ط. دار التراث.

هذا الحدث التاريخي من أهم الأحداث التي شهدها بيت المقدس عبر القرون، ونتناول الحديثَ عن هذا الحدث من خلال نقطتين:


مما يميز مدينة القدس خصوصًا ودولة فلسطين عمومًا عن كثير من غيرها من المدن أو البلدان، أن الله تعالى اختصها وجعلها موطنَ التقديس والتطهير، ومنبع البركات، وأرض النبوات، ومهبط الرسالات، فقد اختصها سبحانه وتعالى بكثير من الخصائص، فكانت موئلًا للسادة الأنبياء ومستقرًّا لأجسادهم الطاهرة في حياتهم البرزخية، ولا يخفى أن هناك تلازمًا بينها وبين الأنبياء، فهم سكنوها لكونها مباركةً، وهي ازدادت ببركة سكناهم على أرضها؛ فلذا يظهر لنا سبب اتخاذهم لها موطنًا يسكنون ويُدفنون فيه، في نفس الوقت الذي يظهر فيه مدى ما تركوه فيها من بركات ونفحات في حياتهم وبعد مماتهم.


الأحداث بالنسبة للأشياء عمومًا تزداد وتقِلُّ على حسب أهمية هذه الأشياء، فلا يمكن أن تكثر الأحداث في مدينة لا قيمةَ لها، أو مكانتها ضعيفة، وبنفس هذا المنطق تزداد وتكثر الأحداث وتتوارد على مرِّ العصور والقرون في مدينة لها من الأهمية والفضائل ما لا يُمكن حصره أو عدُّه كما هو الحال مع مدينة القدس، إنه لما كانت لمدينة القدس تلك المكانة الدينية والدنيوية، الروحية والحسية كان من المناسب أن يحمل التاريخُ عنها أحداثًا كثيرة، ومواقف خطيرة خالدة على مرِّ الزمان.


تشتمل دولة فلسطين على مجموعة من المعالم التي تدل على قيمة الحضارة الإسلامية المتجذرة في أعماق هذه الدولة الإسلامية العريقة، وإن معرفة هذه المعالم واطلاع المسلمين عليها ودرايتهم بها من الأمور البالغة الأهمية خصوصًا في هذه الآونة التي يحتاج فيها العالم الشرقي إلى مزيدٍ من الوعي التاريخي والحضاري والديني وغير ذلك، وهذه المعالم مما جعل لدولة فلسطين من المزايا ما ليس لغيرها من كثير من الدول الإسلامية والعربية، ولقد سطرت كتب التاريخ، وتناقلت، وأثبتت وصف هذه المعالم، والحديث عنها، وعن تاريخها بحيث لا يُمكن مع ذلك أن ينكر من له أدنى عقل أو أقل حدٍّ من الإنصاف نسبةَ هذه المعالم إلى الحضارة الإسلامية أو شيئًا من ذلك.


ليس من الغريب على بيت المقدس أن يغتصبه الغاصبون وأن يعتدي عليه المعتدون، فمن الذين فتحوا بيت المقدس وحرروه من أيدي الغاصبين الجبارين: نبيُّ الله يوشع بن نون المتصل نسبه بنبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن الخليل إبراهيم عليه السلام، فتى موسى، وأحد تلاميذه، ووارث نبوة بني إسرائيل من بعده عليهم جميعًا السلام، وهو المراد بالفتى في قصة سيدنا موسى والخضر، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: 60]، وقد ورد في "صحيح البخاري" أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن هذا الفتى هو: نبي الله يوشع بن نون الذي صحب موسى في قصة ذهابه إلى الخضر عليهم جميعًا السلام.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 19 يوليو 2025 م
الفجر
4 :24
الشروق
6 :6
الظهر
1 : 1
العصر
4:38
المغرب
7 : 56
العشاء
9 :26