01 يناير 2017 م

لين القول وحسن المنطق في دعوة فرعون

لين القول وحسن المنطق في دعوة فرعون


قال تعالى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي ۝ اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ۝ فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ۝ قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى ۝ قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى﴾ [طه: 42-46].

يقول الحق جلّ جلاله لسيدنا موسى عليه السلام: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بمعجزاتي التي أريتكَهَا، من اليد والعصا، فإنهما وإن كانتا اثنتين، لكن في كل واحدة منهما آيات، وَلا تفترا ولا تقصرا فِي ذِكْرِي عند تبليغ رسالتي، ولا يشغلكما معاناة التبليغ عن ذكري، بما يليق بحالكما من ذكر لسان أو تفكر أو شهود، فلا تغيبا عن مشاهدتي باشتغالكما بأمري، حتى لا تكونا فاترين في عيني.

﴿اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى﴾: تجبر وعلا. ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ لأنَّ تليين القول مما يكسر ثورة عناد العتاة، ويلين عريكة الطغاة. قال ابن عباس: أي: لا تعنفا في قولكما. وقيل: القول اللين: ﴿هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى﴾ ...الخ. وقيل: اللطافة في القول فإنه رباك وأحسن تربيتك، وله عليك حق الأبوة. ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ﴾ بما بلغتماه من ذكر، ويرغب فيما رغبتماه فيه، ﴿أَوْ يَخْشى﴾ عقابي.

وليكن حالكما عند وعظه حال من يرجو ويطمع أن يُثمر علمُه ولا يخيب سعيُه.
يقول ابن عجيبة: "قلت: كونه تعالى علم أنه لا يؤمن هو من أسرار القدر الذي لا يُكشف في هذه الدار، وهو من أسرار الحقيقة، وإنما بُعثت الرسل بإظهار الشرائع، فخاطبهم الحق تعالى بما يناسب التبليغ في عالم الحكمة، والله تعالى أعلم. وجدوى إرسالهما إليه، مع العلم بإحالته، إلزام الحجة وقطع المعذرة".

﴿قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا﴾ أي: يعجل علينا بالعقوبة، ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة. وهو من «فَرطَ» إذا تقدم، ومنه: الفارط، للوليد الذي مات صغيرًا. وقرئ بضم الياء، من «أفرط» إذا حَمله على العجلة، أي: نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار والخوف على المُلك أو غيرهما، على المعاجلة والعقاب، أَوْ أَنْ يَطْغى يزداد طغيانًا، كأن يقول في شأنك مالا ينبغي، لكمال جرأته وقساوته، وإظهار «أَنْ» لإظهار كمال الاعتناء بالأمر، والإشعار بتحقيق الخوف من كل منهما، وهذا القول يحتمل أن يكون قاله موسى ودخل هارون بالتبع، إيذانًا بأصالة موسى عليه السلام في كل قول وفعل، وتبعية هارون عليه السلام، أو يكون هارون قال ذلك بعد تلاقيهما، فحكى الله قولهما عند نزول الآية، كما في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ﴾، فإن هذا الخطاب قد حكى لنا بصيغة الجمع، مع أن كلا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد لاستحالة جمعهم في الوجود، فكيف باجتماعهم في الخطاب؟

قالَ تعالى لهما: ﴿لا تَخافا﴾، وهو استئناف بياني، كأن قائلاً قال: فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه؟ فقيل: قال: لا تخافا ما توهمتما من الأمرين، ﴿إِنَّنِي مَعَكُما﴾ بحفظي ورعايتي ونصري ومعونتي، ﴿أَسْمَعُ وَأَرى﴾ ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل، فأفعل في كل حال ما يليق بها من دفع ضر وشر، وجلب نفع وخير.

ومن هنا فإنه ينبغي لأهل العلم ولأهل الوعظ والتذكير أن يتعاونوا على نشر العلم ووعظ العباد، ويتوجهوا إليهم في أقطار البلاد، فإن ذلك فرض كفاية على أهل العلم، ولا يشغلهم نشر العلم عن ذكر الله، ولا تذكير العباد عن شهود الله، كما قال الله تعالى: ﴿وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي﴾ أي: ولا تغفلا عن شهودي وقت إرشاد عبادي، فإن توجهوا إلى الجبابرة والفراعنة فليلينوا لهم المقال، وليدعوهم إلى أسهل الخلال، فإن ذلك أدعى إلى الامتثال، خلافًا لمن قال هذه ملة موسوية، وأما الملة المحمدية فقال تعالى فيها: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾؛ فإنَّ بيان الحق لا ينافي أن يكون بملاطفة وإحسان، فإن خاف الواعظ من صولة المتجبر فإن الله معه، يحفظه ويرعاه، ويسمعه ويراه، فإن لم يسمع لقوله ولم يتعظ لوعظه، فقد بلغ ما عليه، وليقل بلسان الحال أو المقال: ﴿والسلام على من اتبع الهدى﴾. وبالله التوفيق.
 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم مَرَّ الظَّهْرَانِ قَالَ الْعَبَّاسُ: قُلْتُ: وَاللهِ، لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً، قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ، فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهِ عليه وآله وسلم، فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَجِدُ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي أَهْلَ مَكَّةَ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم لِيَخْرُجُوا إِلَيْهِ، فَيَسْتَأْمِنُوهُ، فَإِنِّي لَأَسِيرُ إِذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ، وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مَا لَكَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسلم،


جاء عن حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ: "انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ، جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ، لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ، فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ، حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فَأَتَمَّ آخِرَهَا". رواه مسلم. يحمل هذا الحديث رافدًا جديدًا من روافد التعامل مع المواقف وفق منهج الحكمة والموعظة الحسنة؛ فها هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع خطبته لأمرٍ من المؤكد أنه من الأمور الهامة، وإلا لما قطع خطبته.


عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «أَعْلَمْتَهُ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «أَعْلِمْهُ» قَالَ: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللهِ، فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود.


أخرج البخاريُّ ومسلمٌ وغيرهما عَنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وآله وسَلمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَد، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».


عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» (رواه الترمذي وقال عقبه: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ). يحتوي هذا الحديث على مجموعة من الوصايا والمواعظ الخطيرة القدر، الجامعة من الأحكام والحِكَم والمعارف ما يفوق الحصر. فكانت أولى المواعظ كالتالي: (احفظ اللَّه) بحفظ فرائضه وحدوده، وملازمة تقواه، واجتناب نهيه وما لا يرضاه (يحفظك) في نفسك وأهلك ودنياك ودينك، وهذا من أبلغ


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 06 يوليو 2025 م
الفجر
4 :14
الشروق
5 :59
الظهر
1 : 0
العصر
4:36
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :32