30 مايو 2017 م

البِر

البِر

البِرُّ كلمةٌ جامعةٌ لخصال الخير، أقوالًا كانت أم أعمالًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» رواه مسلم، ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]، يقول المفسرون: إنَّ المقصود بتولية الوجه شرقًا وغربًا الصلاةُ، أي ليس البرَّ أن تصلُّوا فقط ثم لا تعملوا، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45]، أو أن المقصود بها الأمم الأخرى الذين يتبعون عقائد تخالف عقيدة الإسلام، وفي هذا حرصٌ وتوجيهٌ ليحافظ المسلمون على التصورات العقائدية والتشريعات التي أنزلها الله تعالى إليهم، فبيَّن الله حقيقةَ البِرِّ بأنه يتضمن الإيمان بالله والملائكة والرسل والكتب المنزلة، والكرم والتصدق والعطف على المحتاجين، وتحرير العبيد، والالتزام بالفروض والواجبات، والوفاء بالعهود، والصبر في البأساء والضراء... إلخ، وهنا يبين الله تعالى أن رؤية المسلم متوازنةٌ ومكوَّنَةٌ من عدة عناصر تجتمع مع بعضها حتى تقدم صورةً متكاملةً للنمط الذي ينبغي أن يتمثَّله المسلم في سعيه في هذه الحياة الدنيا، فلا يركن إلى جانبٍ واحدٍ، ويعتقد أن فيه خلاصه ونجاته، بل عليه أن يصيب من وجوه الخير المختلفة بنصيب مناسب لإمكاناته التي وهبه الله إياها، وأن يوفِّي الحدَّ الأدنى الذي افترضه الله عليه فيها على الأقل، ثم يزيد بعد ذلك رغبة في نيْل رضا الله وعفوه.
إنَّ تحقُّقَ المسلمِ بهذه الصفات الرَّاقية تجعل منه نموذجًا يُحتذى، ويكون عنوانًا على الإسلام وتوجيهاته، فينال بذلك حسن الثواب في الدنيا والآخرة؛ ولذا ختم الله تعالى الآية التي تتحدَّث عن البرِّ بقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾، وقال عن الأبرار وعاقبتهم في أكثر من موضع في القرآن الكريم: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ۞ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ۞ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ۞ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ۞ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ۞ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ۞ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ۞ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 18-26]، وأيضًا: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا﴾ [الإنسان: 5].
وأعظم البِرِّ بِرُّ الوالدين، الذي قَرَنَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة والجهاد؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الأعمال أفضل؟ فقال: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه البخاري.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الأبرار الذين ذكرهم في كتابه، وأن يرزقنا ثوابهم ويحشرنا معهم يوم أن نلقاه.
المصادر:
- "تفسير الطبري" (3/ 336) وما بعدها.
- "البر" للدكتور رمضان بسطاويسي محمد، ضمن "موسوعة الأخلاق" (ص: 175، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
 

الكذب من الأخلاق الذميمة التي يقع فيها كثير من الناس للأسف الشديد، وهو خُلُقٌ يجعل صاحبه يقول الشيء على غير حقيقته، ويخالف الواقع الذي هو من خلق الله سبحانه وتعالى. والكذب من صفات المنافقين، يقول تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: 1]، وفي الحديث الشريف: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» رواه البخاري، فالمؤمن ينقص إيمانه بالكذب


قدَّمَ الإسلام نموذجًا فذًّا فريدًا في التعامل مع أتباع غيره من العقائد والديانات؛ فعلى خلاف غيره من بعض العقائد التي تنتشر بين كثيرٍ من البشر، والتي تنظر لغيرها نظرة صراعٍ، وإقصاءٍ، واستئصالٍ، نجد الإسلام يقدم وجهةَ نظرٍ مختلفة، تنطلق من الدعوة منهجًا، للاتفاق مع أتباع غيره على "كلمةٍ سواء" تؤكد على أدنى قدرٍ من الثوابت المهمة التي تجمع بين البشر، وفي الوقت ذاته أيضًا تقوم هذه الرابطة بتقليل فرص النزاع والشقاق.


الإخلاص من القيم والأخلاق المهمة التي يؤدي افتقادها إلى بطلان العمل أو قلة بركته وضياع ثوابه، وفي خِضَمِّ مشاغل الحياة والرغبة في تأمين المعايش وموارد الرزق ينسى كثيرٌ من الناس صدق التوجه إلى الله، الخالق الرزاق القادر على كل شيء، فيعمل بعض الناس العمل من أجل إرضاء شخص له جاهٌ ويُنتظر منه جزاءً على العمل له، أو يلتزمون بشيء خوفًا من عقوبة تطالهم من سلطة أعلى منهم، لا خوفًا من الله ولا إخلاصًا في التوجه له وقصده بالعمل، وهذا شعور دقيق يتعلَّق بالنية، ويخفى على كثير


ما يظن الإنسان أنه يملكه، لا يملكه في الحقيقة، وإنما هو مستخلف في إدارته والتعامل به، وهو تارك لكل ما يملك عند الموت، ومحاسب من الله عز وجل على كيفية إدارته له وتعامله به. إن إدراك الإنسان لهذه الحقيقة هو الطريق الأساسي للتحلي بفضيلة الزهد، التي تجعل الإنسان متصلًا بالله


الإسلام دين المثالية والنزاهة والكمال الإنساني، يأخذ بيد الإنسان لتحصيل الفضائل والوقوف على منطقة الكمال من قواه الإنسانية -العقلية والشهوية والغضبية- فيكون محصلًا لأسمى مكارم الأخلاق، وقد قيل إنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، لأن الأمر بالعرف غاية الحكمة التي هي منطقة الكمال في القوة العقلية، والإعراض عن الجاهلين غاية الشجاعة التي هي منطقة الكمال في القوة الغضبية، وأخذ العفو غاية العفة التي هي منطقة الكمال في القوة الشهوية، فالجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث: الحكمة والشجاعة والعفة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 19 مايو 2025 م
الفجر
4 :19
الشروق
5 :59
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 44
العشاء
9 :13