01 يناير 2017 م

في أمر الله تعالى رسولَه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بإظهار الإسلام

في أمر الله تعالى رسولَه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بإظهار الإسلام

كان التحدث بأمر النبوة والدعوة إلى الإسلام في بَدءِ أمرِه يتمُّ في إطارٍ محدودٍ، حتى لا يقاومَها الأعداءُ وهي لم تزلْ في مهدِها، ثمَّ تغيَّر الحالُ بعدَ ثلاثة أعوامٍ مِن بَدء الوحي، حينما نزل قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر: 94]؛ فكان في ذلك أمرٌ مِن الله سبحانه وتعالى لرسوله سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم بإظهارِ الإسلامِ، وكان ذلك في السنة الرابعة من النبوَّة، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجمع القوم ويكاشفهم بأمر الدين الحنيف، وقد بدأ بعشيرته الأقربين؛ فكلَّف ابن عمه عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أن يصنع لهم طعامًا، ويدعو أهله إليه وفيهم عمومته بنو عبد المطلب وأولادهم نحو الأربعين رجلًا، فلما اجتمعوا كلَّمهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في شأن الدين الحقِّ الذي أُرسل به، والإيمان بالله وحده، فغضبوا وقاطعوا كلامه وانصرفوا مسرعين.

ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يفقدِ الأمل، ولم تضعف عزيمته فأعاد الوليمة ثانية في الغداة، فلما اجتمعوا قال لهم: «ما أعلم أن إنسانًا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، لقد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر؟» فأعرضوا عنه، وهمُّوا بتركه.

وكان عجيبًا أن ينهض سيدنا عليٌّ رضي الله عنه وهو لا يزال صبيًّا، فيقول: يا رسول الله، أنا حَرْبٌ على مَن حاربت، وحينئذٍ ابتسم بنو هاشمٍ، وقهقه بعضهم، وأخذ نَظَرهم يتنقَّل بين أبي طالب وابنه، ويقولون لأبي طالب في سخرية: لقد أمرك أن تسمع لابنك وتطيعه! ثم انصرفوا مستهزئين.

على أن استخفافهم هذا لم يقعده عن عزمه، ولم يُسلمه إلى يأسٍ؛ بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم في مرحلةٍ تاليةٍ وسَّع من دعوته لتشمل أهل مكة جميعًا؛ ففي "صحيح مسلم" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قُرَيْشًا، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا»، وفي "صحيح البخاري" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214]، صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» -لِبُطُونِ قُرَيْشٍ- حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ اليَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ [المسد: 2].

ولم يكن ذلك الموقف العدائي مِن مُشركِي مكةَ ليهدئ من حماس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للدعوة إلى الدين الحقِّ، والتفاني في سبيل وصوله إلى الناس؛ وكان عليه الصلاة والسلام مؤمنًا كلَّ الإيمان، واثقًا كلَّ الثقة، بأن هؤلاء الأعداء سوف تنكسر شوكة عداوتهم، وأن يدي أبي لهب هالكتان، وأنه لن يتمكن من العبث بالدعوة، والوقوف في سبيل انتشارها بين أهل مكة. ولقد أسلم مَن آثرَ الآخرة، ومن فتحَ اللهُ قلوبَهم للهداية، ولثوابتِ الدين الجديد التي كان في المقدمة منها: الإيمانُ بالله الواحد الأحد، فلا سلطانَ لغير الله وحدَه، أما هُبَلُ، واللَّاتُ، والعُزَّى، وغيرُها من الأصنام فهي لا تنفع ولا تضرُّ، بل ولا تُغني عن نفسها شيئًا؛ قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ﴾ [الرعد: 16]، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا﴾ [الأنعام: 71].

عاد الحبيب صلى الله عليه وسلم من بادية بني سعد إلى حضن أمه التي لم ينعم بصحبتها طويلًا فقد فاضت روحها بعد قليل من عودته بعد أن اصطحبته معها لزيارة أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة التي صارت منورة به صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، وما لبثت أن توفيت في طريق العودة بمكان اسمه الأبواء ودفنت فيه وتركته صلى الله عليه وسلم يتيم الأبوين، وهو في السادسة من عمره حيث يكون الإنسان أحوج إلى والديه، لكنها إرادة الله.


لا شكَّ أنَّ العقلَ عنصرُ الأخلاق الشَّريفة، ومنه ينبعث العلم والمعرفة. ومن المعلوم لكلِّ ذِي لُبٍّ أنَّ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم من أعقَلِ خَلقِ اللهِ، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاقِ في نفس الأمر، فبحسبِ عقله صلى الله عليه وآله وسلم كانت علومُه ومعارفُه، وهو عليه الصَّلاة والسَّلام أحسنُ النَّاسِ خلقًا وعلمًا ومعرفةً وعقلًا، وذلك سجيَّةً فيه وطبعًا.


- مدخلُ رسول الله ﷺ -سيرتُه في بيته-: يقول الإمام الحسين بن علي رضى الله عنهما: "سألت أبي عن مدخل رسول الله عليه الصلاة والسلام -سيرته في بيته-"؟ فقال: "كان دخوله عليه الصلاة والسلام لنفسه مأذونٌ له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزَّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله عز وجل، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثم قسَّم جُزأَه بينه وبين الناس فيرُدّ بالخاصة على العامة، ولا يدّخر عنهم شيئًا. فكان من سيرته في جزءِ الأُمَّةِ إيثار أهل الفضل بإذنه، وقَسَّمه على قدر فضلهم في الدين؛ فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج؛ فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمَّة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول عليه الصلاة والسلام : «ليبلِّغ الشاهدُ منكم الغائب، وأبلغونا حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سُلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبَّتَ اللهُ قدميه يوم القيامة»، لا يُذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبلُ من أحد غيره، يدخلون عليه رُوادًا، ولا يفترقون إلا عن ذواقٍ، ويخرجون أدلةً -يعني فقهاء-" رواه الترمذي.


بدأ الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم حياته العملية برعي الغنم، ثم انتقل للعمل بالتجارة، فقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام رافق عمه أَبَا طَالِبٍ في رحلة تجارية إلى الشام وهي تلك الرحلة التي لقيهم فيها راهب نصراني اسمه (بحيرا) وسألهم عن ظهور نبي من العرب في هذا الزمن، وعندما أمعن النظر في الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وتكلم معه عرف أنه هو نبي آخر الزمان المنتظر، الذي بشَّر به عيسى عليه السلام؛ ولذا فقد حذَّر هذا الراهب أَبَا طَالِبٍ من اليهود، وطلب منه أن يعود به إلى مكة سريعًا وقد أخذ أبو طالب بالنصيحة.


قالت  عائشة رضي الله عنها: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. رواه البخاري (4953). وروى أبو نعيم عن علي بن الحسين رضي اللَّه تعالى عنه وعن آبائه قال: إن أول ما أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى شيئًا في المنام إلا كان كما رأى.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 18 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :51
الشروق
6 :24
الظهر
12 : 59
العصر
4:35
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :56