ما الذي يلزمني بقولي: نويت إخراج شيء لله تعالى من أرباح هذه الصفقة عند نجاحها وقد تحقَّقَ المكسب والحمد لله؟
إن كانت نية المُتلفِّظ بكلمة "إخراج شيء لله تعالى" النَّذر، فإنه يلزمه الوفاء به، ويجب عليه إخراج ما نواه وحدده إن كان قد نوى قدرًا محددًا، وإلا تصدق بما شاء من الأرباح -قليلًا كان أو كثيرًا- على الفقراء والمساكين، أمَّا إن كانت نيته بكلمة "إخراج شيء لله تعالى" التطوع بصدقة دون النذر، فهو مخير بين الإخراج وعدمه، والإخراج أولى، شكرًا لله تعالى على فضله ونعمائه.
المحتويات
مِن المقرَّر شرعًا أنَّ المكلف إذا نذر نذرًا وجب عليه الوفاء به ما دام قادرًا، وكان نذره طاعةً؛ لقوله تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: 29].
ولِـما جاء عن أمِّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن نَذَرَ أن يُطيعَ الله فليطِعْه، ومَن نَذَرَ أن يعصِيَه فلا يعصِه» أخرجه البخاري.
وقد حكى إمامُ الحرمين الجُوَيْنِي إجماع الفقهاء على أنَّ النَّذر ملزم، والملْتَزَم به لازمٌ على الجملة؛ فقال في "نهاية المطلب" (18/ 418، ط. دار المنهاج): [والنذرُ ملزِم إجماعًا، والملْتَزَم به لازمٌ على الجملة، والخِلافُ في التفاصيل] اهـ.
حث الشرع الشريف على الصدقة في كثيرٍ من نصوصه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245].
قال الإمام إلكيا الهراسي في "أحكام القرآن" (1/ 221، ط. دار الكتب العلمية) في بيان ما تفيده الآية الكريمة: [ترغيب في أعمال البر والإنفاق في سبيل الخير، بألطف كلام وأبلغه، وسماه قرضًا تأكيدًا لاستحقاق الثواب به، إذ لا يكون قرضًا إلَّا والعوض مستحق به، فكأنَّه قال: أوجبت لكم عبادي العوض... وعرف المسلمون معنى الكلام، ووثقوا بوعد الله وثوابه، فبادروا إلى الصدقات] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ» أخرجه الإمام مسلم.
المكلف إذا قال: نويت إخراج شيء لله تعالى من الأرباح إن نجحت الصفقة، ففيه أمران؛ الأول: تلفظه بنية إخراج شيء لله من الربح بعد حصوله، والثاني: عدم تلفظه بالمقدار أو المبلغ الذي يريد التصدق به، وقد يضمر في نفسه مقدارا معينًا أو نسبة معينة من الربح.
أمَّا عن التلفظ بنية إخراج شيء لله تعالى فإمَّا أن يقصد به النذر، وإمَّا أن يقصد به الصدقة، فاللفظ يحتملهما.
فأمَّا النذر فهذا اللفظ مما يصح أن ينعقد به النذر؛ لأنَّ النذر لا ينحصر في لفظٍ بعينه، بل ينعقد بكل ما يدل عليه ويحتمله من صِيَغٍ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم انحصار النَّذر في لفظٍ بعينه، بلْ ينعقد بكلّ صيغة تدلُّ عليه وتُفِيد الالتزام به.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 434-435، ط. دار الفكر) شارحًا قول الإمام الحصكفي: [واعلم أنَّ صيغة النَّذر تحتمِلُ اليمينَ...]: [(قوله: تَحتمِلُ اليمينَ) أي: مصاحبة للنذر ومنفردة عنه. ط (قوله: بنَذْرِهِ) أي: بالصِّيغة الدالة عليه... (قوله: عملًا بتعيينه) لأنَّ قوله: لله عليَّ كذا يدل على الالتزام، وهو صريحٌ في النذر، فيُحمل عليه بلا نيَّة، وكذا معها بالأولى] اهـ.
والمراد من قوله: "بالصِّيغة الدالة عليه": هو كونها صيغة من صيغ النذر، الذي هو الالتزام، ولا يُتصور أن تُفيد صيغة النذر غيره ألبتة كما قال العلامة سراج الدين ابن نجيم الحنفي حيث قال في "النهر الفائق" (3/ 54، ط. دار الكتب العلمية): [لفظ النذر يكون يمينًا، ونذرًا إذا نوى به قربة، وأما صيغة النذر فلا يكون يمينًا ألبتة] اهـ.
ويزيد هذا تأكيدًا ووضوحًا أن الحنفية قرروا أن الإنسان إن قال لفظًا من غير ألفاظ النذر وإن كانت خاصة بغيره كالوقف وأراده فإنه يعد نذرًا؛ لأن اللفظ يحتمله من جهة وعينته النية من جهة أخرى.
قال الإمام زين الدين ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (5/ 205، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لو قال هي للسبيل إن تعارفوه وقفًا مؤبدًا للفقراء كان كذلك وإلا سئل فإن قال أردت الوقف صار وقفا لأنه محتمل لفظه أو قال أردت معنى صدقة فهو نذر] اهـ. فدل على أن النذر لا ينحصر في صيغة محددة وهو المراد مما قررنا.
وقد أكد الإمام الكاساني أن اللفظ محل السؤال من الصيغ الدالة على النذر؛ حيث قال في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (5/ 81، ط. دار الكتب العلمية): [فركن النذر هو الصيغة الدالة عليه، وهو قوله: "لله عز شأنه عليّ كذا، أو عليّ كذا، أو هذا هدي، أو صدقة، أو مالي صدقة، أو ما أملك صدقة، ونحو ذلك] اهـ. فما جاء في السؤال من قول السائل: "نويت إخراج شيء لله تعالى" داخل في قوله: "ونحو ذلك".
وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (2/ 162، ط. دار الفكر): [(قوله: كلِلَّه عليّ أو عليَّ ضحيّة) أتى بكاف التمثيل إشارةً إلى عدم انحصار الصيغةِ في لله عليَّ أو عليَّ كذا، فيلزمُ بكلّ لفظ فيه إلزامٌ؛ مثل: إن شفى الله مريضي أو قدم غائبي أو نجوت من أمر كذا وكذا فأنا أصوم يومين أو أصلي كذا أو أتصدق بكذا. قاله طفى قال: ونبَّهت على ذلك؛ لأنَّ بعض القاصرين توهم أن النذر لا يكون إلا بقوله لله عليَّ أو عليَّ كذا اغترار منه بظاهر المصنف] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (6/ 232، ط. دار الكتب العلمية) في بيان شرط الصيغة في النذر: [أما الصيغة فيشترط فيها لفظ يشعر بالتزام؛ فلا ينعقد بالنية كسائر العقود، وتنعقد بإشارة الأخرس المفهمة، وينبغي كما قال شيخنا انعقاده بكناية الناطق مع النية] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (6/ 346، ط. دار الكتب العلمية): [(وهُوَ) أي: النذر (إلزامُ مكلَّف مختار نفسَهُ لله تعالى بالقَوْل شيئًا غير لازِم بأصْل الشَّرع كـ) قوله: (عليَّ لله أو نذَرْتُ للهِ ونحوه)؛ كللّه عليَّ كذا ونحوه ممَّا يؤدي معناه. (فلا تُعتبر له صِيغةٌ) بحيث لا ينعقِدُ إلا بها، بل ينعقد بكلّ ما أدى معناه؛ كالبيع] اهـ.
وأمَّا الصدقة فهذا اللفظ يحتملها أيضًا؛ لأنه لفظٌ غير متعينٍ في شيءٍ بعينه، وهو أمر يظهر بالنية، ويُسن لمن نوى إخراج شيء لله، وكانت نيته الصدقة لا النذر أن يُمْضي نيتَه، وأن يخرج شيئًا لله على سبيل الصدقة.
قال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 241، ط. دار الفكر): [من دفع إلى وكليه أو ولده أو غلامه أو غيرهم شيئا يعطيه لسائل أو غيره صدقة تطوع لم يَزُلْ ملكه عنه حتى يقبضه المبعوث إليه، فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك المعين استُحب له ألَّا يعود فيه بل يتصدق به على غيره، فإن استرده وتصرف فيه جاز لأنه باق على ملكه] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 468، ط. عالم الكتب): [(ومن ميَّز شيئا للصدقة) به (أو وكل فيه) أي: الصدقة بشيء (ثم بدا له) ألَّا يتصدق به (سُنَّ) له (إمضاؤه) مخالفة للنفس والشياطين. ولا يجب عليه إمضاؤه؛ لأنها لا تملك قبل القبض] اهـ.
وعلى ذلك: فإن كانت نيته في قوله: "إخراج شيء" نذرًا وجب الوفاء به؛ لما سبق من أنَّ النَّذر ملزمٌ بإجماع الفقهاء، وإن كانت نيته التطوع بصدقة فلا يلزمه الوفاء بها؛ لأنَّه لا يجب عليه إخراجها، ولكن يستحب الإخراج كما قررنا.
أمَّا بخصوص تعيين المنذور أو المتصدق به جزءًا من الأرباح، فإن كان السائل قد نوى قدرًا معينًا من الربح وجب عليه إخراجه، وإن لم تكن له نية محددة فيتصدق بما شاء من تلك الأرباح -قليلًا كان أو كثيرًا- على الفقراء والمساكين، والأفضل أن يَزيد الإنسان ما استطاع، شكرًا لله على نعمته.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (5/ 92-93): [(وأما) النذر الذي لا تسمية فيه فحكمه وجوب ما نوى إن كان الناذر نوى شيئًا. والنَّذر يعتبر بالأمر، فإذا لم ينو شيئًا ينصرف إلى أدنى ما ورد به الأمر في الشرع] اهـ.
وقال الإمام الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (3/ 320، ط. دار الفكر): [(فرع) قال في "النوادر" من "العتبية": روى سحنون عن ابن القاسم فيمن قال: لله علي صيام ولم يسمه أو قال: صدقة فإنه يصوم ما شاء ويتصدق بالدرهم وبنصف الدرهم والربع درهم، قيل: فالفلس والفلسين قال: ما زاد فهو حسن، انتهى. والمسألة في "نوازل سحنون" من كتاب النذور، وقال ابن رشد في شرحها: وهذا إذا لم تكن للحالف نية] اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (10/ 96، ط. المكتبة التجارية): [(أوْ) نذر (صَدَقةً فـ) يُجزِئه التصدق وإن قال بمالٍ عظيم (بِمَا) أي: بأي شيء (كانَ) وإن قلَّ مما يتمول؛ إذ لا يكفي غيره لإطلاق الاسم؛ لأنّ أحد الشركاء في الخلطة قد تجيء حصته كذلك] اهـ.
قال العلامة عبد الحميد الشرواني مُحَشِّيًا: (قوله: أو نَذَرَ صدقةً إلخ) عبارة "الروض" مع شرحه، ومن نذر التصدّق بشيء صحَّ نذرُه، وتصدَّق بما شاء مِن قليل وكثير؛ لصدق الشيء عليه، بخلافِ ما إذا تَرَكَ شيئًا لا يجزِئه إلا متموَّل كما مر] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (3/ 475): [(و) لو نذر الصدقة من تسن له بقصد القربة (ببعض) من ماله (مسمَّى) كنصفه أو ألف وهو بعض ماله (لَزِمَهُ) ما سماه؛ لأنه التزم ما لا يمنع منه شيء؛ كسائر النذور (وَإِن نَوَى) بنذره الصدقة بماله شيئا (ثمينًا) من ماله (أو) نوى (مالا دون مال أُخِذ بنيَّته) كما لو حلف عليه، فإن لم تسن له الصدقة بأن أضر بنفسه أو عياله وغريمه ونحوه مما ذكر في صدقة التطوع أو لم يقصد القربة بأن كان له لجاج أجزأته الكفارة... (فيصرفه للمساكين) ويجزئ لواحد] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن كانت نية المُتلفِّظ بكلمة "إخراج شيء لله تعالى" النَّذر، فإنه يلزمه الوفاء به، ويجب عليه إخراج ما نواه وحدده إن كان قد نوى قدرًا محددًا، وإلا تصدق بما شاء من الأرباح -قليلًا كان أو كثيرًا- على الفقراء والمساكين، أمَّا إن كانت نيته بكلمة "إخراج شيء لله تعالى" التطوع بصدقة دون النذر، فهو مخير بين الإخراج وعدمه، والإخراج أولى، شكرًا لله تعالى على فضله ونعمائه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم من حلف بالله ليفعلن شيئًا من الأشياء، ثم ظهر له أن غيره خير منه، فهل له أن يفعل الذي هو خير ويكفِّر عن يمينه أو لا؟ وأي الأمرين أفضل: فعل ما حلف عليه، أم فعل ما هو خير منه؟ أفيدوا الجواب، ولكم الثواب.
ما حكم الرجوع عن الحلف بدين الله؟ حيث يقول السائل: أنه على إثر خلاف بين السائل ووالده على بعض المشاكل العائلية حلف بقوله: "إني لن أكون مسلمًا، ويحرم عليِّ ديني بأني لم أدخل هذا المنزل، ولن أتزوج ابنتهم"، وهذا المنزل المحلوف عليه هو منزل أحد أقاربه، ويرغب السائل في التزوج من إحدى بناته، ثم ندم على ما فعل واستغفر الله واصطلح مع والده وقام معه بزيارة المنزل المحلوف عليه.
وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعي.
هل إذا قال الإنسان: أعاهدك يا الله ألَّا أفعل كذا، ثم فعله، هل يعتبر ذلك من الذنوب، وهل يعتبر حنثًا لليمين يحتاج لكفارة؟
ما حكم أكل الناذر من نذره وادّخاره منه؛ فقد نذر مسلمٌ أن يذبح شاة لله أو ما شابه ذلك، فهل يجوز له أن يأكل منها مع الناس؟ وهل يجوز له أن يَدَّخِرَ شيئًا منها لنفسه؟ وهل يجوز له أن يدعوا إخوته وأقاربه للأكل من تلك الذبيحة؟
ما حكم إنفاق جزء من النذر في غير الجهة المحدد لها؟ حيث يريد السائل بيع عجل قد نَذَرَه لإطعام الفقراء بثمن كبير، ثم يشتري عجل آخر بثمن أقل، فيتحصل توفير مبلغ من المال هو الفرق بين الثمنين؛ وذلك لأجل إنفاقه في بناء مسجد. فما حكم ذلك؟
ما حكم تعديل النذر والزيادة فيه؟ حيث شاركت في إحدى المسابقات ونذرت إن وفقني الله فيها وأخذت منحة السفر إلى إحدى الدول الأجنبية أن أتصدق بثلث المبلغ الذي أعود به من هذه المنحة، وهذا الثلث المنذور سوف تحج منه والدتي وما يتبقى أتصدق به في مسجد القرية، وبعد أيام أكدت النذر بزيادة من الثلث إلى نصف المبلغ. فهل يلزمني الوفاء بالنذر في المرة الأولى أم الثانية؟ وهل لو لزمني النذر الثاني -النصف لله- فهل يجوز لي أداء فريضة الحج من هذا النصف الذي نذرته لله؟