ما حكم لُبس القفازين بالنسبة للمرأة المُحْرِمة؟
لُبس القُفَّازَيْن للمرأة حال إحرامها من محظورات الإحرام التي يجب عليها تركها ما دامت مُحرِمة، وتجب عليها الفدية بلُبسهما حال القصد والتذكر، وهي أحد ثلاثة أشياء على التخيير، إما إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة تجزئ في الأضحية، أو صيام ثلاثة أيام.
المحتويات
المراد بالإحرام عند جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة: نيَّة الدخول في مناسك الحج أو العمرة، ويتحقق عند الحنفيَّة وبعض فقهاء المالكية بأن يقترن الذكرُ أو التلبيةُ بالنية، كما في "درر الحكام" للعلامة الملا خسرو الحنفي (1/ 219، ط. دار إحياء الكتب العربية)، و"شرح متن الرسالة" للشيخ زروق المالكي (1/ 527، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية الجمل" للشيخ سليمان الجمل الشافعي (2/ 407، ط. دار الفكر)، و"الروض المربع" لأبي السعادات البهوتي الحنبلي (ص: 285، ط. دار المؤيد).
وإذا أحرم المكلف بالنسك فإنه يمتنع عليه شرعًا أشياء كانت حلالًا له قبل إحرامه حتى يتحلل منه، وبعض هذه الأشياء يشترك فيها الرجال والنساء، وبعضها خاصة بالرجال، وبعضها خاصة بالنساء.
والأصل في ذلك ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَلْبَسُوا القَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا العَمَائِمَ، وَلَا البَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ، وَلَا الوَرْسُ، وَلَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ» رواه البخاري في "صحيحه".
فصرَّح في هذا الحديث الشريف بالنهي عن أن تلبس المرأة المحرمة القُفَّازَيْن، وهما الجوربان اللذان يلبسان في اليدين يغطى بهما الأصابع والكفين؛ وذلك لتعلق الإحرام في اللباس بوجهها وكفيها، كما في "المنتقى شرح الموطأ" لأبي الوليد الباجي الأندلسي (2/ 200، ط. مطبعة السعادة)، أو لأن النهي لتحريم كل ما يحيط بالبدن إحاطةَ مثلِهِ في العادة، كما في "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (2/ 51، ط. مطبعة السنة المحمدية).
قد اختلف الفقهاء في حكم لبس القفازين للمرأة، فذهب الجمهور من المالكية، والشافعية في الأظهر، والحنابلة إلى أن لبس القفازين من محظورات الإحرام، وتجب الفدية بلبسهما حال القصد والتذكر، وذهب ابن حبيب من المالكية إلى عدم الفدية.
قال العلَّامة الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (3/ 140، ط. دار الفكر): [ص (فصلٌ: حَرُمَ بالإحرام على المرأة)... (لبس قفاز) ش: قال في "التوضيح": القفاز ما يفعل على صفة الكفين من قطن، ونحوه؛ ليقي الكف من الشعث. انتهى، وقال ابن عرفة: قال الباجي: ويجب على المرأة تعرية يديها من القفازين... فإن لبست القفازين، فعليها الفدية على المشهور، خلافًا لابن حبيب... ويستفاد حكم الفدية من كلام المصنف؛ لأن كل ما حكم له في الفصل بأنه ممنوعٌ ففيه الفدية، ما لم يصرح بأنه لا فدية فيه، كتقليد لغير ضرورة] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 294، 295، ط. دار الكتب العلمية): [(ولها) أي: المرأة (لبس المخيط) وغيره في الرأس وغيره، (إلا القفاز)، فليس لها ستر الكفين ولا أحدهما به (في الأظهر)؛ للحديث المتقدم، ولأن القفاز ملبوس عضو ليس بعورة في الصلاة، فأشبه خف الرجل وخريطة لحيته] اهـ.
وقال العلَّامة أبو النجا الحجاوي الحنبلي في "الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل" (1/ 367، ط. دار المعرفة): [ويحرُم عليها وعلى رجل لبس قفازين أو قفاز واحد، وهما كل ما يعمل لليدين إلى الكوعين يدخلهما فيه لسترهما من الحر: كالجورب للرجلين كما يعمل للبزاة وفيه الفدية كالنقاب] اهـ.
والفديةُ أحد ثلاثة أشياء على التخيير، إما إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة تجزئ في الأضحية، أو صيام ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]. والنسك: الفدية بدم.
ولما رُوِيَ عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ به زمنَ الحديبية، فقال: «قَدْ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «احْلِقْ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح"، وأبو داود في "السنن"، والطبراني في "الكبير"، وابن حبان في "الصحيح".
قال العلَّامة ابن القطان في "الإقناع" (1/ 295، ط. الفاروق الحديثة): [ولم يختلفوا أن الإطعام لستة مساكين، وأن الصيام ثلاثة أيام، وأن النسك شاة على ما في حديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَة، إلا شيئًا قاله الحسن وعكرمة ونافع أن الإطعام لعشرة مساكين والصيام عشرة أيام، ولم يتابعهم عليه أحد] اهـ.
وذهب الحنفية، والشافعية في قولٍ إلى جواز لبس القفازين للمرأة حال إحرامها من غير فدية.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 186، ط. دار الكتب العلمية): [وأما لبس القفازين فلا يكره عندنا وهو قول علي، وعائشة رضي الله عنهما، وقال الشافعي: لا يجوز... ولنا ما روي أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين، ولأن لبس القفازين ليس إلا تغطية يديها بالمخيط، وأنها غير ممنوعة عن ذلك، فإن لها أن تغطيهما بقميصها، وإن كان مخيطًا فكذا بمخيط آخر، بخلاف وجهها، وقوله: "ولا تلبس القفازين" نهي ندب حملناه عليه جمعًا بين الدلائل بقدر الإمكان] اهـ.
وذكر العلَّامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 294، 295، ط. دار الكتب العلمية) مقابل الأظهر في المسألة، وهو جواز لبس المرأة المحرمة للقفازين، فقال: [والثاني يجوز لها لبسهما؛ لما رواه الشافعي في "الأم" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يأمر بناته بلبسهما في الإحرام] اهـ.
المختار للفتوى هو قول الجمهور؛ لأنه أحوط، ولموافقته كون الأصل في النهي حمله على التحريم، كما قرره علماء الأصول. ينظر: "الإبهاج في شرح المنهاج" لتاج الدين السبكي (2/ 66، ط. دار الكتب العلمية).
بناءً على ذلك: فإن لُبس القُفَّازَيْن للمرأة حال إحرامها من محظورات الإحرام التي يجب عليها تركها ما دامت مُحرِمة، وتجب عليها الفدية بلُبسهما حال القصد والتذكر، وهي أحد ثلاثة أشياء على التخيير، إما إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة تجزئ في الأضحية، أو صيام ثلاثة أيام.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟ فقد سألني بعض الأصدقاء أنَّه يعتاد وضع بعض أنواع الكريمات على جَسَده بعد الغُسْل، وبعضُ هذه الكريمات ذات رائحةٍ عِطْريةٍ، فهل يجوز له ذلك؟
ما واجبات الطواف؟ وما شروط صحته؟
ما حكم صيام أيام التشريق للمتمتع؟ حيث إن هناك بعض الحجاج يحُجُّون متمتعين ولا يقدرون على شراء هدي التمتع، ويريدون أن يصوموا عِوَضًا عن الهدي ثلاثة أيام في الحج، فهل يجوز صيام هذه الأيام الثلاثة في أيام التشريق؛ الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة؟
ما حكم استبدال الإطعام بالقيمة في فدية الحَج؟
ما حكم من وصل إلى مزدلفة بعد شروق الشمس؟ فقد وفقني الله تعالى لأداء فريضة الحج هذا العام، ولكنني خرجت من عرفة بعد المغرب، وبسبب شدة الزحام، لم أستطع الوصول إلى مزدلفة إلا بعد شروق الشمس؛ فما الحكم؟
ما حكم النيابة في الحج عن المتوفى وشروط النائب؟ فأنا أمي ماتت قبل أن تؤدي فريضة الحج، وأريد أن أُنيب شخصًا يؤدي عنها فريضة الحج من مالي الخاص؛ فما هي الشروط الواجب توافرها في الشخص النائب عن أمي في الحج؟ وهل يلزم أن يكون من أهل بلدها؟ وهل هناك قدر مُحَدَّد من المال يُدْفَع لمَن يؤدي هذه الفريضة؟