13 نوفمبر 2017 م

الأخلاقيات الاقتصادية في الإسلام

الأخلاقيات الاقتصادية في الإسلام

 لا تنفصل الأخلاق في الإسلام عن أي منحىً من مناحي الحياة، فلا يوجد في حياة المسلم أي فعل أو سلوك يمكن أن يقوم به وهو غير متقيد بالمنظومة الأخلاقية التي أقرَّها الإسلام، وإذا كانت السلوكيات الاقتصادية الماديَّة في العصر الحديث وفق الثقافات الغربية منبتَّة الصلة بالأخلاق إلا على سبيل الاستحباب، وأحيانًا الحرمة، فإنها في المنظور الإسلامي لا تقوم إلا على أساس متين من الأخلاق السامية والقيم النبيلة.
إن المسلم عليه أن يُدْرك أنه خليفة الله سبحانه وتعالى في ملكه، وبالتالي فإنه لا يملك ما في حوزته على الحقيقة، وإنما هو مستخلَف فيه، يقوم فيه بدور الوكيل الذي ينفذ ما يطلبه المالك الحقيقي بأمانة ومسؤولية، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 165]، وقال أيضًا: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: 7]، وقد كلَّف الله الإنسان بإعمار الأرض، قال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ» رواه مسلم،؛ ولذلك فإنَّ الله سبحانه وتعالى سيُحاسِبنا على تعاملنا مع ما رزقنا به من نعم في هذه الحياة، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: 8].
ومن هذا المُنطلق حرص الإسلام على وضع منظومة أخلاقيَّة للتعاملات المتعلقة بالمال والثروة، تعتمد على تقوى الله في هذه المعاملات.
إن استثمار المال وإنفاقه في الإسلام يجب أن يكون في الطَّيبات والمباحات، ولا يجوز الاستثمار والإنفاق في المحرَّمات التي نهانا الله عنها.
ونهى الإسلام عن صور معينة من البيوع والمعاملات التي تؤدي إلى فساد ونزاع، كالربا وبيع الإنسان ما لا يملكه، ونهى عن الغش والخداع والتغرير في المعاملات بحيث تقوم المعاملات على أساس من الوضوح والشفافية، فالأمانة يجب أن تكون قائمة في كل معاملات الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ» رواه الترمذي.
وقرَّرَ الإسلام حقوقًا للمتعاقدين تَضْمَنُ رضاهم عن الصفقات التي يتم إبرامها بينهم، كإقرار الخيارات التي تسمح للمتعاقدين بالرجوع عن الصفقة سواء لتقدير أحد المتعاقدين لمدى مصلحتها له أو لعدم رؤيته لها أو لاكتشافه عيبًا لم يكن معروفًا وقت عقد الصفقة، فالإسلام يجعل الرضا مبدأً مهمًّا تقوم عليه المعاملات الاقتصادية، ويحض على التسامح في إبرامها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» رواه البخاري، ودعا الإسلام أيضًا ترتيبًا على دعوته للتسامح إمهال المعسرين لأداء ما عليهم من حقوق أو العفو عنها، فقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280].
يرفض الإسلام كذلك المعاملات التي ترسخ لثقافة الترف والاستهلاك، والعيش بطريقة تفوق الإمكانات الخاصة بكل إنسان، وفي الوقت ذاته لم يَنْهَ الإسلام عن التمتع بطيبات الحياة الدنيا التي رزقنا الله إياها، لكن دون إفراط ولا إسراف، قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]، فالإفراط في الاستهلاك كما يحدث في الزمن الحاضر يؤدي إلى زيادة الإنتاج أكثر من الاحتياج الحقيقي للبشر، أو العكس، أي أن يقرر البعض زيادة الإنتاج دون احتياج حقيقي ومن ثَمَّ يخلق احتياجًا زائفًا لدي البشر لهذا الإنتاج سواء تغريرًا بالدعاية أو لكثرة العرض، ولهذه الزيادة غير الضرورية في الإنتاج والاستهلاك آثار ضارَّة جدًّا على الموارد والبيئة وحقوق الأجيال القادمة وأنماط الإنفاق والإخلال بتقدير الأولويات التي وضعها الله لنا وأراد منَّا تحقيقها.
ولا يجوز للإنسان أن يكنز ماله ويحبسه عن التداول والإنتاج، فعليه أن ينفق ماله في سبيل الله أو يستثمره بما يعود على المجتمع بالخير والنفع، قال تعالى: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7]، كما فرض الإسلام مساعدة الفقراء والمساكين بواسطة الزكاة المفروضة والصدقات، وكذلك جعل المشاركة المجتمعية من الواجبات عبر الإنفاق في سبيل الله بالزكاة والصدقات، فالإسلام يرفض الأنانيَّة والفرديَّة، ولا يبيح لأتباعه الاستئثار بالخيرات بسبب القوة والنفوذ وحرمان الضعفاء.
إن الرؤية الإسلامية تضع في اعتبارها دائمًا ذلك الاعتبار الأخلاقي الداعي إلى التوازن والاعتدال في الأمور كلها، بلا إفراط ولا تفريط، فهي الأمة الوسط كما قال جَلَّ شأنه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: 143].
المصادر:
- "أخلاقيات الاقتصاد الإسلامي"، للدكتور محمد شوقي الفنجري، ضمن "موسوعة الحضارة الإسلامية" (ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "أخلاقيات التمويل في الاقتصاد الإسلامي" للدكتور الطيب داودي، ومهاوات لعبيدي، ورقة مقدمة للمؤتمر العلمي الدولي الثاني حول دور التمويل الإسلامي غير الربحي –الزكاة والوقف- في تحقيق التنمية المستدامة، جامعة سعد دحلب، الجزائر، 2013م.
- "الأخلاق في الاقتصاد الإسلامي وفي الخطاب القرآني" للدكتور عمر الكتَّاني، ورقة مقدمة لندوة "سؤال الأخلاق والقيم في عالمنا المعاصر"، الرابطة المحمدية للعلماء، المغرب، 2011م.

يمُرُّ الإنسان بأطوار مختلفة في حياته؛ حيث ينشأُ طفلًا ضعيفًا مفتقرًا إلى غيره في أبسط الأمور، ثم يزداد قوَّةً ومعرفةً ومهارةً بمرور الوقت، حتى يصير شابًّا فتيًّا يقدر على الكسب والكفاح في الحياة، ثم يعتريه الضعف مرةً أخرى ويَغْلِبُ عافيتَه البدنية والعقلية رويدًا رويدًا، ولقد بيَّنَ الله تعالى هذه المراحل في قوله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: 54]، فهذا الانتقال من طَورٍ إلى طَورٍ سُنَّةٌ من سُنَنِ الله في خَلقه.


تضمن الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وأحكام الشرع الشريف عددًا من الإشارات الفلكية كانت دافعًا ومُحَفِّزًا لعلماء المسلمين للاهتمام بعلم الفلك والبراعة فيه، كقوله تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]، وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة: 189]، كما جاء الأمر بالتوجه نحو قبلةٍ معيَّنةٍ في الصلاة، قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144]، وتحديد الاتجاه إلى القبلة جهة المسجد الحرام يحتاج إلى معرفةٍ بعلم الفلك في الأماكن البعيدة عن المسجد الحرام، وكذلك تحديدُ مواقيت الصلاة، وبداية الشهور القمرية؛ لأهميَّتِها في أداء المناسك والعبادات المختلفة.


شكلت المياه في مسيرة الإنسانية عاملًا مهما من عوامل قيام الحضارات وازدهارها، كما كان في فقد الماء أو سوء استخدامه تأثير بالغ في انهيار الحضارات واختفائها. وقد وقف القرآن موقفا صريحًا كشف فيه عن أهمية الماء في حياة المخلوقات؛ حيث قال المولى عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، كما جاء في سياق بيان طلاقة القدرة والامتنان على العباد بخلق الماء قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ۞ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 10-11]، وغير ذلك من آيات تكرر فيها ذكر الماء وأنواعه ومصادره ووظائفه وغيرها.


أقام الإسلام المعاملات بين الناس على مبدأ الرضا، فلابد من قبول أطراف المعاملة والرضا بموضوعها وطبيعتها وأوصافها، وذلك كله بما لا يُحل حرامًا أو يحرِّم حلالًا.


اهتم الإسلام بأمر العلم والعناية به، وقد كان ذلك من أوائل التوجيهات الإلهية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمسلمين أيضًا، فكان أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1]، من هذا المنطلق كانت الرؤية واضحةً بالنسبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين، باتخاذ وسيلة ومفتاح تحصيل هذا العلم ونشره عن طريق تعلُّم الكتابة، والتي أوصى الله باستخدامها في موضع آخر، منها مثلًا ما يتعلق بتوثيق الحقوق؛ حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ﴾ [البقرة: 282].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 55
العصر
4:31
المغرب
7 : 58
العشاء
9 :31