22 نوفمبر 2023 م

سيدنا إبراهيم عليه السلام

سيدنا إبراهيم عليه السلام

الثابت تاريخيًّا أن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام استقرَّ في آخر حياته بفلسطين ودُفن بها، وقد اختُلف في موطن ولادته؛ فقيل: وُلِدَ بِالسُّوسِ من أرض الْأَهْوَازِ. وقيل: ولد بِبَابِلَ. وقيل غير ذلك. ولكن المتفق عليه أنه تنقَّل كثيرًا بين بلدان متعددة؛ منها: مصر، والحجاز، والشام، وغيرها، وكانت فلسطين هي مستقرَّ وموطنَ إقامة نبي الله إبراهيم عليه السلام الأخير.

ولم تكن إقامة سيدنا إبراهيم ودفنه بفلسطين أمرًا عابرًا أو حدثًا تاريخيًّا مضى عليه الزمان، بل ربطت بسيدنا إبراهيم وفلسطين علاقات رُوحية وحسية عميقة، أثبتت أن فلسطين قد تأثرت تأثرًا بالغًا بسيدنا إبراهيم الذي هو أبو الأنبياء، ومن ذلك أن قد كتب الله تعالى الخلود لاسمه الكريم، فنجد أن هناك أشياء كثيرة تم تسميتها باسمه الكريم، فمنها مثلًا مسجد إبراهيم عليه السلام الذي هو من المعالم الشهيرة بفلسطين، وكذلك أحد أبواب القدس الشهيرة للقدس، وهو باب إبراهيم، وأيضًا البلد المعروف الآن بمدينة "الخليل"، والتي هي "حبرون"، وهي موضع قبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولد ولده يعقوب، وهذا كله في المربعة التي بناها سُليمان بن داود عليهم جميعًا السلام، وقد دُفن في هذا الموضع عند قبر زوجته سارةَ في مزرعة حبرون بفلسطين، وتولى دفنَه إسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فمن ذلك البيان التاريخي الواقعي نُدرك أن فلسطين وطنٌ عاش فيه الخليل عليه السلام ودُفن فيه، وأن فلسطين وطن عاشت بعض مقدساته بالخليل عليه السلام؛ فلذا لم تكن الصلة بينه وبين فلسطين متوقفة عند حد، بل هي ممتدة إلى أن يشاء الله.

ومما يُرشدنا إلى تلك العلاقة الوطيدة بين سيدنا إبراهيم وفلسطين: أن منطقة الخليل قد حظيت بأنواع وفنون العمارة، وكذا نالت اهتمامَ كثير من أعيان العلماء والأئمة والزهاد والعباد، بصورة تعكس قدسيةَ وقيمة هذا المكان، فضلًا عن أنها من المناطق المؤثرة وذات القيمة بتلك الدولة المباركة.

ولا مِراءَ في أن تلك الصبغة الخليلية على المقدسات الفلسطينية إنما تستقي غذاءها من تلكم المكانة الرفيعة التي يتمتع بها سيدنا إبراهيم عليه السلام بين أفراد العالمين؛ إذ إن الله تعالى قدِ اصطفاه وأتم عليه نعمه واتخذه خليلًا؛ لكمال عبوديته وإخلاصه العبادةَ له تعالى، والمسارعةِ إلى رضاه ومحبته؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]. وقال تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: 125]، ويكفي في بيان مكانته ومنزلته قول تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: 120]؛ فلنا أن أرض فلسطين تشرَّفت بأن عاش بها رجُلٌ بأُمَّة، وفوق ذلك دُفن بها، وانتشرت أنفاسُه وبركاته بين جنباتها.

المراجع:

  • الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 1/ 86، وما بعدها، ط. دار الكتاب العربي.
  • "تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس"، للعلامة محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري، 1/ 85، ط. دار صادر.
  • البدء والتاريخ، لمطهر بن طاهر المقدسي [ت: نحو 355هـ]، 3/ 52، ط. مكتبة الثقافة الدينية.
  • شرح الشفا، للعلامة الملا القاري، 1/ 335، ط. دار الكتب العلمية.
  • الأخبار الطوال، للدينوري [ت: 282هـ]، ص 8، ط. دار إحياء الكتب العربي.
  • البداية والنهاية، لابن كثير، 1/ 200، ط. دار إحياء التراث العربي.
  • تاريخ الطبري، للطبري، 1/ 293، ط. دار التراث.

شهد الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم المسجدَ الأقصى باعتباره قبلةً يصلون إليها قبل أن تتحول القبلة إلى بيت الله الحرام، فلم تكن مقولة (أولى القبلتين) بالنسبة لهم حدثًا نقله تاريخ الإسلام إليهم، بل كان ذلك بالنسبة لهم واقعًا يعيشونه، ونسيمًا صافيًا يتنفسون وينهلون من هوائه الصافي.


بداية العلاقة بين سيدنا تميم الدار وبين فلسطين كانت منذ مولده؛ حيث وُلِدَ رضي الله عنه وأرضاه في بيت لحم بفلسطين، وسيدنا تميم بن أوسٍ بن خارجة من بني عبد الدار، هو راهب هذه الأمة، وواعظهم في زمانه، وكُنْيَتُه: أبو رُقيَّة، وينتسب إلى بني عبد الدار بطنٍ من لخم، ويصل نسبُه إلى جده "الدار بن هانيء" الذي كان مقيمًا في أرض الخليل إبراهيم عليه السلام ببيت المقدس.


سيدنا واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر بن عبد العُزَّى الليثي رضي الله عنه، من الصحابة الكرام الذين عاشوا بأرض فلسطين، متحققًا في ذلك بنصيحة سيدنا رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الواردة فيما رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" عن ذي الأصابع -ثوبان بن يمرد- رضي الله عنه قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ الله إِنِ ابْتُلِينَا بَعْدَكَ بِالْبَقَاءِ أَيْنَ تَأْمُرُنَا؟، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَأَ لَكُمْ ذُرِّيَّةٌ يَغْدُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَيَرُوحُونَ»، وشأنه في ذلك شأن كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فهو مع كونه كان يسكن بقرية البلاط -من قرى غوطة بدمشق- وقبلها المدينة المنورة، حيث شَرُفَ واثلة بخدمة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ثلاث سنوات إلا أنه اختار فلسطين موطنًا ومُستقرًّا له بعد ذلك.


صلةُ نبي الله داود عليه الصلاة والسلام بفلسطين قائمةٌ على أساس أن الله تعالى قد جعله خليفته في أرض بيت المقدس، ويظهر في كونه خليفةً لله تعالى في هذه البلاد أن في ذلك إشارة واضحة إلى تخصيص الله تعالى وإكرامه لهذه البلاد، فهي بهذا محل أنظار الله تعالى ورضوانه منذ زمن بعيد.


تفضَّل الله تعالى على أرض فلسطين وخصها بمجموعة من المزايا والخصائص، وأكرمها بكثير من العطايا والهبات: فمنها أن جعلها مَسْرَى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعراجَه، ومنها أن قَدْ أمّ صلى الله عليه وآله وسلم جميعَ أنبياء الله تعالى فيها، ومنها أنه تعالى جعلها أرضًا مباركة كما أخبر عن ذلك في كتابه العزيز: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، ومنها أنَّ أكثرَ الأنبياء عليهم السلام قد بُعثوا منها وانتشرت شرائعهم وآثارُ بركتهم وطاعتهم لله تعالى فيها، فلا مراءَ في أن أرضًا يسكن بها أنبياء الله ورسله لابد أنها تشتمل على قدُسية وفضائل وهبات من الله تعالى.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 29 أبريل 2025 م
الفجر
4 :39
الشروق
6 :14
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :55