06 أغسطس 2017 م

الترجمة في الحضارة الإسلامية

الترجمة في الحضارة الإسلامية

لم تكن الرِّسالةُ الإِسلاميَّة داعيةً للانغلاق والانكفاء على الذَّات، بل إنَّ هذا الانغلاقَ والانكفاءَ يتناقضُ مع كونها دعوةً للعالمين، تخاطب كافَّة الأجناس وتتواصل مع مختلف الثَّقافات، وهذا التَّواصل مُنبنٍ على أساسٍ راسخٍ من رؤية نقيَّةٍ للكون والحياة والوجود، ثم بعد ذلك يمكن أن يتم تطعيم أدوات هذه الرؤية ووسائلها بما توصَّلت إليه من أدوات ووسائل تنفع ولا تخالف هذه الرؤية الذَّاتيَّة الإسلاميَّة.
ومن هذا المنطلق بدأ الاهتمامُ بالترجمة من عهد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتعلمتُ له كتابَ يهود، وقال: «إِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي» فتعلمته، فلم يَمُرَّ بي إلا نصف شهر حتى حَذَقْتُه، فكنتُ أكتبُ له إذا كَتَبَ وأقرأُ له إذا كُتِبَ إليه رواه أبو داود.
وأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطاباتٍ إلى ملوك العالم وقادته في عصره يدعوهم فيها إلى الإسلام، مثل كسرى في فارس، وهرقل قيصر الروم، والنجاشي في الحبشة، والمقوقس في مصر، ولغاتهم ليست عربية.
وظلَّت الحاجةُ إلى الترجمة قاصرةً على مثل هذا المستوى من الشؤون السياسية، حتى جاء خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، المتوفى سنة 85هـ وكان من أعلم قريش، وله اهتمام بالطِّبِّ والكيمياء؛ يقول ابن النديم: [فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مدينة مصر، وقد تفصَّح بالعربيَّة وأمرهم بنقل الكتب في الصَّنعة -أي الطب والكيمياء وغيرها- من اللِّسان اليوناني والقبطي إلى العربي، وهذا أول نقلٍ كان في الإسلام من لغةٍ إلى لغةٍ ثم نقل الديوان وكان باللغة الفارسية إلى العربية في أيام الحجاج] اهـ. ومن هنا يمكن القول بأنَّ حركة الترجمة العلميَّة بدأت في هذا العهد في القرن الأول من الهجرة.
وسار في طريق التَّرجمة أيضًا أبو جعفر المنصور في بداية الخلافة العباسية، فاستقدم أكبر أطباء مدينة "جنديسابور" واسمه "جرجيس بن بختيشوع" وطلب منه أن يترجم له كتابًا في الطب، فقام بترجمته، ثم استدعى آخرين وطلب منهم ترجمة كتب في العلوم المختلفة ففعلوا، ومن أشهرهم ابن المقفَّع الذي طلب منه ترجمة كتب في الأدب الفارسي، ثم اتَّجه المنصور بعد ذلك لطلب ترجماتٍ لكتبٍ يونانيَّة.
من الجدير بالذِّكر في هذا المقام الإشارةُ إلى تشكُّل مراكز قوى من الفُرسِ والرُّوم الذين دخلوا في ظلِّ الحضارة الإسلاميَّة، وكانوا يقومون بالمساهمة في إدارة شؤون الدَّولة والقيام بأعمال التَّرجمة؛ حيث إنَّ هذه الترجمة في البداية كانت مصدر إزعاجٍ لهم خاصة من الفرس الذين حاولوا منع تعريب الدواوين في العصر الأموي، حتى لا يؤثِّر على مكانتهم ونفوذهم بسبب احتكارهم معرفة لغتها، ثم حاولوا توجيه هارون الرشيد في عصر الخلافة العبَّاسيَّةِ إلى الأخذ بعلومهم مثل طِبِّ الِهند، للتمكين للثقافة الفارسية، ولكنهم لم يستطيعوا أن يتفوقوا على اللغة اليونانية في مجال العلوم، وظلت الفارسيةُ مؤثرةً في مجال الأدب.
تقدَّمَتْ حركة الترجمة كثيرًا وقفزت قفزة كبيرة في عهد الخليفة المأمون، الذي أحدث نُقلةً كبيرةً في مجال الترجمة عن اللغات المختلفة في العديد من المجالات، وكان العلماء العرب يأخذون الترجمات الجديدة لكتب الفرس واليونان والمصريين والهنود وغيرهم ليطَّلِعوا على ما فيها ويناقشون ما بها من أفكار، وكان المأمون يعقد مجالس علميَّة تشبه المؤتمرات ويحضرها بنفسه لمناقشة مختلف القضايا العلمية، كما قام بإعادةِ ترجمة بعض الكتب التي سبق ترجمتها؛ لما رآه فيها من ضعفٍ، وأمر مسؤوليه في مختلف البلاد؛ مثل سوريا ومصر وأرمينيا لجلب الكتب الموجودة عندهم لترجمتها، ولم يتوقَّف الأمر عند تدخُّل الحكَّام والولاة لتنشيط حركة الترجمة مثل ما فعل المأمون، بل تجاوز الأمر هذه المساحة ليقوم ذوي المقدرة بدعم حركة الترجمة لاهتمامهم بالعلم وتقدمه.
وبالرغم من الأهميَّة الكبيرة لهذا الانفتاح على العلوم التي كانت عند الأمم المختلفة، ولم تكن موجودة أو لم تكن متقدِّمة عند العرب، غير أنه قد تأثرت الأفكار الإسلاميَّة بفلسفات غريبة عن الثقافة الإسلامية، وقد كان لهذا أثرًا سلبيًّا على طريقة صياغة كثيرٍ من المسائل في العقيدة الإسلاميَّة، وليس على جوهر العقيدة طبعًا، ولكن هذه الصِّياغاتِ الغريبة عن روح الثَّقافة الإسلاميَّة أثَّرت على تلقي هذه المسائل لما صارت عليه من تعقيدٍ وإغراقٍ في مناقشاتٍ قليلةِ الأهميَّة، وإن كان لهذا الأمر جانبًا إيجابيًّا من ناحيةٍ أخرى تمثَّل في تمكُّن علماء المسلمين من استيعابِ هذه الفلسفاتِ والرَّدِّ عليها وإثباتِ تهافتها أمام العقيدة الإسلاميَّة، والاستفادة من بعض مناهجها في التفكير والاستنباط، وعلى صعيدِ العلوم الأخرى؛ كالطِّبِّ والحسابِ والفلك وغيرها، تمكَّن العلماءُ المسلمون من استيعاب ما توصَّل إليه علماءُ الحضاراتِ الأخرى، وتفوَّقوا عليهم وقدَّموا إسهاماتٍ علميَّة مذهلة تخطَّت المستويات التي وقفت عندها هذه العلوم عند الأمم الأخرى بمسافة كبيرة، وصارت هذه العلومُ عربيَّةً من حيث طريقةُ صياغتها باللغة العربية والبيئة العربية الحاضنة لها وتأثرها بثقافة العرب، وكذلك مساهمتها في تحسين أوضاعهم وتلبية احتياجاتهم لها، ولم يعد الأمر كما صار الآن مجرَّد تلقٍّ من الآخرين لما ينتجونه، سواء كنا في احتياج إليه أم لا، بل صرنا نُكيِّف أوضاعنا على ما تقدِّمه الحضارات الأخرى من جهد وإنتاج علمي، دون أن نطوِّر في عصرنا الرَّاهن ما نحتاج له فعلًا لحلِّ ما نواجه من أزمات.
ومن المفهوم أنَّه بعد تقدُّم المسلمين العلمي الهائل في مختلف المجالات، ونمو الدَّولة الإسلاميَّة الكبير، وانتشار اللغة العربية في أصقاع العالم المختلفة، أن تسعى الأمم الأخرى للترجمة عن العربية للاطلاع على هذا التقدم الهائل الموجود لدى العرب والمسلمين، فصار تعلُّم اللغة العربيَّة من الأمور الدَّالَّة على الثقافة والعلم عند غير العرب، وسافر العديد من طلاب العلم والباحثين من أوروبا وغيرها لحواضر العالم الإسلامي للتعلُّم والاطلاع على ما لدى المسلمين من مظاهر التقدُّم العلمي والثقافي والحضاري.
المصادر:
- "الفهرست" لابن النديم.
- "وفيات الأعيان" لابن خلكان.
- "الترجمة وأثرها في تقدم المسلمين" لحمادي العبيدي، "مجلة التنوير"، العدد الأول سنة 1993م، تونس.
 

"الأدب" كلمةٌ ترجع إلى معنى الاجتماع والضيافة والكرم، ومن ذلك تسمية العرب للمأدبة، فكان العرب يقولون: أدِبَ القومَ يأدبهم أدبًا، إذا دعاهم إلى طعامٍ يتَّخذه، وكان إقراءُ الضيوف وتقديمُ الطعام لهم من أرقى الخصال التي يتحلَّى بها المرءُ في هذه البيئَة الصَّحراويَّةِ المُقْفِرَةِ؛ حيث كان امتلاكُ الطَّعام هو السبيلُ الدُّنيويُّ الوحيد تقريبًا للحياة، فكان تقديمُه للضيوف دليلًا على رُقِيٍّ أخلاقيٍ عالٍ، وَسُمُوِّ نفسٍ كبيرٍ.


من العلوم التي أسهم فيها المسلمون بإسهام وافر وبارز علوم الحكمة أو الفلسفة كما هو شائع، وتهتم علوم الحكمة بالنظر العقلي البحت لتكوين رؤية كلية للكون وللحياة، ومصطلح الفلسفة الإسلامية يوحي بارتباط هذا المفهوم بالقيم القرآنية والنبوية، فهو يكون رؤية شاملة للكون والخلق والحياة والخالق لا تتعارض مع كليات العقيدة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الآن نظرية المعرفة في الحضارة الإسلامية،


عرفت الحضارة الإسلامية القضاء منذ ظهور الإسلام؛ فلقد حكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وخلفاؤه الراشدون بين الناس، وبعث النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم عليًّا رضي الله عنه إلى اليمن للقضاء بين الناس، وبعث كذلك معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وبعث الخليفةُ الصدِّيقُ أبو بكر رضي الله عنه أنسَ بن مالك إلى البحرين ليقضي بين الناس، وبعث الفاروقُ عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري إلى البصرة قاضيًا، وبعث عبدَ الله بن مسعود إلى الكوفة قاضيًا.


حرص الإسلام منذ ظهوره على إقامة مجتمع ذي طابع خاص، تكتنفه الأخلاق الكريمة، وتحكمه المبادئ العليا والقيم السامية، وحرص كذلك على أن يشتمل المجتمع على العوامل التي تدعم استقراره وتعمل على شيوع الفضائل بين أهله وتنبذ كل خلق معوج وانحراف في القول أو العمل؛


شكلت المياه في مسيرة الإنسانية عاملًا مهما من عوامل قيام الحضارات وازدهارها، كما كان في فقد الماء أو سوء استخدامه تأثير بالغ في انهيار الحضارات واختفائها. وقد وقف القرآن موقفا صريحًا كشف فيه عن أهمية الماء في حياة المخلوقات؛ حيث قال المولى عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، كما جاء في سياق بيان طلاقة القدرة والامتنان على العباد بخلق الماء قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ۞ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 10-11]، وغير ذلك من آيات تكرر فيها ذكر الماء وأنواعه ومصادره ووظائفه وغيرها.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 24 مايو 2025 م
الفجر
4 :15
الشروق
5 :57
الظهر
12 : 52
العصر
4:28
المغرب
7 : 47
العشاء
9 :17