الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م – 25 جُمادى الآخرة 1447 هـ
01 يناير 2017 م

"الحِلم"

"الحِلم"


الحِلم من الأخلاق الفاضلة الراقية التي حثَّ عليها الإسلام، ورغَّب فيها؛ ذلك أنه من بواعث انتشار المحبة والودِّ والتراحم بين الناس، ومنع أسباب النزاع والخصام بينهم؛ قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]. وجعل الله الجنة جزاءً لهذا الخلق الرفيع؛ قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۞ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133-134].

وهو من صفات الأنبياء عليهم السلام: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: 114]، وعند بشارة سيدنا إبراهيم بولده إسحاق؛ قال تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: 101]، بل إنه فوق ذلك من أسماء الله سبحانه وتعالى التي وصف بها ذاته جل وعلا؛ فقال: ﴿وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: 255].

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي بالحِلم، ومَلْكِ زمام النفس، وعدم تركها تنساق وراء شهوات الانتقام ومزالق الغضب؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: «لاَ تَغْضَبْ»، فردَّدَ مرارًا، قال: «لَا تَغْضَبْ» رواه مسلم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأشج عبد القيس رضي الله عنه: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ» رواه مسلم.

إن الحلم فضيلةٌ تجعل صاحبها هيِّنًا ليِّنًا، يحبُّه الناس ويألفونَه، يتواضع لهم فيقبلون عليه، ويعظُهم فيستجيبون له، فإذا كان بخلاف ذلك انصرفوا عن مجلسه وأعرضوا عن لقائه وتوجَّسوا منه خيفةً ولم يأمنوا شرَّه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ» رواه البخاري.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سلوكه يُجسِّد هذا الخلق الرفيع؛ فحين اتَّهمَ أحدُهم النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم في قسمة قسمها بينهم، وقال: والله إنها لقسمة ما أُريد بها وجه الله، شقَّ ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتغيَّرَ وجهه وغضب، ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم كظم غيظه وقال: «قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ» رواه البخاري.

ومن نماذج الحِلم التي كان يتحلَّى بها الصالحون ويطبِّقونها ما كان من عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؛ فقد ذكر الدينوري في كتابه "المجالسة وجواهر العلم" أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أراد أن يعاقب رجلًا حبسه ثلاثة أيامٍ ثم عاقبه؛ كراهية أن يَعجل في أول غضبه، وفي مرة أَسمعَه رجلٌ كلامًا مُسيئًا، فسكت عنه، وقال له: "إنما أردتَ أن يستفزَّني الشيطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني في يوم القيامة، انصرف عني عافاك الله".

فالتربية والتدريب على مثل هذه الأخلاق السامية من عوامل تحصيلها والتحلي بها؛ حيث ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم قولُه: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ» رواه الطبراني، وقوله: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» رواه البخاري.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا خلق الحِلم، وأن يعيننا على توطين النفس وتربيتها عليه.

السكينة تعني الطمأنينة والهدوء والاستقرار النفسي وراحة البال، فهي مشتقة من السكون، الذي هو ضد الاضطراب.


علمنا أن الإسلام شدد على تحمل المسئولية باعتبارها أساسًا لاستقرار المجتمعات وحماية الأفراد وحفظ الحقوق. وفي سياق ذلك يجب ملاحظة أن الإسلام نفسه هو المسئولية الكبرى التي تفرعت عنها سائر الواجبات التي يتحملها المسلم في حياته، ولا يكون تحمل هذه المسئولية إلا بالاستسلام والخضوع لرب العالمين سبحانه وتعالى.


العفو من أخلاق الأنبياء، وهو دليل على كمال الإيمان وحسن الظن بالله تعالى، وهو يثمر محبة الله عز وجل ثم محبة الناس، وهو دليل على كمال النفس الإنسانية ويفتح الطريق لغير المسلمين للتعرف على الإسلام . والعفو هو كف الضرر مع القدرة عليه، والفرق بينه وبين الصفح كما يقول الفيروز أبادي: أن الصفح أبلغ من العفو، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصفحت عنه: أوليته صفحةً جميلة. [بصائر ذوي التمييز


التسامح من السمات الأخلاقية المهمة للإسلام، فقد حرَص الإسلام على توجيه أتباعه للتخلُّق بخلق التسامح، وحثهم على اللين والرفق والعفو، سواء فيما بين المسلمين أم مع غيرهم؛ قال تعالى عن أتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]، وقال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: 215-216]


تعد صلة الأرحام من مظاهر عناية الإسلام بتقوية أواصر الصِّلات داخل المجتمع، ونشر المحبة والسلام بين أفراده؛ حيث وجَّه الإسلامُ عنايةَ أتباعه إلى التَّواصُل والتَّقارب بشكلٍ خاص بين الأهل والأقارب؛ فالإسلام لا يقرُّ هذه النظرة الفردية التي تجعل الإنسان مهتمًّا بذاته فقط، أو على الأكثر بأسرته الصغيرة، بل يدفع الإسلام أتباعه إلى ترسيخ قيمة التَّواصل الفعَّال بين الأقارب؛ كحلقةٍ أساسيةٍ من حلقات الترابط في المجتمع؛ ولتشعب العلاقات والمصاهرة بين النَّاس؛ فإنَّ دائرةَ صلةَ الرَّحم قادرةٌ على الامتداد لتشمل المجتمع كله بطريقةٍ غير مباشرة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :11
الشروق
6 :44
الظهر
11 : 51
العصر
2:39
المغرب
4 : 57
العشاء
6 :20