01 يناير 2017 م

التسامح

التسامح


التسامح من السمات الأخلاقية المهمة للإسلام، فقد حرَص الإسلام على توجيه أتباعه للتخلُّق بخلق التسامح، وحثهم على اللين والرفق والعفو، سواء فيما بين المسلمين أم مع غيرهم؛ قال تعالى عن أتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]، وقال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: 215-216]، وقال أيضًا: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: 40]. وأبلغ ما وجَّه الإسلامُ المسلمين إليه هو التسامح مع غير المسلمين، وإذا كان التوجيه بالتسامح مع غير المسلمين، فمع المسلمين فيما بينهم أوْلى وأثبت، بحيث يكون منهج حياة وسلوكًا عامًّا يسلكه المسلمون في معيشتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، لقد قرر القرآن الكريم مبدأ التعايش بالبر والإحسان مع من لا يُقاتل المسلمين أو يُعاديهم، وأن ذلك من باب القسط أو العدل الذي يحب الله من يتصف به؛ قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، والتسامح في الإسلام لا يعني الضعف والهوان والتبعية لمن تجبر وعلا في الأرض بغير الحق؛ لذا قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 9].

وبالرغم من أن أيَّ عقيدةٍ دينية تنظر لنفسها على أنها صاحبة الحق الأوحد والهداية المطلقة، فإن ذلك لم يكن مبرِّرًا في الإسلام لأي تجاوز أو معاملة بالسوء لأتباع العقائد المختلفة عنه، بل قرر حق الاعتقاد القائم على الحجة والإقناع، وبيَّن أن الاعتقادَ أمرٌ لا يتقرَّر إلا بالإيمان الداخلي ولا يمكن الإكراه عليه، وأن الإكراه إن وقع فإنه أمر مرفوض في المنظور الإسلامي، ولهذا أكد الله تعالى في القرآن الكريم أنه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256]، قيل: نزلت هذه الآية في قوم من الأنصار -أو في رجل منهم- كان لهم أولاد قد اعتنقوا الديانة اليهودية أو المسيحية، فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم على الإسلام، فنهاهم الله عن ذلك حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام، وبيَّن الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن طريق الإكراه غير جائز، وأنه يتعارض مع مشيئة الله جل شأنه في خلقه؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].

ودعا القرآن إلى الحوار مع غير المسلمين، وقرَّر أن تكون قواعد هذا الحوار ووسائله بالحسنى وليس بطريق فيه غلظة أو تنفير؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 46]، وأحل طعام أهل الكتاب للمسلمين وطعام المسلمين لهم، وأباح الزواج من نسائهم؛ قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 5].

إن التسامح في الإسلام منهج عام، وطريقةُ حياة، وينبغي أن يكون روحًا سارية في الأمة: يعفو بعضهم عن بعض، ويتجاوز بعضهم عن بعض، ويقبلون بالتعدد والتنوع والتعايش داخل مجتمعاتهم؛ حتى يلتفتوا إلى مهمتهم الحقيقية من عبادة الله وحده والسعي في الأرض وعمارة الكون، وبذا يتحقق مراد الله من خلقه في استخلافه لهم؛ فينتفعون بعملهم، وينالون رضا الله سبحانه وتعالى وثوابه في الدنيا والآخرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "تفسير الطبري" (5/ 408).
- "التسامح" للدكتور محمد عثمان الخشت ضمن "موسوعة الأخلاق" (ص: 189-194، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).

قدَّمَ الإسلام نموذجًا فذًّا فريدًا في التعامل مع أتباع غيره من العقائد والديانات؛ فعلى خلاف غيره من بعض العقائد التي تنتشر بين كثيرٍ من البشر، والتي تنظر لغيرها نظرة صراعٍ، وإقصاءٍ، واستئصالٍ، نجد الإسلام يقدم وجهةَ نظرٍ مختلفة، تنطلق من الدعوة منهجًا، للاتفاق مع أتباع غيره على "كلمةٍ سواء" تؤكد على أدنى قدرٍ من الثوابت المهمة التي تجمع بين البشر، وفي الوقت ذاته أيضًا تقوم هذه الرابطة بتقليل فرص النزاع والشقاق.


تُعَدُّ الطاعة والانقياد لله سبحانه وتعالى واتباع أوامره من الأمور اللَّازمة لشخصية المسلم؛ فالمسلم يدرك أنه مخلوقٌ لله جلَّ وعلا، وأن مقتضى العبودية لله أداء ما افترضه الله عليه، واجتناب ما نهى عنه، والتقرُّب إليه بشتَّى أنواع العبادات والفضائل.


تفرض الأخوَّة في الدين أن يبذل المرء ما يحب من أجل إسعاد غيره، فيزداد الحب بين أفراد المجتمع، ويترابط أفراده بعُرىً وثقى، فيصير المجتمع قويًّا عفيًّا متوادًّا متعاونًا، وذلك هو خلق الإيثار الذي هو أحد أخلاق المسلمين وصفة من صفاتهم السلوكية؛ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]


أقام الإسلام العلاقات بين الناس على نظامٍ من الاحترام المتبادل والقِيَم النَّبيلة، ويُعدُّ احترامُ الكبير في النَّظر الإسلامي من الأمور المهمة في منظومته الأخلاقيَّة.


العفو من أخلاق الأنبياء، وهو دليل على كمال الإيمان وحسن الظن بالله تعالى، وهو يثمر محبة الله عز وجل ثم محبة الناس، وهو دليل على كمال النفس الإنسانية ويفتح الطريق لغير المسلمين للتعرف على الإسلام . والعفو هو كف الضرر مع القدرة عليه، والفرق بينه وبين الصفح كما يقول الفيروز أبادي: أن الصفح أبلغ من العفو، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحةً جميلة. [بصائر ذوي التمييز


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 26 أبريل 2025 م
الفجر
4 :43
الشروق
6 :16
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 29
العشاء
8 :53