22 فبراير 2018 م

الإعلامُ بالحب وأثره في النفس والمجتمع

الإعلامُ بالحب وأثره في النفس والمجتمع

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «أَعْلَمْتَهُ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «أَعْلِمْهُ» قَالَ: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود.
وفي رواية عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِب رضي الله عنه، وَقَدْ كَانَ أَدْرَكَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» رواه أبو داود.
وفي روايةٍ أَنَّ أَبَا سَالِمٍ الْجَيْشَانِيَّ، أَتَى أَبَا أُمَيَّةَ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه، يَقُولُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيَأْتِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لله عَزَّ وَجَلَّ» وَقَدْ أَحْبَبْتُكَ فَجِئْتُكَ فِي مَنْزِلِكَ. "مسند أحمد".
يرشدنا هذا الحديث الشريف إلى استحباب الإعلام بالحبِّ من قِبَلِ المحبِّ لمن يحبه.
والسؤال الآن: ما هو الدَّافع لهذا الحبِّ في الأعمِّ الأغلب؟
يجيب على ذلك الإمام المناوي بقوله: [أي لصفاته الجميلة؛ لأن شأن ذوي الهمم العلية والأخلاق السنية إنما هو المحبة لأجل الصفات الْمَرْضِيَّة؛ لأنهم لأجل ما وجدوا في ذاتهم من الكمال أحبُّوا من يشاركهم في الخِلال؛ فهم بالحقيقة ما أحبوا غير ذواتهم وصفاتهم، وقد يدعي شموله للمحبة الذاتية أيضًا إذا عرت عن المقاصد الفاسدة، ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: 220]] اهـ.
وكيف يكون هذا الإعلام؟
يجيب على ذلك الإمام المناوي أيضًا بقوله: [بأن يقول: إنِّي أحبك لله، أي: لا لغيره من إحسان أو غيره] اهـ.
والسؤال الآن ما هو السر في مشروعية واستحباب هذا الإعلام؟
من المؤكد أن الحب في حدِّ ذاته شيء كريم وعظيم، فبعضهم يقول: إن الحب هو سر الحياة، وهو الغرض من خلق الخلق؛ يقول الحكيم الترمذي: [الحُبُّ سِرٌّ الله تَعَالَى في العباد، يفتح لهم من ذلك على أقدارهم بمشيئته بما سبق لهم من الأقدار مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله تبَارك وَتَعَالَى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ۞ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ [الأنبياء: 101-102]، ﴿مُبْعَدُونَ﴾ أَي عن النَّار ثمَّ ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾،كَأَنَّهُ أجازهم الصِّرَاط وهم لَا يَشْعُرُونَ بهَا؛ فالحُبُّ سِرٌّ فِي الْإِيمَان، وَالْإِيمَان بارزٌ ظَاهرٌ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: 7]، فَالله تَعَالَى عرف نَفسه أهل منته بالمنة وخوفهم من عَظمته ورجاهم من كرمه وأخشاهم من ربوبيته؛ فنالوا هذه الْأَشْيَاء من المعرفَة المشحونة بِهَذِهِ الْأَشْيَاء، وَأما الْحبّ فَإِنَّهُم نالوا حبهم لَهُ من حبه لَهُم] اهـ.
ولكن الحب قد يعتريه الفتور وانطفاء جذوته.
من أجل ذلك شرع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإعلام بالحب؛ فإنه تأكيد لهذا الحب، وأبقى للألفة، وأثبت للمودة، وهو يرمي أيضًا إلى بعث واستجلاب الوداد من الْجَانِب الآخر.
وَإِذَا اعْتَرَاك الْوَهْمُ مِنْ حَالِ امْرِئٍ ... وَأَرَدْت تَنْظُرَ خَيْرَهُ مِنْ شَرِّهِ
فَاسْأَلْ ضَمِيرَك عَنْ ضَمِيرِ فُؤَادِهِ ... يُنْبِيك سِرُّك بِاَلَّذِي فِي سِرِّهِ
ثم إنه يعني من بعد ذلك الحث على استمرار الود والتآلف، بل إن به يتزايد الحب ويتضاعف.
ولا يخلو هذا الحب من انعكاس آثاره على الحياة الاجتماعية، فيؤدي إلى حدوث آثار اجتماعية حميدة من اجتماع الكلمة، وانتظام الشمل بين المسلمين، وبه يكون التراحم والتعاطف، وزوال المفاسد والضغائن، ولا شك أن هذا من محاسن الشريعة ومن مقاصدها.
المصادر:
- "معالم السنن شرح سنن أبي داود" للخطابي.
- "فيض القدير" للمناوي.
- "تحفة الذاكرين" للشوكاني.
- "بريقة محمودية" لأبي سعيد الخادمي.
 

جاء عن حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ: "انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا". رواه مسلم. يحمل هذا الحديث رافدًا جديدًا من روافد التعامل مع المواقف وفق منهج الحكمة والموعظة الحسنة؛ فها هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع خطبته لأمرٍ من المؤكد أنه من الأمور الهامة، وإلا لما قطع خطبته.


عَنْ عَطَاءٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: "أَشْهَدُ أَنِّي شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَأَتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ، وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ هَكَذَا أَيْ فَاتِحُهُ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْخَرْصَ، وَالْخَاتَمَ، وَالشَّيْءَ" متفق عليه.


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» رواه أبوداود في "سننه". جاء في سبب ورود هذا الحديث ما أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (41/ 147)، عن مالك بن أنس عن الزهري عن أبي حدرد أو ابن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنهم قال: تذاكرنا يومًا في مسيرنا الشكر والمعروف، فقال محمد بن مسلمة رضي الله عنه: كنا يومًا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لحسان بن ثابت رضي الله عنه: «أَنْشِدْنِي قَصِيدَةً مِنْ شِعْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَضَعَ عَنْكَ آثَامَهَا فِي شِعْرِهَا وَرِوَايَتِهَا»، فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً هَجَا بِهَا الأَعْشَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلاثَةَ: عَلْقَمُ مَا أَنْتَ إِلَى عَامِرِ ... النَّاقِضِ الأَوْتَارَ وَالْوَاتِرَ


جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابيّ فقام يبول في المسجد. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه، مه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه دعوه»، فتركوه حتّى بال، ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: «إنّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنّما هي لذكر الله- عز وجل- والصّلاة وقراءة القرآن» ، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه (أخرجه مسلم).


قال تعالى في كتابه الكريم حكايةً عن سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ • قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 مايو 2025 م
الفجر
4 :21
الشروق
6 :1
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 42
العشاء
9 :10