الإثنين 15 ديسمبر 2025م – 24 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

"الإمام أبو حنيفة ومشورة أصحابه"

"الإمام أبو حنيفة ومشورة أصحابه"


من الأهمية بمكان إدراكُ حقيقة نشأة المذاهب الفقهية وكيفية عملها واستنباط الأحكام بها، ومما يغفل عنه كثيرٌ من الناس أن هذه المذاهب لا تمثل رأي الإمام الذي تُعرف باسمه فقط، وإنما تمثل رأي العلماء أو الجماعة العلمية التي تُكَوِّنُ هذا المذهب أو ذاك.

وفي هذه السطور نتعرض لمذهب الحنفية الذي يُنْسَبُ للإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، وقد ولد رضي الله عنه بالكوفة سنة 80 هجرية، وتوفي سنة 150 هجرية، ولقد كان عالمًا فذًّا لا يختلف أحدٌ على غزارة علمه وفطنته وذكائه، وكان الإمام الشافعي يقول: "الناس في الفقه عيالٌ على أبي حنيفة"، ومع ذلك لم يكن الإمام أبو حنيفة ينفرد برأيه دون مشورة تلاميذه الذين كانوا بدورهم أئمة كبارًا مشهودًا لهم بالعلم والفضل، بل كان يشكِّلُ بهم مَجْمَعًا علميًّا تتم فيه دراسة الرأي والتشاور حوله واستعراض أدلته وما إلى ذلك من الأمور التي تتعلق بالاستنباط وأدواته، وفي ذلك يقول الإمام الكوثري عند حديثه عن مذهب الحنفية وأنه امتدادٌ لمدرسة سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ثم الفقهاء الذين امتلأت بهم الكوفة من بعده، فقال: وقد جمع أبو حنيفة علوم هؤلاء ودوَّنها بعد أخذٍ وردٍّ سديديْن في المسائل بينه وبين أفذاذ أصحابه في مجمع فقهي كيانُه من أربعين فقيهًا من نبلاء تلاميذه المتبحرين في الفقه والحديث وعلوم القرآن والعربية، كما نص على ذلك الطحاوي وغيره.

وعن هذا الإمام الأعظم يقول ابن النديم محمد بن إسحاق، الذي ليس هو من أهل مذهبه: "والعلم برًّا وبحرًا، شرقًا وغربًا، بُعدًا وقربًا تدوينُه رضي الله عنه".

وعن ابن كرامة قال: "كنا عند وكيعٍ يومًا فقال رجل: أخطأ أبو حنيفة، فقال وكيع: كيف يقدر أبو حنيفة يخطئ ومعه مثل أبي يوسف وزفر في قياسهما، ومثل يحيى بن أبي زائدة، وحفص بن غياث، وحبان، ومندل في حفظهم الحديث، والقاسم بن معن في معرفته باللغة العربية، وداود الطائي، وفضيل بن عياض في زهدهما وورعهما؟ مَنْ كان هؤلاء جلساءه لم يكدْ يخطئ؛ لأنه إن أخطأ ردوه".

وعن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة قال: "قال أبو حنيفة يومًا: أصحابنا هؤلاء ستة وثلاثون رجلًا، منهم ثمانية وعشرون يصلحون للقضاء، ومنهم ستة يصلحون للفتوى، ومنهم اثنان يصلحان يؤدبان القضاة وأصحاب الفتوى، وأشار إلى أبي يوسف وزفر".

ومن المعلوم أن المذاهب لا تقتصر على رأي إمامها فقط، بل تدخل آراء تلاميذه أيضًا، بل وآراء علماء المذهب فيما بعد ضمن آراء المذهب؛ لأن أهم شيء تُقيمه هذه المذاهب هو بناء منهج التفكير والنظر في التعامل مع النصوص وكيفية تنزيلها على الواقع ومِنْ ثمَّ استنباط الأحكام الفقهية.

وسيبقى من المهم أيضًا إدراك هذه الطبيعة المنفتحة في التعامل مع الفقه الإسلامي، التي رسَّخها هؤلاء العلماء الأجلاء في تسامحٍ وسعيٍ دائبٍ نحو الحقيقة، بمشورة واسعة لا انفراد فيها برأي أو تعصب لهوًى أو تحقيقًا لمآرب بعيدة عن الحقيقة العلمية والدينية.

إن الهدف الوحيد لكل هذا التراث العلمي الذي تركوه لنا هو معرفة مراد الله سبحانه وتعالى على النحو الذي أراد لنا به معرفته، فرضي الله عنهم وجزاهم خير الجزاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي.
- "مقالات الكوثري".

الإمام البخاري رضي الله عنه، هو أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، علم من أعلام الأمة الإسلامية، وكتابه "الجامع الصحيح" من أعظم الكتب وأشهرها وأهمها في صيانة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان البخاري رحمه الله تعالى ذا ذاكرة حافظة وعلم عريض وذكاء متَّقد، وقد ولد رضي الله عنه بمدينة بُخَارَى، حوالي سنة 194هـ.


الإمام خيثمة بن سليمان: هو الإمام الثقة المعمر، محدث الشام، أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة بن سليمان القرشي الشامي الطرابلسي، ولد سنة 250ه على الأصح، وتوفي سنة 343ه، أحد الثقات المكثرين الرحالين في طلب الحديث سمع بالشام واليمن وبغداد والكوفة وواسط، جمع فضائل الصحابة، وكانت له رحلات في طلب الحديث، من هذه الرحلات رحلته إلى جبلة ومنها إلى أنطاكية وقد أُسر فيها وتعرض فيه للضرب والإيذاء، وهذا ما ذكره عنه ابن أبي كامل فقال:


كان الإمام ابن الباقلاني من أشدِّ الناس فراسة وذكاءً وفطنة، واسمه: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، البصري، ثم البغدادي، ولد سنة 338هـ.


ظهر الإمام أبو القاسم الجنيد في وقتٍ حاز التصوُّفُ فيه مكانةً معتبرةً ومتميِّزةً في المجتمع الإسلاميِّ، وبرز فيه عددٌ من الأئمة الكبار في التَّصوف؛ مثل الحارث بن أسد المحاسبي، وأبي يزيد البسطامي، والسري السقطي وغيرهم، صاروا هادين ومرشدين لطريق الصُّوفيَّة النقي، في الزُّهد والاجتهاد في العبادة، ومحاسبة النفس وعدم التعلُّق بالدنيا.


الإمام الحافظ الحجة القدوة محمد بن رافع بن أبي زيد، واسمه سابور، ولد بعد سنة 170هـ، ومات في ذي الحجة، سنة 245هـ. حَدَّثَ عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي في تصانيفهم، وكانت له هيبة ومكانة كبيرة بين العلماء؛ قال جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ: "ما رأيت من المحدثين أّهْيَبَ من محمد بن رافع، كان يستند إلى الشجرة الصنوبر في داره، فيجلس العلماء بين يديه على مراتبهم، وأولاد الطاهرية ومعهم الخدم، كأن على رؤوسهم الطير، فيأخذ الكتاب، ويقرأ بنفسه، ولا ينطق أحد، ولا يتبسَّم إجلالًا له".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 15 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :43
الظهر
11 : 50
العصر
2:38
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20