18 مايو 2022 م

رعاية الأسرة

رعاية الأسرة

أَوْلَى الإسلام أمر الأسرة بالعناية والرعاية؛ فأحاطها بسياج محكم يشمل كل جوانب الإنسان؛ حيث ينشأ مع العقيدة ويسري في التعبُّد ووسائل التقرُّب إلى الله تعالى، فضلًا عن كشفه سمات طريقة بناء الأسرة المثالية عبر مراحلها المختلفة، مع ضبطٍ متين لممارسات الأسرة وتفاعلات أفرادها وفق جملةٍ من الشروط والمعايير الشرعيَّة والعرفية.

إن آية خلق الزَّواج -وهو أساس تكوين الأسرة- عقيدة راسخة لدى المسلم باعتبارها سنة من سنن الله الكونية والضرورية لانبثاق الحياة على وجه الأرض، وضمان توليدها ووجودها؛ حيث قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: 36]، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: 49].

كما أنَّ الزواج وما يترتب عليه من حقوق وواجبات وآثار يعتبر عبادة، وقربة يتقرب بها أفراد الأسرة -من الزوجين والأولاد- إلى الله تعالى، وقد حثَّ الشرع الشريف كُلًّا من الرجل والمرأة على الانطلاق في كُلِّياتِ هذه العلاقة وجزئياتها من مبدأ المساواة؛ كحق لهما بالسويَّة؛ فكلاهما مكلَّف بحقوق وواجبات وثواب وجزاء على قدرٍ متساوٍ إلا ما نُصَّ على تخصيصه بأحدهما دون الآخر؛ وفي ذلك يقول تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» "سنن أبي دواد".

ولقد ورد الشرع الشريف بالأحكام والآداب التي من شأنها تهيئة الحياة الزوجية وفق علاقة خاصة تختلف في مفاهيمها وسماتها وآثارها عن تلك العلاقات التي تقوم على أساس جافٍّ، يؤدي الطرف الأول فيها واجباته تجاه الطرف الآخر بدقة وصرامة، ثم إنَّه لم تقتصر رعاية الإسلام للأسرة على ما ينشئ العلاقة فقط، بل امتد اهتمامه لآدابها وبيان الحقوق والواجبات وصولًا إلى الفُرق التي تُنهيها أيضًا على وجه مفصَّلٍ ملائم لكل حالة شهدتها الحياة الأسرية، بل ما قد يستجد مستقبلًا. ويلاحظ حرص الشرع الشريف في سياق تقرير الحقوق وبيان الواجبات على تأكيد أنَّ الحياة الزوجية لا ينبغي لها أن تقتصر على استيفاء الحقوق والمطالبة بالواجبات فقط، بل لا بد أن تُبنى على المعاشرة بالمعروف والمعاملة بالفضل قولًا وفعلًا وخُلُقًا؛ وذلك لأنَّ العلاقة الزوجية كأرضٍ خصبةٍ يتشارك الزوجان في زراعتها ونماء غرسها، وهم الأبناء.

وبجانب ذلك جعل الشرعُ الأهلَ والأقاربَ باعتبارهم مصادر مكملة للأسرة من أجل تحقيق الاندماج بين الزوجين؛ وشرع في حقِّهم تجاه الزوجين النصيحةَ والإرشادَ ومدَّ يد العون والمساعدة في تبادل الخدمات المادية والمعنوية، وتوفير الرعاية النفسية وقواعد السلامة العامة، وإثقال مهارات الزوجين في التعامل مع بعض في المواقف التي تستجد في حياتهما وتطويرها، بل ندب إلى اختيار حَكَمين صالحين ليفصلَا بين الزَّوجين إذا استدعى الأمر ذلك؛ وذلك مضبوط بعدم توسُّعِ هذا الإرشاد والمساعدة حتى يصل إلى حدِّ تحفيزِ أحدِ الطرفين ضد الآخر، ولا يخفى ما في ذلك من المفاسد خاصَّةً أنَّه تهديد حقيقي لهذا الزواج.

وبذلك تتكشف مظاهر رعاية الإسلام للأسرة، وسمات الاهتمام الذي يوليه لها عبر مراحلها المتعاقبة؛ من تشريعِ الأحكام العامة للزواج، وفُرَقهِ، وآداب العشرة الطيبة، وإرشاد الزوجين إلى سمات الأسرة السعيدة، والتنبيه على مواطن المشكلات المهددة لاستمرارها واستقرارها، ولا شكَّ أنَّه إذا ما رُوعي ذلك يحصل ارتقاء لتلك الحياة الأسرية من مجرَّد كونِها صورة تتدفق من خلالها الغريزة الجنسية بين طرفين، إلى كونها عمليَّة اجتماعيَّة ذات طبيعة إنسانية، ومن ثَمَّ يكون بناؤها صلبًا ينعم أفرادها في ظلاله بالرحمة والسعادة ووسائل الكرامة والفلاح.

*****

 

حث الشرع الشريف الزوجين على الآداب الشرعيَّة والاجتماعية وغرسها في نفوس الأبناء؛ لتعويدهم على طهارة البدن والقلب وتزكية النفس والروح، والتمسك بشعار الحنيفية السمحة التي فطر الله تعالى الناس عليها.


يتناول بعض الباحثين قضية تنظيم النسل بصورة معكوسة؛ حيث يتوهم أنها تتعارض مع قضية الرزق، مع استشهادٍ ببعض النصوص الشرعيَّة المحرِّمة لقتل الأولاد من أجل الفقر والعجز عن الاكتساب؛ كما في قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151].


تتشابك الجذور الإنسانية والشرعية في جعل الوالديْن في مكانة عالية ودرجة رفيعة داخل الأسرة، فلا يوجد نظام اجتماعي عبر التاريخ غير متمسك بسريان الصلة بين الأبناء ووالديهما؛ فالعلاقة بينهما قائمة على الإنسانية المحْضة باعتبار الوالدَيْن مظهرًا كونيًّا تجلت فيه صفة الإيجاد والخلق للأبناء، والأولاد أيضًا زينة حياة الوالدين ومظهر كمالها واستقرارها؛ كما في قولِه تعالى: ﴿الْمَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].


حفظ أسرار الزوجية له أهمية كبرى في بناء الحياة الأسرية السعيدة؛ باعتباره قيمةً أسرية شرعية واجتماعية وأخلاقية؛ لذا حظر الشرع الشريف على كلا الزوجين التحدث عنها والكشف عن مستور هذه العلاقة؛ خاصة أنها ذات طبيعة خاصة مبنية على الامتزاج والميثاق الغليظ ودوام الألفة.


العنف ضد الرفق واليسر والسهولة، ويشمل كل فعل ونمط سلوكي يلحق الأذى بالنفس أو بالغير؛ سواء كان حسيًّا أو معنويًا، مباشرًا أو غير مباشر، ظاهرًا أو مستترًا، باللفظ أو الفعل.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 23 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :55
الشروق
6 :27
الظهر
12 : 58
العصر
4:33
المغرب
7 : 28
العشاء
8 :49