04 فبراير 2024 م

فتح صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس

فتح صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس

بلاد القدس تشتمل على فضائل ومزايا دينية وروحية كثيرة، ولعل هذا من أهم ما يجعلها مطمعًا لكثير من المعتدين على مر العصور، ولم تكن حالة الاحتلال التي تعيشها الأراضي الفلسطينية هي الأولى من نوعها، فقد تعرَّض بيت المقدس للاحتلال مِن قبل الصَّليبيين سنة ٤٩٢هـ - ١٠٩٩م، وقد نتج عن هذا العدوان والاحتلال فساد كبير؛ فغيَّروا معالمها واعتَدَوْا على أهلِها وأساءوا إلى مقدساتِ المسلمين فيها، ولم يتمكَّن المسلمون مِن استردادِها على مدى تسعة عقود إلى أن سخر الله سبحانه وتعالى للمسلمين قائدًا مجاهدًا قوي العزيمة صادق النيَّة: هو السلطان صلاح الدين الأيوبي، فأعانه الله على جهاد هؤلاء المعتدين، وتمكن من تحريرها سنة 583هـ - ١١٨٧م، فأعاد لها قدسيتها وطهرها من هذا الدنس الذي انتشرت رائحته الكريهة وأفسدت الأجواء على العباد والبلاد.

وفتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي لم تكن بدايته عندما دقت طبول تلك المعركة التي هُزم فيها الصليبيون هزيمة ساحقة، بل بدأ حينما أعده والده حينما كان طفلًا صغير السن، وجهزه دينًا وحسًّا ومعنًى لهذا اليوم.

وإن قراءة أحداث وملابسات هذا الفتح قراءةً تحليلية لهو شيء يُثمر نتائج إيجابية يُرجى أن يعود نفعها على القضية الفلسطينية الحالية، وذلك يكون من خلال محاور:

المحور الأول: أن الملفات المتعلقة بقضية تشغل أمة بأكملها ينبغي أن يتم وضع الحلول المناسبة لها بصورة منظمة ومحددة بوقت وبطرق فعالة، وبإجراءات واضحة، وأن يجمع أصحاب هذه القضية من العرب والمسلمين الموجودين على سطح البسيطة؛ فإن صلاح الدين الأيوبي لم يتوجه مباشرة لبيت المقدس، بل قام بحل المشكلات وإزالة العقبات المحيطة ببيت المقدس، وذلك بأن فتح الرملة والدَّاروم وغزة ومشهد إبراهيم الخليل عليه السلام وبيت لحم والنطرون وكل ما كان بيد الداوِيَّة، وكانت آخر المعاقل التي حرَّرها صلاح الدين قبل التوجُّه إلى بيتِ المقدس هي عسقلان التي كانت على طريق مصر.

المحور الثاني: التعاون الحقيقي بين أبناء المسلمين والعرب الذين تهمهم هذه القضية، والمبادرة الواقعية من الجميع من دون أدنى تخاذل أو تراجع، ومن دون خرق وحدة صف الأمة بأدنى تصرُّف ممكن؛ فقد أعدَّ السلطان صلاح الدين لفتح المدينة المقدسة بإرسال الأسطول المِصري؛ ليُبحر بقيادة الأمير حسام الدين لؤلؤ إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط لردِّ أي سفينة تابعة للصليبين قد تصل مِن أوروبا، وحتى لا يتفاجأ بمن يأتيه من الخلف وهو يحاصر المدينة؛ لأنَّ بيت المقدس لا تبعُد كثيرًا عن البحر، وتقدَّم هو بالجيش الإسلامي يُرافقه الملك العادل وابنه العزيز عثمان الذي انضمَّ إليه بعد فتح عسقلان، وكان الفرنج قد استعدوا فـي المدينة ونصبوا المجانيق فوق أسوارها وفرقوا على كل برج من الأبراج فريقًا من الجند، المجهزين المدربين على القتال؛ فكانوا في غاية الحصانة والامتناع.

المحور الثالث: التخطيط الجيد لإدارة هذه القضية وعدم التسرع في اتخاذ القرارات؛ فإن صلاح الدين لم يقم بالهجوم على الصليبيين إلا بعد التخطيط الجيد ودراسة الموقف، وذلك حينما دار حول مدينة القدس لمعرفة نقطة الضعف لدى العدو؛ حتى يغتنم هذه الفرصة، فإنه لما لم يجد موضع قتال إلا من الجهة الشمالية من جهة باب العمود انتقل إلى تلك الناحية ونصب المجانيق، ثـم أمر قادة جيشه بضربها، ورماها بالمجانيق.

المحور الرابع: فهم الحيل والألاعيب التي يقوم بها العدو المحتل، فإنه لما أيقن الصَّليبيون بالهلاك وأن المدينة على وشك السقوط- أرسلوا جماعة منهم إلى السلطان صلاح الدين لطلب الأمان، غير أنَّ السلطان أبى إلا قتالهم؛ لتخليص الناس من شرورهم وفاسدهم وطغيانهم الذي استمر 91 عامًا.

المحور الخامس: الأخذ بما قرره الإسلام من مبادئ تنظم هذه الأمور، كمبدئ الشورى؛ فإنه لما ألح الصليبيون في طلب المصالحة جمع مستشاريه وأصحاب الرأي في مِن جنده وقادة جيشه، وعقد مجلسًا للمشورة وعرض الأمر على أهل الرأي؛ لدراسة هذا الأمر، فأشاروا عليه بقبول الصلح فنزل على رأيهم، وأخذ بمشورتهم ولم يتمسك برأيه؛ لأنه القائد، وإنما اقتدى بخير البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يشاور أصحابه ويأخذ بمشورتهم، وختم الأمر بقبول التسليم ومصالحة الإفرنج على مجموعة من الشروط التي كان يقتضيها واقع هذه المعركة.

ومن خلال هذه المراحل نستطيع أن نقرأ فتح صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس بعين الواقع المعاصر، مع إدراكنا أن الظروف متغيرة؛ لنعمل على تحقيق أقصى فائدة ممكنة من تجربته في حل نفس القضية التي ازدادت بتقادم الزمان وطول الوقت تعقيدًا.

المراجع:

  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 10/ 33 وما بعدها، ط. دار الكتاب العربي.
  • كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، لأبي شامة المقدسي، 3/ 330 وما بعدها، ط. مؤسسة الرسالة.
  • مقدمة ابن خلدون، 5/ 360 وما بعدها، ط. دار الفكر.

مِن الأنبياء الذين مرُّوا وعاشوا بأرض فلسطين المباركة: روحُ الله وكلمته، وعبده ورسوله، سيدُنا عيسى عليه الصلاة والسلام، خاتم أنبياء بني إسرائيل، وأحد الخمسة المرسلين من أولي العزم، فقد وُلد عليه السَّلام في «بيت لحم»، وهي قرية قريبةٌ مِن القدس؛ فجاء في حديث المعراج أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلَّى تلك الليلة في المكان الذي وُلد فيه عيسى، وورد أن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص كان يبعث إلى بيت لحم ببيت المقدس -حيث ولد عيسى- زيتًا؛ لأجل أن يُسْرَجَ المسجد الأقصى ويُضاء به.


لا يمكن أن يوصف استقرار سيدنا سليمان عليه السلام بفلسطين بأنه مرور بها، إذ العلاقة بينه وبين هذه البلاد أعمق من ذلك بكثير، وذلك لما شهدته هذه البلاد من سيدنا سليمان عليه السلام من عطاءات ومواقف حياتية استمرت عشرات السنين.


مما ينبغي على المسلمين اعتقاده اعتقادًا لا يخالطه أدنى ريب أن نصر الله قريب، وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح على المسلمين المسجد الأقصى لا محالة، طال الزمان أو قصر، كثر الطغيان أو قل، وأن هذه البلاد المقدسة ستكون محلَّ خلافة المسلمين، وأن بلاد الشام، ومصر، وهذه الدول لابد أن الله تعالى سيرعاها، ولن يتركها، وأن اشتداد الكربات، وازدياد الأزمات، لا ينبغي أن يؤثر على اعتقادنا وثقتنا في البشارات والوعود التي نطقت بها نصوص الشريعة الإسلامية الغراء.


هذا الحدث التاريخي من أهم الأحداث التي شهدها بيت المقدس عبر القرون، ونتناول الحديثَ عن هذا الحدث من خلال نقطتين:


بدأ هذا الفتح حينما حاصر المسلمون بيت المقدس؛ لأنهم طلبوا أن يدخلوا، ولكن منعهم الرهبان الذين أصروا على ألا يدخل إلا الرجل الموصوف عندهم، وحينها قال قائد الرومان أرطبون في فلسطين لا يفتح هذه البلاد إلا رجل صفته كذا وكذا، وأخذ يصف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وحينما أرسل كل من عمرو بن العاص وأبي عبيدة بن الجراح إلى أمير المؤمنين يقصون عليه الأمر، استشار الناس، فأشار عليه سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن يخرج إلى فلسطين، فسمع له أمير المؤمنين، واستخلفه على الناس.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 أبريل 2025 م
الفجر
4 :39
الشروق
6 :14
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :55