سائل يقول: أعيش في منطقة دائمًا تنقطع بها المياه ليلًا ولا تأتي إلا صباحًا وأحيانًا ظهرًا، ولدي قارورة مياه للشرب والاستعمال، وعندي بعض الأسئلة تتعلق بالتيمم وهي:
أولًا: ما مدى مشروعية التيمم عند وجود الماء مع الاحتياج إليه للمأكل والمشرب وعدم كفايته ليشمل الطهارة؟
ثانيًا: هل يلزمني عند انقطاع المياه في المناطق السكنية المعاصرة والعامرة والتي تتجاور وتتقارب فيها الشقق والمنازل أن أطلب الماء أولًا ممن يجاورونني من السكان، أم يشرع لي التيمم بمجرد فقدي الماء في خصوص بيتي؟
ثالثًا: هل يلزمني عند فقد الماء في الأماكن السكنية العامرة مع كثرة توافر المحلات التجارية وسهوله الحصول عليه أن أبادر أولًا بشراء الماء، أم يجوز لي التيمم مع تمكني من الشراء؟
في حالة انقطاع المياه عنك، وعدم استيعاب الماء المخزن لديك إلا لحاجتك الأصلية فقط، فإنك حينئذٍ في حكم فاقد الماء، ويجوز لك طلبه من الجيران إن علمت أن الصلة بينكم تسمح بذلك دون تعريض نفسك أو تعريضهم لحرج، أو أن تبادر إلى شراء ما يكفي لتطهرك من الماء إن كان يباع بثمن المثل وكان ذلك الثمن فائضًا عن حاجتك الأصلية، وإن لم يتيسر طلبه من الجيران ولم تقدر على شرائه فيباح لك التيمم بلا حرج.
هذا، وننصح أن يحرص كل إنسان يعلم باحتمال انقطاع المياه عنه أن يدخر ويخزن منها ما يكفي لتطهره كما يدخر منها ما يكفي لمأكله ومشربه؛ لأن التطهر بالماء هو الأصل والأكمل.
المحتويات
من المقرر أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وأن ما يناسب البعض قد لا يناسب الباقين، كما أن ما يصلح في زمان أو مكان قد لا يصلح في زمان أو مكان مختلف، ومن ذلك ما يتعلق بالصور المسؤول عنها، وإباحة التيمم من عدمه، وهو يختلف باختلاف الصور المطروحة وبيان ذلك على النحو الآتي:
بخصوص مشروعية التيمم عند وجود الماء مع الاحتياج إليه للمأكل والمشرب وعدم كفايته للطهارة:
فقد أجمع الفقهاء من المذاهب الفقهية من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرها على أن الماء الذي يحتاج إليه الإنسان في حاجته الأصلية كالمأكل والمشرب وغيرها مما لا بد منه كالمعدوم في حقه، فيشرع حينئذٍ لمن وجد الماء -لكنه لا يكفي أن يشمل تطهره مع سد حاجته الأصلية- أن يستعمله فيما يَسد به حاجته، ويتيمم لصلاته.
قال الإمام فخر الدين الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 38، ط. المكتبة الأميرية): [وأما الماء المحتاج إليه للعطش فلأنه مشغول بحاجته، والمشغول بالحاجة كالمعدوم، وكذا إذا كان معه ثمنه وهو محتاج إليه للزاد يتيمم معه، وكذا الماء الذي يحتاج إليه للعجين؛ لما قلنا] اهـ.
وقال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 150، ط. دار الفكر): [وكذا إذا احتاج للماء للعجين أو الطبخ الذي يتوقف عليه إصلاح بدنه (كعدم) أي: كما يجب التيمم لعدم (مناول أو) لعدم (آلة) مباحة كدلو وحبل إذا خاف خروج الوقت؛ لأنه بمنزلة عادم الماء] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: وكذا إذا احتاج للماء للعجين أو الطبخ) أي: فإنه يتيمم ويبقى الماء للعجين أو الطبخ، وهذا ما لم يمكن الجمع كما مر، فإن أمكن الجمع بقضاء الوطر بماء الوضوء فعل] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/ 244، ط. دار الفكر): [وأما من يحتاج إليه للعطش فهو كالعادم فيتيم مع وجوده، وهذا لا خلاف فيه، نقل ابن المنذر وغيره الإجماع عليه، واتفق أصحابنا على أنه إذا احتاج إليه لعطش نفسه أو رفيقه أو حيوان محترم من مسلم أو أمي أو مستأمن أو بهيمة جاز التيمم بلا إعادة، قال أصحابنا: ويحرم عليه الوضوء في هذه الحالة] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 265، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله (أو عطش يخافه على نفسه) إذا خاف على نفسه العطش؛ حبس الماء، وتيمم بلا نزاع. وحكاه ابن المنذر إجماعًا] اهـ.
وعلى ذلك فلا يلزم المكلف أن يتطهر بما عنده من الماء المعد لسد حاجته الأصلية ومن يعول من المشرب والمأكل وغيرهما مما لا بد له منه، وحكمه في هذه الحالة حكم عادم الماء.
بخصوص لزوم المكلف طلب الماء أولًا ممن يجاورونه من السكان عند انقطاع المياه في المناطق السكنية المعاصرة والعامرة والتي تتجاور وتتقارب فيها الشقق والمنازل:
فمع اشتراط الفقهاء طلب الماء عند التيمم، إلا أن المتأمل فيما أورده الفقهاء في هذه المسألة يتضح له أن صورة طلب الماء التي استفاض الفقهاء في الكلام عنها واشترطوها إذا قربت المسافة قبل الشروع في التيمم في عصرهم تختلف اختلافًا كليًّا عن صورة طلب الماء من الجيران في المناطق السكنية المعاصرة العامرة، من حيث إن طلب الماء في العصور السابقة إنما كان يقصد به معرفة مكان وجوده حيث كان الماء وقتها مبذولًا على جهة الإطلاق والمشاع للجميع، كماء البئر أو النهر، أو من خلال رفقة في سفر يتشاركون عادة في المتاع والماء، أما صورة طلب الماء من الجيران في زماننا وواقعنا المعاصر فهي طلبه ممن يملكه على سبيل العطية والهبة لا الاستحقاق؛ لأن الماء الخاص بكل مبنى سكني بل بكل شقة سكنية ماء يختص بها دون غيرها، وطلب بذله وهبته من صاحبه مما يُلحق الفضل والمنة ويحمل الطالب واجب العرفان بذلك؛ مع ما فيه من التعدي على خصوصية الآخر مع احتمال تعرضه للحرج أو الإزعاج لاختلاف أحوال الناس في زماننا، إضافة إلى أن استخدام المياه الآن في الشقق السكنية مما له نظير مادي يلتزم به صاحب الشقة أو العمارة، وإن كان ما يطلبه من الماء للتطهر قد يكون قدره يسيرًا إلا أن أصحاب الحياء والمروءات يشق عليهم ولو طَلَبُ اليسير من الغير، وذلك ما راعاه الفقهاء من المذاهب الفقهية من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وأكدته نصوصهم؛ حيث نصوا على أنه لا يلزم عادم الماء أن يطلبه مما يملكه الغير؛ لأن ما كان مملوكًا للغير كالمعدوم، وأنه لا يلزمه أيضًا طلب الماء على سبيل الهبة للتطهر به ولا طلب هبة ثمنه لكيلا يلحقه بالعطاء من المَنِّ ما يَشقُّ على نفسِ الكريم، أو يَلحقه الحرج في التعرض للسؤال أو المنع بعد الطلب، وذلك هو الأحوط والأنسب في واقعنا، خاصة إذا لم يكن بين الجيران وبعضهم من الصلات القوية ما تسمح لهم بمثل هذا، والتيمم إنما شرع في الأصل رفعًا للحرج.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 115، ط. دار المعرفة): [قال (وإذا كان مع رفيقه ماء فعليه أن يسأله) إلا على قول الحسن بن زياد رحمه الله تعالى، فإنه كان يقول: السؤال ذل وفيه بعض الحرج وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج، ولكنا نقول: ماء الطهارة مبذول بين الناس عادة، وليس في سؤال ما يحتاج إليه مذلة] اهـ.
قال العلامة الميرغيناني الحنفي في "الهداية في شرح بداية المبتدي" (1/ 141، ط. الحلبي): [(ولو تيمم قبل الطلب أجزأه عند أبي حنيفة -رحمه الله-) لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير، وقالا: لا يجزئه؛ لأن الماء مبذول عادة] اهـ. وعادة بذل الماء حيث كان مباحًا، وهو مما يختلف باختلاف المكان والحال.
وقال العلامة الكمال بن الهمام مُحَشِّيًا عليه في "فتح القدير" (1/ 141-142): [(قوله: لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير)؛ لأن القدرة على الماء بملكه أو بملك بدله إذا كان يباع أو بالإباحة، أما مع ملك الرفيق فلا؛ لأن الملك حاجز فثبت العجز، وعن الجصاص: لا خلاف بينهم، فمراد أبي حنيفة إذا غلب على ظنه منعه، ومرادهما إذا ظن عدم المنع لثبوت القدرة بالإباحة في الماء] اهـ.
وقال العلامة العدوي المالكي في "حاشيته على شرح مختصر خليل" (1/ 185، ط. دار الفكر): [قوله: إن عدموا) من أفراد عدم الماء الحقيقي ما إذا وجدوا ماء غير مطلق أو مملوكا للغير أو مسبلا للشرب خاصة، ومثله ما إذا التبس المسبل للشرب بغيره] اهـ.
وقال الإمام الجويني في "نهاية المطلب" (1/ 221، ط. دار المنهاج): [وهل يلزمه استيهاب الماء، وطلب العارية في الدَّلو والرشاء؟ فعلى وجهين: أحدهما: يجب؛ لأنه [هيّن] الطلب، والمنّة تخف، والثاني: لا يجب؛ فإن التعرض للسؤال صعبٌ على ذوي المروءات، وإن هان قدر المسؤول] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 92، ط. عالم الكتب): [(و) يلزمه قبول (هبة) لاستيهابه (و) يلزمه قبول ثمنه قرضًا وله وفاء) لأن المنة في ذلك يسيرة في العادة، فلا يضر احتمالها. ولا يلزمه قبول ثمنه هبة للمنة، ولا استقراض ثمنه] اهـ.
ومما سبق يتبين أنه: لا يلزم من انقطعت عنه المياه في المناطق السكنية المعاصرة، ولا يجد ما يتطهر به أن يطلبه من جيرانه؛ لأنه في ذلك يطلبه من ملك غيره، إلا إن علم أن الصلة بينه وبين جيرانه تسمح له بمثل هذا الطلب دون أن يعرض نفسه أو يعرضهم لحرج أو مشقة، وأن يكون مثل ذلك الأمر من الأمور المتبادلة بينهم، ويُعلم ذلك بطول العشرة ويختلف باختلاف الأماكن والأحوال والأشخاص، فإن تحرج من الطلب منهم أو خشي إزعاجهم ولم يجد وسيلة للحصول على الماء؛ فيشرع له التيمم حيئنذٍ بلا حرج.
بخصوص وجوب شراء الماء لمن فقده في الأماكن السكنية العامرة قبل الترخص له بالتيمم:
فقد تواردت نصوص الفقهاء على أن من قَدَر على شراءِ الماءِ بثمن المثل، وكان هذا الثمن فائضًا عن حاجته الأصلية فلا يجوز له أن يعدل إلى التيمم مع قدرته على الشراء حينئذ؛ لأنَّ القدرة على ثَمن الشيء بثمن المثل كالقدرة على الشيء نفسه، فلا يُعد في هذه الحالة فاقدًا للماء، ويلزمه شراؤه والتطهر به.
قال العلامة الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 22، ط. الحلبي): [(ويشتري الماء بثمن المثل إذا كان قادرًا عليه)؛ لأن القدرة على البدل قدرة على المبدل. (ولا يجب عليه أن يشتريه بأكثر) والكثير: ما فيه غبن فاحش، وهو ضِعفُ ثَمنِ المثل في ذلك المكان] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 189، ط.دار الفكر): [ولزم من فقد الماء ووجده يباع أخذه إن بيع بثمن اعتيد في موضعه وما قاربه حيث لم يحتج للثمن] اهـ.
وقال العلامة جلال الدين المحلي الشافعي في "شرحه على منهاج الطالبين" (1/ 92، ط. دار الفكر): [(ويجب شراؤه) أي: الماء للطهارة (بثمن مثله) في ذلك الموضع في تلك الحالة، ولا يجب الشراء بزيادة على ثمن المثل، وإن قلت: (إلا أن يحتاج إليه) أي الثمن... فيصرف الثمن إلى ما ذكر ويتيمم] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 165، ط. عالم الكتب): [(يلزمه) أي: عادم الماء إذا وجبت عليه الطهارة (شراء الماء) الذي يحتاجه لها (بثمن مثله في تلك البقعة أو مثلها) أي: مثل تلك البقعة (غالبًا)؛ لأنه قادر على استعماله من غير ضرر، ولأنه يلزمه شراء سترة عورته للصلاة فكذا هنا] اهـ.
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه في حالة انقطاع المياه عنك، وعدم استيعاب الماء المخزن لديك إلا لحاجتك الأصلية فقط، فإنك حينئذٍ في حكم فاقد الماء، ويجوز لك طلبه من الجيران إن علمت أن الصلة بينكم تسمح بذلك دون تعريض نفسك أو تعريضهم لحرج، أو أن تبادر إلى شراء ما يكفي لتطهرك من الماء إن كان يباع بثمن المثل وكان ذلك الثمن فائضًا عن حاجتك الأصلية، وإن لم يتيسر طلبه من الجيران ولم تقدر على شرائه فيباح لك التيمم بلا حرج.
هذا، وننصح أن يحرص كل إنسان يعلم باحتمال انقطاع المياه عنه أن يدخر ويخزن منها ما يكفي لتطهره كما يدخر منها ما يكفي لمأكله ومشربه؛ لأن التطهر بالماء هو الأصل والأكمل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الطلاق المعلق؟ فهناك رجلٌ حلف على زوجته بالطلاق أنها إذا ذهبت إلى بيت أختها تكون طالقًا، فهل يجوز له التحلُّل من هذا اليمين؟ مع أنَّه كان قاصدًا نية الطلاق، مع العلم أنَّ زوجته لم تذهب حتى الآن.
ما حكم هجر المصرّ على الأذى والضرر في ليلة النصف من شعبان؟ فقد حصل بين أحد الأشخاص وصاحب له خلافات ومشاكل، وتعاظم الأمر حتى أدى ذلك إلى القطيعة بينهما، ومَرَّ على ذلك بعض الأيام، وقد هلَّ علينا شهر شعبان المبارك، وعلم أن الله يغفر لكلِّ الناس في ليلة النصف منه إلا المشاحن، فسعى للصلح معه، إلا أنه بادره بالسب والأذية بالكلام والأفعال، واختلاق المشاكل، والخوض في الأعراض، وغير ذلك من الأمور السيئة التي تؤدي للفتنة بينه وبين جيرانه وأقاربه، ويتكرر ذلك كلما سعى في الصلح معه وإصلاح ما فسد بينهما، وبعد معاناة من هذا الأمر قرر مجانبته وهجره وعدم الحديث معه؛ تجنبًا للمشاكل والأذية، لحين أن تهدأ نفسه، أو يجد فرصة مناسبة للصلح. فهل يكون من المشاحنين الذين لا يغفر الله لهم في هذه الليلة المباركة بسبب هجره صاحبَه هذا وتجنبه؟
ما حكم التيمم لعذر يمنع من استعمال الماء؟ فسائل يسأل عن زوجته المصابة بحالة جفاف في بشرة الوجه واليدين ونصحها الطبيب بعدم التعرض للماء إلا مرة واحدة في اليوم؛ لعدم حدوث مضاعفات لها.
فهل يجوز لها التتيمم طوال اليوم لأداء الصلاة والطاعات التي تحتاج للطهارة؟
ما حكم صوم المرأة التي نزل عليها دم قبل الولادة بيوم وهي صائمة؟ فهناك امرأةٌ حاملٌ، ونَزَل عليها دَمٌ قَبْل الولادة بيومٍ مصحوبًا بشيءٍ مِن الآلام التي تَسبِقُ الولادة، وكان ذلك في نهار رمضان وهي صائمة، فهل تُكمِل صومها أو تفطر بسبب نزول هذا الدم؟
ما حكم إعداد شنطة رمضانية لفقراء القرية من أموال زكاة المال؟ فنحن في شهر رمضان نقوم بإعداد هذه الشنط من أموال زكاة المال وتكون أقلّ من أسعار السوق بكثير فضلًا عمَّا يقوم به أصحاب هذه المحلات من تقديم تسهيل وتنزيل للأسعار. فهل يجوز ذلك؟
نرجو منكم بيان كيف حث الشرع الشريف الإنسان أن يستر على نفسه إذا وقع في معصية؟ حيث إننا معرضون للوقوع في الذنب، لكن بعض الناس يتغافل عن ستر نفسه بل يخرج ويحكي ما حصل منه من معصية وذنب بعد أن ستره الله.