05 ديسمبر 2017 م

ضَبْطُ النَّفسِ

ضَبْطُ النَّفسِ

 النفس الإنسانية جُبِلَتْ على الأَثَرَةِ والشعور بالكمال، والميل إلى اللَّذائذ والشَّهوات، وسبيلُ نجاة الإنسان أن يقاومَ ما بها من نوازع للشر، ويهذِّبها حتى يستغلَّ ما فيها من إمكانات من أجل دفعها لفعل الخير.
والطباع التي جُبِلَتْ عليها النفس من الأَثَرَةِ والميل إلى تحصيل الشهوات وغيرها؛ تدفعها كثيرًا إلى الغضب والحرص والاندفاع بالقول والعمل للإساءة للغير، ما لم يكن هناك حاجزٌ لها من تربيةٍ أو دينٍ أو ظروفٍ تمنع أو تقلِّل من هذا الاندفاع.
إن منهج الإسلام قائمٌ على الاعتدال والتوازن في كلِّ شيءٍ، وبالتالي فإنَّ اندِفاع النَّفس غضبًا أو إساءةً يمثِّل انحرافًا عن المنهج الإسلاميِّ القويم، الذي يأمر بالصَّبر وكظمِ الغيظ والتَّواضُع، ففي أكثر من آية في القرآن الكريم ورد التوجيه بهذه القِيَم، فقال الله تعالى في صفات المتقين: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 134]، وقال في قصَّة لقمان مع ابنه: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [لقمان: 17]، وقال جلَّ شأنه في صفات من دعاهم عباد الرحمن: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63].
وامتدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأشجَّ بن عبد القيس رضي الله عنه وقال له: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا عن ضرورة ضبط النفس عند الغضب: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» رواه البخاري ومسلم.
إنَّ على الإنسان أن يعرف نفسه حقَّ المعرفة، يعرف ما يُسعدها وما يحزنها، ما يُحفزها وما يُثَبِّطُهَا، ومِنْ ثَمَّ يعرف كيف يَسُوسُهَا، وبالعزم والقوة يملك زمامَها ويقودُها، ولا يترك جوارحَه أسيرةَ اندفاع نفسه للانتقام أو لتحصيل الشهوات، قال تعالى: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ [القيامة: 14]، فالإنسان مطالب بأن يقوم برقابة نفسه وحجزها عن السير في طريق الغواية، وسينظر الإنسان في عمله يوم القيامة، فيُقال له: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: 14]، فالإنسان سيتحمَّل مسؤوليةَ أعمالِه ويُحاسَبُ عليها يوم القيامة، ويُحْصِي بنفسِه أعمالَه ليعرفَ إن كان يستحقُّ العذابَ أو المكافأة.
إن انضباط النفس بنهج الإسلام والأوامر الإلهية والتوجيهات النبوية هو السبيل للفوز برضا الله تعالى ودخول جنَّتِه، وليس هذا بالأمر الهيِّن، بل إنه يحتاج إلى مجاهدة ومثابرة لتطويع النفس لتسير على صراط الله المستقيم.
ومما يعين على ضبط النفس الهدوءُ وعدم التعجل؛ فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ» رواه أحمد.
وكذلك توسيع دائرة الاستشارة قبل الإقدام على أي تصرف من التصرفات التي يقوم بها الإنسان، خاصَّة تلك التي يخشى عواقبها، أو يحيك في صدره أنها قد تكون خاطئة وعاقبتها وخيمة؛ وصدق الله إذ يقول لنبيه الكريم: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]، فإذا استشار وانتهى إلى قرار أو عمل ما فليقدم عليه متوكِّلًا على الله عز وجل.
ومن وسائل ضبط النفس الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه، قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجلان يَسْتَبَّانِ، فأحدهما احمرَّ وجهُهُ، وانتفخت أوداجُهُ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ» رواه البخاري، وتغيير الوضعية التي يكون عليها الإنسان حين يغضب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ» رواه أحمد وأبو داود، وكذلك الوضوء؛ فقد رُوِيَ عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» رواه أحمد.
إن ضبط النفس مفهوم واسع مضمونه الأساسي أن يكون الإنسان مالكًا لزمام نفسه، واعيًا بتصرفاته، مدركًا لمآلاتها، حتى وهو يغضب، فلا يغضب لنفسه، بل يغضب كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا انْتُهِكَتْ حُرمات الله؛ فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ضرب شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيلَ منه شيءٌ قطُّ، فينتقمَ من صاحبه، إلا أن يُنْتَهَكَ شيءٌ من محارمِ الله، فينتقمَ لله عز وجل" رواه مسلم.
المصادر:
- "النفس البشرية بين الطاقة الإيجابية والسلبية في ضوء القرآن الكريم" لناريمان عوض، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، جامعة مؤتة، الأردن (ص: 37، وما بعدها).
- "ضبط النفس" للدكتور محمود مسعود، ضمن "موسوعة الأخلاق" (ص: 380، وما بعدها، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).

والصِّدِّيق: الرَّجل الكثير الصدق، وهو من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى في حقِّ إبراهيم عليه السلام﴿إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا﴾ [سورة مريم: 41]، وقد أمر الله تعالى بالصدق فقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] . وعن أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يُلقب قبل البعثة بالصادق الأمين، فعن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ


تفرض الأخوَّة في الدين أن يبذل المرء ما يحب من أجل إسعاد غيره، فيزداد الحب بين أفراد المجتمع، ويترابط أفراده بعُرىً وثقى، فيصير المجتمع قويًّا عفيًّا متوادًّا متعاونًا، وذلك هو خلق الإيثار الذي هو أحد أخلاق المسلمين وصفة من صفاتهم السلوكية؛ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]


خُلُقُ المُدَاراةِ من الأخلاق المهمَّةِ في إقامة العلاقات الإنسانية التي تنزع فتيل التوتُّر وتدرأُ عواقب الخلاف والشِّقاق وإبداءِ الكراهية، وهي تعني: لينُ القولِ والتَّجاوزِ عن البُغضِ تجاهَ شخصٍ ما في التعامل معه؛ اتِّقاءً لشرِّه وأذاه، دون أن يكون في هذا السلوك موافقة على باطلٍ يقوم به.


إفشاءُ الأسرارِ من السُّلوكيات الخطيرة التي تؤدي إلى فسادٍ عريضٍ في المجتمعات، حين يَأتَمن المرءُ أخاه على سرٍّ له؛ ليتبيَّنَ وجهَ الصَّوابِ في معضلةٍ تواجهُه، أو لمواجهةِ ضائِقَةٍ تمرُّ بِه، أو للتَّعامل مع أمرٍ طارئٍ تعرَّض له، فحين يتم إفشاء هذا السر قد يتعرَّض صاحبه لضررٍ أو أذى أو معاناةٍ، وقد يترتب على إفشاء الأسرار فسادُ ذاتِ البَينِ، ووقوع الشِّقاق والخلاف بين الناس وإثارةِ الأحقاد والضغائن في نفوسهم عندما يطَّلعون على سِرٍّ كان خافيًا عنهم.


الإسلام دين المثالية والنزاهة والكمال الإنساني، يأخذ بيد الإنسان لتحصيل الفضائل والوقوف على منطقة الكمال من قواه الإنسانية -العقلية والشهوية والغضبية- فيكون محصلًا لأسمى مكارم الأخلاق، وقد قيل إنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، لأن الأمر بالعرف غاية الحكمة التي هي منطقة الكمال في القوة العقلية، والإعراض عن الجاهلين غاية الشجاعة التي هي منطقة الكمال في القوة الغضبية، وأخذ العفو غاية العفة التي هي منطقة الكمال في القوة الشهوية، فالجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث: الحكمة والشجاعة والعفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 57
العشاء
9 :31