06 فبراير 2018 م

"بدءُ إسلامِ الأنصار"

"بدءُ إسلامِ الأنصار"

 لما أراد الله سبحانه إظهار دينه وإعزاز نبيِّه، وإنجاز وعده له خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في موسم الحَجِّ، فعرض نفسَه على قبائل العرب؛ كما كان يصنع في كلِّ موسمٍ، فبينما هو عند العقبة ساق اللهُ نفرًا من الخزرَجِ أراد الله بهم خيرًا، فكانوا طلائع هذا النور الذي أبى اللهُ إلا أن يكون من المدينة.
فقال لهم: «مَنْ أَنْتُمْ»؟ قالوا: نفرٌ من الخزرج، قال: «أَمِنْ مَوالِي اليَهود»؟! قالوا: نعم. قال: «أَفَلَا تَجْلِسُونَ إِليَّ أُكَلِّمُكُمْ»؟! قالوا: بلى، فجلسوا إليه، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، وكان من أسباب مسارعتهم إلى قبول دعوة الإسلام أن يهودَ كانوا يساكنونهم في المدينة، وكانوا أهل كتابٍ وعلمٍ، وكانوا أهل شِركٍ وأصحاب أوثان، وكانت تقع بين اليهود وبين الأوس والخزرج وقائع وحروب، وكانت الغلبةُ للعرب، فكان إذا وقع شيءٌ منها قالوا لهم: "إِن نبيًّا مبعوثًا الآن قد أظلَّ زمانَه سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم"، فلما كلَّم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أولئك النَّفر، ودعاهم إلى الله تهامَسوا وقال بعضهم لبعض: "تعلمون والله إنه النبي الذي توعَّدكم به يهود، فلا يَسْبِقُنَّكُم إليه" رواه أبو نعيم في "الدلائل".

فلا عجب أن أسرعوا إلى إجابته، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، وسنقدم عليهم، وندعوهم إلى الإسلام ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعزَّ منك، ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعد أن آمنوا وأسلموا، وكانوا ستَّةَ نفرٍ فيما ذكر الإمام ابن إسحاق، وهم:
 (1) أسعد بن زرارة من بني النجار، وقال أبو نعيم: إنه أول من أسلم من الأنصار من الخزرج.
 (2) عوف بن الحارث بن رفاعة من بني النجار، وهو ابن عفراء بنت عبيد النجارية، وهي أم معاذ، ومِعْوَذ، وإليها ينسبون.
 (3) رافع بن مالك بن العجلان الزرقي.
 (4) قطبة بن عامر من بني سلمة.
 (5) عقبة بن عامر بن نابي السلمي أيضًا، ثم من حرام.
 (6) جابر بن عبد الله بن رياب السلمي، ثم من بني عبيد. رضي الله عنهم أجمعين.
وذكر العلَّامة موسى بن عقبة في "مغازيه" أنهم كانوا ثمانية، منهم من ذكره الإمام ابن إسحاق، وبعضهم لم يذكره، وهم:
 (1) أسعد بن زرارة. (2) رافع بن مالك. (3) معاذ بن عفراء.
 (4) يزيد بن ثعلبة. (5) أبو الهيثم بن التَّيّهان. (6) عُوَيم بن ساعدة.
 (7) عبادة بن الصامت. (8) ذكوان. رضي الله عنهم أجمعين.
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم أمر رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، ولم تبق دار من دور الأنصار حتى كان فيها ذكر لرسول الله والإسلام.
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة: [واختلفت الروايات، أكانوا ستة أم كانوا ثمانية، وكلهم من الخزرج، ولكن من الروايات ما ذكر فيها أنه كان من الأوس أبو الهيثم.
ومهما يكن، فقد كان أولئك وفد الخير والحق والصدق، فما أن انصرفوا عائدين إلى يثرب، حتى أخذوا يذكرون رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ويدعون بدعوته، حتى عمَّتْ وَفَشَتْ، وتذاكر بها أهل يثرب، ومنهم من استجابوا لدعوة الحق؛ لمجرد ذكرها، ولم يطلبوا بُرهانًا؛ لأنها دعوة إلى التوحيد، وهي في ذاتها صادقة، وكانوا يعلمون بها، إذ يؤمنون بأن الله تعالى خالق السموات والأرض وحده، وما كانوا جاهلين بالله تعالى، بل كان فيهم بقية من ملَّةِ إبراهيم، واليهود بينهم يذكرون لهم أنَّ رسولًا في مكَّةَ المكرَّمة قد بُعث، فكانت الدعوةُ إلى الله تعالى مستجابةً لا مِراءَ فيها.
فَشَا الإسلامُ في المدينة، قبل أن يَقدِم إليها النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقبل أن يرسل مبعوثًا يعلمهم الإسلام، ويتلو عليهم القرآن الكريم، حتى إن الإمام ابن إسحاق يقول -بسنده المتصل-: لم يبق من دور الأنصار دار إلا وفيها ذكرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلِموه جميعًا؛ علِموا دعوتَه إجمالًا، وتهيَّئوا للبيعَة] اهـ.
المصادر
- "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد" للإمام الصالحي.
- "السيرة النبوية" للشيخ محمد محمد أبو شهبة.
- "خاتم النبيين ﷺ" للشيخ محمد أبو زهرة.
- "المغازي" لموسى بن عقبة.
- "السيرة النبوية" لمحمد ابن إسحاق بن يسار.
- "دلائل النبوة" لأبي نعيم الأصفهاني.

 

بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستجيب لأمر الله بدعوة الخلق إلى عبادة الله وحده، ونبذ عبادة الأصنام، ولكنه كان في بداية الأمر يستر أمر النبوة ويدعو إلى الإسلام في السر؛ حذرًا من وقع المفاجأة على قريش التي كانت متعصبةً لشركها، ووثنيتها، فلم يكن عليه الصلاة والسلام يظهر الدعوة في المجالس العمومية لقريش، ولم يكن يدعو إلا من كانت تشده إليه قرابةٌ أو معرفةٌ سابقة. ولقد استمر الأمر هكذا لمدة ثلاث سنين، وكان أبو بكر رضي الله عنه، أيضًا يدعو مَن يثق به من قومه.


لِخُلُقِ الحياء عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آفاق ومعاني لا تَخْلَق عن كثرة المواقف التي تكشف عن مدى عمق هذا الخلق في كيان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، فمما قاله واصفوه فيما رواه الثقات من الرواة بالسند إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال يصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ في وَجْهِهِ" متفق عليه.


عاد الحبيب صلى الله عليه وسلم من بادية بني سعد إلى حضن أمه التي لم ينعم بصحبتها طويلًا فقد فاضت روحها بعد قليل من عودته بعد أن اصطحبته معها لزيارة أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة التي صارت منورة به صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وما لبثت أن توفيت في طريق العودة بمكان اسمه الأبواء ودفنت فيه وتركته صلى الله عليه وسلم يتيم الأبوين، وهو في السادسة من عمره حيث يكون الإنسان أحوج إلى والديه، لكنها إرادة الله.


من الثابت أن المسلمين هاجروا إلى الحبشة مرتين، وكانت الهجرة الأولى في شهر رجب سنة خمس من البعثة، وهم أحد عشر رجلًا، وأربع نسوة، خرجوا مُشاةً إلى البحر، فاستأجروا سفينة بنصف دينار. ثم بلغ المسلمين وهم بأرض الحبشة أن أهل مكة أسلموا، فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة، فلم يجدوا ما أُخبروا به صحيحًا، فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية، وقد سرد ابن إسحاق أسماء أهل الهجرة الثانية، وهم يزيدون على ثمانين رجلًا، وقال ابن جرير: كانوا اثنين وثمانين رجلًا، سوى نسائهم وأبنائهم ... وقيل: إن عدة نسائهم كان ثمان عشرة امرأةً.


هي أم المؤمنين خديجة وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، وكانت تدعى في الجاهلية «الطاهرة»، وكانت تحت أبي هالة النباش بن أبي زرارة فولدت له هندًا وهالة وهما ذكران.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 يوليو 2025 م
الفجر
4 :20
الشروق
6 :3
الظهر
1 : 1
العصر
4:37
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :29