16 ديسمبر 2025 م

الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدعو إلى "تأصيل شرعي وقانوني" لضبط فتاوى الحروب والنزاعات المسلَّحة.

الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدعو إلى "تأصيل شرعي وقانوني" لضبط فتاوى الحروب والنزاعات المسلَّحة.

ضمن فعاليات الندوة الدولية الثانية التي تُنظمها الأمانةُ العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، واصلت، اليوم الثلاثاء، الجلسةُ العلمية الرابعة مناقشاتها؛ حيث تناولت القضايا الإنسانية والأخلاقية في الحروب والنزاعات الدولية، مع تسليط الضوء على الدَّور المحوري للفتوى في خدمة الإنسان وتعزيز السِّلم المجتمعي.

وفي هذا الإطار، قدم الدكتور مصطفى حسن أحمد الأقفهصي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بحثًا بعنوان "دَورُ الفتوى في الحروب والنزاعات المسلحة .... الأُطُر الشرعية والتحديات المعاصرة"، أوضح خلاله أن البحث يناقش واحدةً من أخطر قضايا الواقع المعاصر، وأولى أولوياته، وهي الدَّور المحوري للفتوى في توجيه السلوك الإنساني خلال الحروب والنزاعات المسلحة، في ظل ما يشهده العالم من تحديات على كافة الأصعدة. 

وبيَّن أن الفتوى لا تقتصر على كونها رأيًا فقهيًّا يُبيِّن حكمًا شرعيًّا في واقعة محددة، بل تُعد أداة فاعلة تتشابك مع مختلف شؤون حياة الإنسان؛ عبادةً ومعاملة، وسلوكًا وتزكية، سِلمًا وحربًا، بوصفها حلقةَ وصل بين الفعل الإنساني والتنظير الفقهي المنضبط.

كما أوضح د. مصطفى، أن دَور الفتوى يتجلَّى في اتجاهين متقابلين: اتجاهٍ معتدلٍ تمثله الفتوى الرشيدة المؤطَّرة بالمقاصد الشرعية والحوكمة العِلمية، فتسهم في حفظ الكرامة الإنسانية وصَون الدماء وتعزيز قيم العدل والرحمة، واتجاهٍ منحرفٍ تُستخدم فيه الفتاوى الشاذة لتأجيج النزاعات ونشر الفوضى والعنف. 

من جهته، قدَّم الأستاذ الدكتور أحمد محمد بيبرس - أستاذ ورئيس قسم أصول الفقه المساعد بكلية الشريعة والقانون بالدقهلية، جامعة الأزهر- بحثًا بعنوان: "دور الفتوى في الحروب والنِّزاعات المسلَّحة.. الأطر الشرعيَّة بين حدود التفويض، وضبط السلوك"، ناقشَ خلاله دَور الفتوى كأداة شرعية واقعية في بيان مدى شرعنة الأعمال المسلحة، وتنظيمها أثناء الحروب والنزاعات، في ضوء ضرورة تحديد حدود التفويض ومسؤولياته، وكيفية ترتيب الفتوى لبدء القتال وآلياته.

وأوضح د. بيبرس، أن البحثَ يقترح سياسةً للتعامل المؤسسي مع الفتوى في سياق النزاعات المسلحة، تقوم على تعزيز دَور المؤسسات الرقابية، ورصد الفتاوى المتطرفة، وإبراز أوجه التوافق بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني، والعمل على مساحات الاشتراك بينهما. 

وبيَّن الباحث أن الفتوى يمكن أن تؤدي دَوْرًا رياديًّا في الحدِّ من الانحراف العنيف، إذا التزمت بالضوابط العلمية والأخلاقية، لكنها قد تتحوَّل إلى أداة لشرعنة العنف حال خروجها عن هذه الضوابط؛ مشيرًا إلى مجموعة من التساؤلات المحورية، من بينها: دَور الفتوى من حيث السُّلطة وشرعية إعلان الحروب وقيودها، والكليات والقواعد الفقهية والمقاصد الشرعية الحاكمة لمسائل الضرورة والتناسب والتفريق، فضلًا عن كيفية توظيف الفتاوى تاريخيًّا في الحد من العنف أو تبريره، إلى جانب سبل المزاوجة بين المقاصد الشرعية والقانون الدولي الإنساني.

وأوضح الباحثُ أن هدف البحث يتمثل في تقديم تأصيلٍ شرعي وقانوني لضبط الفتوى أثناء النزاعات المسلحة، من خلال تحليل نماذج تاريخية ومعاصرة للفتاوى المرتبطة بالأعمال المسلحة، وكشف آليات تبرير العُنف، وصولًا إلى صياغة توصيات عملية موجَّهة لمؤسسات الفتوى وصُنَّاع القرار لتعزيز ضوابط التقارب بين الشريعة والقانون.


وفي السياق ذاته، قدَّم الدكتور عمرو الشال - أمين الفتوى، ومدير الإدارة العامة للأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية - بحثًا بعنوان: "دور المؤسسات الإفتائية في تعزيز أخلاقيات الحرب.. دار الإفتاء المصرية أنموذجًا"، موضحًا أن الإسلام كان سبَّاقًا في وضع أُطر أخلاقية واضحة للحروب والنزاعات، فلا تكون الحرب مشروعةً إلا لإقامة العدل وردِّ العدوان ودفع الظلم، وإذا وقعت فإنها تظل محكومةً بضوابط تمنع استحلال المحرمات، أو ترويع الآمنين، أو التحوُّل إلى أداة للهدم والتخريب.

وأشار د. الشال، إلى أنه رغم التقدُّم الحضاري الإنساني، لم تتراجع الحروب أو تتقلص، بل اتَّسعت رقعتها وتطورت أدواتها وتعاظمت خسائرها، ما دفع المجتمعات الحديثة إلى وضع قوانين دولية تهدف إلى التخفيف من شراسة الحروب، من خلال تحديد ما يجوز وما لا يجوز فيها، إلا أن هذه القوانين -رغم إحكام صياغتها- لم تنجح في الحدِّ من قسوة النزاعات وآثارها الإنسانية.

وبيَّن أن هذه الورقة البحثية تسعى إلى إبراز الدَّور المحوري للفتوى في ترسيخ أخلاقيات الحرب، باعتبارها وسيلةً لبيان الحكم الشرعي وتيسيره للمكلفين منذ مهد الرسالة؛ مؤكدًا أن المؤسسات الإفتائية أصبحت مؤتمنةً على القيام بهذا الواجب. 

واستعرض د. الشال، عددًا من الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية عبر تاريخها، مستعينًا بالمنهج التحليلي، ليتوصل إلى مجموعة من النتائج، من أبرزها قيام دار الإفتاء بدَوْرها في تعزيز أخلاقيات الحروب والنزاعات، والتأكيد على أن الإسلام جاء لصيانة حياة الإنسان وكرامته حتى في أحلَكِ ظروف الصراع.

أكد سماحة الشيخ إيلدار علاء الدينوف، مفتي موسكو، أنَّ من أعظم المسؤوليات التي تضطلع بها الإدارة الدينية في روسيا الاتحادية مهمةَ الإفتاء والتوجيه الشرعي في القضايا التي تمسُّ الإنسان وفكره وضميره وحياته العامة؛ مشددًا على أن الإفتاء ليس مجرد بيان حكم شرعي نظري، بل هو جهدٌ علميٌّ وإنسانيٌّ عميق يستهدف تحقيق مقاصد الشريعة الغرّاء، في الرحمة والعدل وصيانة الكرامة الإنسانية.


قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إنَّ الفتوى تمثل حلقة الوصل بين النص الشرعي والواقع الإنساني المتغير، وتُعد من أهم الآليات الشرعية في خدمة الإنسان وترسيخ قيم السلم المجتمعي، لما لها من قدرة على توجيه السلوك، وبناء الوعي على أساس من الرحمةِ والعدلِ والمسؤوليةِ، وعلى نحو يحقق مقاصد الشريعة ويُراعي أحوالَ الناسِ.


ترأس فضيلة الأستاذ الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، الجلسة العلمية الأولى بالندوة الدولية الثانية للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، والتي تعقد هذا العام تحت عنوان: «الفتوى وقضايا الواقع الإنساني.. نحو اجتهاد رشيد يواكب التحديات المعاصرة»، يومي 15 و16 ديسمبر الجاري بالقاهرة.


انطلقت قبل قليل فعاليات احتفالية دار الإفتاء المصرية بمناسبة مرور 130 عامًا على تأسيسها، وذلك بقاعة الاحتفالات بمقر الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، بحضور نخبة من كبار الشخصيات الدينية والتنفيذية، وفي مقدمتهم المفتون السابقون وأُسر المُفتين الراحلين الذين أسهموا في مسيرة الدار عبر أكثر من قرن من العطاء.


نظم مركز التدريب بدار الإفتاء المصرية سلسلة من المحاضرات المتخصصة ضمن برنامج تدريب الباحثين الشرعيين تحت عنوان "مهارات صياغة الفتوى الشرعية"، والتي شملت عددًا من الموضوعات العلمية والمهنية الهادفة إلى رفع كفاءة الباحثين وتمكينهم من أدوات الصياغة الإفتائية المعاصرة.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 18 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :12
الشروق
6 :45
الظهر
11 : 52
العصر
2:39
المغرب
4 : 58
العشاء
6 :21